سياسة لبنانية

«شامل روكز» من «التقاعد العسكري» الى «المعترك السياسي»

لم يصل العميد شامل روكز الى قيادة الجيش وإنما أحيل الى التقاعد ابتداء من صباح اليوم. فرصته في الوصول الى قيادة الجيش بدت مثل فرصة وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية متعذرة لأسباب سياسية، وإذا كانت نقطة قوة جبران باسيل تكمن في أنه صهر الجنرال عون، فإن نقطة ضعف شامل روكز تكمن أيضاً في أنه صهر الجنرال عون. فرغم أنه ضابط استثنائي يتفق الجميع على الإشادة بمناقبيته وانضباطه وإنجازاته، فإن ترشيحه وتسويقه لقيادة الجيش حصل من خلفية سياسية لا تنسجم مع فكر العميد روكز الذي كان يردد «أنا لا أقبل أن آتي الى قيادة الجيش كخيار من جهة حزبية، وحيثيتي استمدها من الناس ومن قرار تشارك فيه كل القوى السياسية ويكون انعكاسا لخيار هؤلاء الناس وقناعة بمسيرتي العسكرية الطويلة والتزامي الصارم بتوجيهات المؤسسة ومناقبيتي وإلا.. فلا أريدها».
ولكن هذا لا يعني ان شامل روكز في حالة انفصام مع الواقع السياسي. خلال هذا العام، ومن ضمن قواعد لعبة هو عملياً كعسكري الأكثر تقصيراً في مجاراتها، توسّعت مروحة لقاءاته السياسية والتي بعضها كان يحصل للمرة الأولى كما اجتماعه وجها لوجه مع الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري خلال الزيارة التي قام بها الى لبنان.
لم يكشف العميد روكز طموحه الى تولي قيادة الجيش مقراً بوجود عوائق سياسية أبرزها عدم وجود رئيس للجمهورية والتذرع بهذا الواقع الذي يفرض انتخاب الرئيس أولاً وتعيين قائد للجيش بعد ذلك… إضافة الى صعوبة توافر اتفاق سياسي حول موضوع قائد الجيش. ومن دون هذا الاتفاق لا سبيل الى قرار حكومي بالتعيين…
أما برنامج العميد روكز فيما لو وصل الى قيادة الجيش، وكما شرحه وفنّده أصدقاؤه ومقربون منه، فإن أبرز خطوطه العريضة هي:
– تعزيز وضع الجيش وقدراته تدريباً وتسليحاً.
– تقوية إمكانات المخابرات وتطويرها على صعيد التقنيات وتكنولوجيا المعلومات.
– إبعاد التدخلات السياسية عن الجيش واتباع النموذج الذي طبقه طيلة توليه قيادة فوج المغاوير… مع التعهد بأن يكون على مسافة واحدة من الجميع.
– إيلاء الوضع العسكري – الأمني على الحدود اللبنانية – السورية أولوية مطلقة وإقفال هذه الثغرة الأساسية بإقفال كل الطرق والمسارب ونقاط التواصل البري بين لبنان وسوريا وإقامة سواتر ترابية وجدران فاصلة مرتفعة فاصلة، لضبط الحدود ومنع عمليات التسلل على أنواعها.
– الحرص على علاقة تعاون وثقة مع حزب الله… سلاح الحزب له وضعية إقليمية وأي معالجة له لا تكون محلية وإنما تكون جزءاً من تسوية إقليمية شاملة… وأي تفكير بضرب العلاقة بين الجيش وحزب الله هو تفكير مدمّر، لأنه سيؤدي الى إضعافهما معاً والى تدميرهما وتدمير لبنان.
– فتح صفحة جديدة مع القوات اللبنانية ومعالجة وتصفية رواسب وذيول الماضي (حرب الإلغاء).
– السعي الى تعزيز التواجد المسيحي في الجيش عبر حث الشباب المسيحي وتشجيعه على الانخراط ومن خلفية أن الدولة وجيشها هي الحماية والضمانة بعدما جُرِّبت كل المشاريع الفئوية (الأمن الذاتي)… المناصفة على مستوى الضباط لا تكفي. عديد الجيش يجب أن يتعزز مسيحياً وأن ينشأ حد أدنى من التوازن الطائفي على مستوى العناصر والجنود والأرض.
شامل روكز الذي اشتهر بـ «صمته» طيلة فترة خدمته العسكرية الطويلة والحافلة، حتى في الأشهر الأخيرة التي صار فيها اسمه وموقعه موضع تداول وتسويات، لم يكن تقاعده صامتاً وإنما رافقته ضجة سياسية وإعلامية وشعبية تعلن أن التقاعد الذي هو نهاية مرحلة «عسكرية» سيكون بداية لمرحلة جديدة في حياته من المبكر والسابق لأوانه تحديد معالمها الآن. ولكن من الممكن القول إن روكز يدخلها من موقع المنسجم مع نفسه والمستند الى قاعدة تعاطف شعبي.
لم يصل روكز الى قيادة الجيش ولم يتم تمديد خدمته بطريقة ما (ترقيته الى رتبة لواء أو استدعاؤه من الاحتياط أو تأجيل تسريح استثنائي)، ولا يُعرَف بعد ما إذا كان سيتحول الى العمل السياسي والى لعب دور رئيسي في التيار الوطني الحر. هذا التيار، الذي خرج من رحم المؤسسة العسكرية ومجتمعه يتحدر في معظمه من عائلات وأصدقاء الجيش والبيئة الحاضنة له.
التيار الوطني الحر من الآن فصاعداً سيكون محكوماً بثنائية باسيل – روكز. شخصيتان مختلفتان متكاملتان، أحدهما يكمل الآخر وكل واحد يحتاج للآخر. وقد يكون من أسباب سعي العماد عون الى تعيين روكز قائداً للجيش توزيع المسؤوليات والمهام بأن يظل روكز في نطاق العمل العسكري ولاحقاً على الأرض، وإيلاء الشأن السياسي لـ «باسيل»، وبالتالي تفادي الازدواجية والتصادم والنزاع داخل التيار، ولاحقاً تحوّل هذه الثنائية التنافسية الى ثنائية متكاملة متناغمة تعطي ما لباسيل لباسيل في الشأن السياسي وما لروكز لروكز في الشأن الشعبي وعلى الأرض…. حتى الآن لم يمارس روكز أي نشاط داخل التيار الوطني الحر، هو الذي بقي بعيداً منه في العلن كما في الخفاء على رغم مصاهرته للعماد عون الذي تقول أوساطه إن أبواب الحزب مفتوحة أمام العميد روكز، إلا أن القرار في النهاية يعود له…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق