افتتاحية

واخيراً تحرك الشعب فهل يكون اقوى من المافيات؟

بعد طول انتظار تحرك الشعب، وبدا مصمماً على اطاحة هذه الطبقة السياسية الفاسدة. فقد شهدت ساحة رياض الصلح وساحة الشهداء ما يمكن ان تسميه بداية ربيع لبناني، نأمل ان يكمل حركته، حتى طرد اخر سياسي من الذين اساءوا الى الشعب والوطن، والذين انتفخت جيوبهم باموال السرقات والسمسرات والصفقات وكلها اموال حرام.
الملفت ان عدداً من السياسيين سارعوا الى المزايدات وبدل ان يستتروا اطلوا على الشاشات مصورين انفسهم انهم هم الشرفاء العفيفون، والقوا المسؤولية على غيرهم واظهروا انهم زاهدون في الحكم. وانهم يقفون الى جانب المتظاهرين ولكن الناس باتت تعرف اساليبهم الملتوية فرفضتهم على الفور. وتحركت القوى التي لا تريد الخير للبنان فجندت اناساً دستهم بين المتظاهرين لتفشيلهم فعاثوا في الارض فساداً وتخريباً.
احد النواب اعلن تجميد عضويته في مجلس النواب. حقاً انه لامر مضحك الا يدري هذا النائب ان احداً من الناس لا يشعر لا به ولا بأحد من زملائه لانهم لم يعودوا يمثلون الشعب منذ زمن بعيد، بعد ان مددوا لانفسهم مرتين، وكان الاجدر بالنائب الكريم ان يستقيل ويقنع زملاءه بترك الامانة التي انتزعها الشعب منهم، ويعودوا الى منازلهم غير مأسوف عليهم.
اعلى الاصوات التي ظهرت ليل ذلك السبت المفصلي في حياة لبنان صدرت عن الذين ساهموا ولا يزالون يساهمون في تعطيل مؤسسات الدولة. فامتنعوا عن انتخاب رئيس للجمهورية وعطلوا المجلس النيابي ومنعوا الحكومة من الانتاج وايجاد الحلول للازمات القائمة. افلا يخجل هؤلاء من التحدث الى الناس؟
لو كان لدى الطبقة السياسية ذرة واحدة من الكرامة لقدم افرادها استقالاتهم فوراً، وانزووا في منازلهم، خجلين من الظهور، بعد الذي سمعوه من الناس ولكنهم اعتادوا على امتهان الكرامة ولم يعد يؤثر فيهم شيء. وهم ماضون في سياستهم، فتصاعد الخلاف داخل مجلس الوزراء، امعاناً في التعطيل والشلل، وارضاء لغايات في نفس يعقوب.
الرئيس نبيه بري قال في معرض استقباله بعض النواب ان اكثر من اضر لبنان هم اللبنانيون انفسهم، وهذا قول صحيح مئة بالمئة طالما رددناه في هذه الزاوية، ولكن ليس هناك من يسمع او يحاسب، الامر الذي يزيد الامور تدهوراً وسوءاً.
غير ان الضرر الذي يلحقه اللبنانيون بوطنهم نسبي، حسب شرائح المجتمع، ولكن الاشد ضرراً هم الذين يحسبون انفسهم سياسيين، والسياسة براء منهم، لانهم لا يتقنون بنداً واحداً من بنودها، ولا يستوفون شرطاً واحداً من شروطها، ومن هنا فان ضررهم على البلاد عظيم ويكاد يدمرها ويدمر اقتصادها وسمعتها ودورها في المجتمع العربي والدولي.
نعم ان اكثر من يضر لبنان هم اللبنانيون المقيمون فيه. ولكن لا نخال الرئيس بري لا يعلم ان اكبر المسيئين، هم اعضاء المجلس النيابي الذي يرأسه. فهم فشلوا في وضع قانون انتخاب عادل ومنصف للجميع. فلجأوا الى الحل الاسهل. صرفوا النظر عن الانتخابات ومددوا لانفسهم مرة واثنتين والحبل على الجرار. كيف لا والشعب الذي يفترض فيه ان ينتفض ضد هذه الطبقة ويطيحها ويأتي بمن اهم اصلح منها لادارة الوطن، كان الى الامس ينام نوم اهل الكهف ويكتفي بالتغريد على وسائل التواصل الاجتماعي. فكان كمن يداوي السرطان بحبة اسبيرين. فبئس هكذا محاسبة وبئس هكذا محاسب. لكن ولو متأخراً جداً استفاق الشعب وانتفض، فنأمل ان يكمل انتفاضته الى النهاية، رغم محاولات السياسيين عبر المندسين لتفشيله.
رائحة الفساد التي تعبق بها الاجواء السياسية هذه الايام، لم تعد خافية على احد واجتازت الحدود ووصلت الى الخارج. غير ان الوقاحة التي تميزت بها الطبقة الفاسدة، جعلتها تدير ظهرها لكل ما يقال. فهي تسمع الانتقادات في كل مكان ولا تبالي، تطل عبر الشاشات منظرة، متفلسفة توجه الارشادات والنصائح وهي باشد الحاجة الى من يرشدها وينصحها، ويقنعها بوجوب مغادرة الساحة وتركها لمن هم اكفأ وانظف منها.
في الاسبوع الماضي كان من المفترض ان تفض عروض الشركات المشاركة في رفع النفايات التي فاق خطرها كل الحدود، ولكن وكما تردد في كل وسائل الاعلام وما ورد على السنة الناس، فانهم اختلفوا على تقاسم الجبنة، بحيث ان بعض الحصص لم تكن على قدر الطموحات، فكان اسهل الحلول تأجيل فض العروض. ولولا انتفاضة الشعب لما جرت المناقصة ويا ليتها لم تجر لانها تمت باسعار خيالية تزيد الهدر والفساد والاعباء على الخزينة.
ان نفي الخلاف على الحصص الذي ورد على السنة بعض المسؤولين ضعيفاً لدرجة انه اكد الشائعات، بحيث لم يعد هناك شك بان الفساد المعشش في نفوس بعض اصحاب النفوذ، هو الذي يتحكم بمقدرات البلاد والعباد.
بادرة طيبة واحدة وجد فيها المواطنون متنفساً ولو ضيقاً، هو تحرك النيابة العامة المالية، وليس مهماً ان كان تحركها بناء على ادعاء او من تلقاء نفسها، المهم انها تحركت، فاستدعت القائمين على شركة الظلام والتعتيم الى التحقيق في محاولة لكشف اين هدرت المليارات التي انفقت ولا تزال تنفق لـ «ينعم» المواطن بالعتمة. فهل تكون ردة فعل ظرفية ام ان التحقيق يستمر حتى النهاية؟
انه تحرك اثلج صدور جميع اللبنانيين دون استثناء، ولكنهم كلهم ايضاً وضعوا ايديهم على قلوبهم وحبسوا انفاسهم، وكأن على رؤوسهم الطير، هل يكمل التحقيق حتى يكشف كل الفساد والفاسدين ويعيد الاموال المهدورة؟ ويعيد التيار الى الناس؟
نحن من جهتنا لا نعتقد ذلك، لان مافيا التعتيم هي اقوى من اي تحقيق، وان تحريك القضية ليس سوى فشة خلق يراد بها دغدغة احلام الغاضبين الذين يعانون من الانقطاع المستمر للكهرباء، ولكننا مع ذلك نريد ان نرى نصف الكوب الملآن.
ادارة شركة الكهرباء المدعوة للتحقيق لا تزال منذ اثنتي عشرة سنة متربعة على رأس الشركة، لم تقدم طوال هذه المدة بادرة واحدة تسجل في رصيدها، وكان على مجلس الوزراء ان يحاسب هذا التقصير، وبدل ان يعمد منذ سنوات وليس اليوم لاحالتها الى القضاء، جدد لها لفترة جديدة. كيف لا ومسلسل التقصير والتمديد يجب ان ينسحب على كل المؤسسات. فهنيئاً للشعب اللبناني بهكذا حكومة غائبة عن الوعي منذ تشكيلها، وكل وزير فيها فاتح على حسابه، ولا من يحاسب. فلماذا لا يعمد رئيسها وهو معروف بنزاهته الى الاستقالة؟ هل يعتقد ان شيئاً ما سيتغير؟ فحكومة مشلولة تتمرجل على بعضها البعض، لا يمكن ان تأتي بنتيجة، فلترحل غير مأسوف عليها، على الاقل يرتاح الناس من تهديدات بعض افرادها، وليصبح كل وزير فيها رئيساً للجمهورية على حسابه، ولكن خارج اطار الحكومة والمؤسسات الرسمية.
في الختام هنيئاً لوطن سياسيوه تعبق رائحة الفساد من اوساطهم، وهم مرفوضون من الشعب، فهل يمكن تبديل هذا الواقع بقوة الارادة الخيرة الرافضة لكل انواع السرقات والصفقات، ام انه كتب على اللبنانيين ان يتحملوا كل هذه المعاناة الى ان يمن عليهم بحل يخرجهم من هذا الجحيم؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق