أبرز الأخبارسياسة عربية

انهيار العلاقات التركية – المصرية

شهدت العلاقات المصرية – التركية توتراً شديداً، منذ اطاحة نظام حكم الإخوان، ووصل الى ذروته، باتخاذ الحكومة المصرية قراراً بطرد السفير التركي من مصر، وسحب سفيرها من أنقرة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها ترفع التوتر بين البلدين إلى درجة العداء، لا سيما بعد توافر معلومات مخابراتية لدى مصر تشير إلى تورط الحكومة التركية في القيام بأعمال عدائية ضد مصر، وتضر بأمنها القومي، منها دعم المخابرات التركية للأعمال الإرهابية في سيناء، ودعم التنظيم الدولي للإخوان، واستضافة إجتماعاته.

يرى محللون ان القرار جاء تلبية لضغوط الرأي العام المصري واصفين رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بأنه يتعامل مع مصر عقب اطاحة نظام حكم الإخوان المسلمين، وكأنه «سلطان عثماني عاد الى الحياة»، وان مصر «ولاية تابعة للآستانة أو الباب العالي». الاعلان المصري عن طرد السفير التركي لديها، واستدعاء سفيرها من العاصمة التركية فسره المراقبون بانه اعلان رسمي عن انهيار العلاقات بين البلدين، وعن انقطاع ما كان يمكن ان يسمى «شعرة معاوية». وهي الخطوة التي يراها محللون نتاجاً لكم كبير من التداعيات المتراكمة منذ ما قبل انطلاق مرحلة التحول، الذي اقصى جماعة الاخوان المسلمين عن الحكم، لكنها بلغت ذروتها مع بدء مرحلة التحول التي اقصت الجماعة عن الحكم.

انحياز تركي
فالموقف التركي المنحاز الى جماعة الاخوان المسلمين، بدأ منذ مرحلة الثورة، ومن خلال تقديم رئيس الوزراء التركي اردوغان نموذج الحكم التركي كـ «نموذج جاهز للتطبيق»، اضافة الى الدعم المادي واللوجستي، والاعلامي والمعنوي، وامتد الى الحقبة اللاحقة. غير ان ذلك الدعم كان مختلفاً في الحقبة اللاحقة، ومن خلال التشكيك في شرعية قادة التحول من جهة، والتمسك بما يعتقد انه «شرعية النظام الاخواني» الذي كان حاكماً.
والمهم في هذا الامر، ان تركيا، اعلنت رفضها للقيادة المصرية المؤقتة التي تولت ادارة شؤون البلاد مؤقتاً، بهدف التأسيس لانتخابات رئاسية وتشريعية جديدة، والعمل على اعداد دستور يعالج الثغرات التي اسست لها الجماعة وتمسكت بها. واصرت على التشكيك بها والتحريض عليها في مختلف المحافل الدولية، وفي الشارع المصري، وقدمت كل دعم ممكن لمن يناصبون قادة التحول العداء. وسط قناعة بان «اخوان تركيا» من جماعة «حزب العدالة» كانوا ينظرون الى تطورات مصر من زاوية انها نصر لهم ولفكرهم.
الموقف التركي اعاد الى الاذهان الطروحات العثمانية التي يتبناها القادة الاتراك، والتي يرونها مشروعاً يحلمون بتحقيقه. ويعتقدون بأن ما حدث في مصر بدايات الربيع العربي كان مجرد «تباشير» لذلك المشروع. وان مرحلة التحول كانت ضربة لذلك الحلم الجميل الذي تبدد والذي لم يعد قائماً. والطريف في ذلك ان قادة تركيا الذين يحتفظون بتمثيل دبلوماسي عالي المستوى مع القاهرة لم يراعوا ذلك التمثيل، فانحازوا في كل تصرفاتهم وممارساتهم نحو جماعة الاخوان والرئيس المقال محمد مرسي. وتدخلوا في تفاصيل محاكمة مرسي، وفي كل الشؤون التي تصر مصر على اعتبارها شأناً داخلياً. حيث تبنى اردوغان شخصياً شعار رابعة العدوية، وقدم تقارير الى هيئات دولية تتحدث عن «مجازر» في بعض المناطق، واتهم الحكومة والجيش بارتكابها. الامر الذي دفع الحكومة المؤقتة الى التنكر لتلك العلاقة التي وصفت بانها «غير مريحة»، وبلغ الامر حد طرد السفير التركي من القاهرة واستدعاء السفير المصري من انقرة. ورغم ما يترتب على عملية الطرد هذه من تبعات، اقلها الخسائر الاقتصادية، الا ان الطرفين التركي والمصري يصران على تحدي بعضهما البعض. كما يصران على تصعيد المواقف بينهما، مهما بلغت من مدى، في اشارة واضحة الى انهيار العلاقات بين الطرفين.
واستدعت وزارة الخارجية المصرية السفير التركي فى القاهرة حسين عوني بوصطالي، وأبلغته بأنه «شخص غير مرغوب فيه على الأراضي المصرية». وقالت الخارجية في بيانها إنها ايضاً قررت نقل السفير عبد الرحمن صلاح من أنقرة إلى ديوان وزارة الخارجية، والذي كانت استدعته في آب (أغسطس) الفائت ولم يعد الى تركيا منذ ذلك الحين. وبالتزامن، أكد المتحدث باسم الخارجية المصرية السفير بدر عبد العاطي أن القرارات جاءت رداً على تصريحات رئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان، التي طالب فيها بإطلاق سراح الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي وتدخله المستمر في الشأن الداخلي المصري وعدم احترام إرادة الشعب المصري والقرار الوطني المستقل. وكانت مصر عبّرت مرات كثيرة عن استيائها من تصريحات رئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان وتجاوزاته التي لا تحترم إرادة المصريين. من ذلك، اطلاق اردوغان تصريحات ضد القيادة المصرية، ومطالبته – في وقت سابق – بتدخل مجلس الأمن وجامعة الدول العربية في الشأن الداخلي المصري، الأمر الذي اعتبرته الحكومة المصرية مرفوضاً.

ترحيب سياسي مصري
في هذه الاثناء، رحبت القوى السياسية المصرية بقرار طرد السفير التركي من القاهرة، فيما دشن نشطاء سياسيون حملة لمقاطعة المنتجات التركية، لا سيما في ظل نجاح حملة مقاطعة الدراما التركية. ورد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على القرار برفع شارة رابعة، معلناً تضامنه مع الرئيس المعزول محمد مرسي، وأنصاره، فيما تداول نشطاء موقع فايسبوك الإجتماعي صورة من الصفحة الأولى لجريدة الأهرام القاهرية في  العام 1954، عقب ثورة 23 تموز (يوليو) 1952، حول طرد السفير التركي، بسبب التدخل في الشؤون المصرية وسب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، معتبرين أن التاريخ يعيد نفسه.
واعتبرت القوى السياسية المصرية أن قرار طرد السفير التركي من مصر خطوة جيدة، لكنها تأخرت. الا ان بعض القوى طالبت بتوضيحات اكثر حول مبررات الخطوة، وسط تقارير تتحدث عن اسهامات تركية في دعم عمليات ارهابية نفذ بعضها، وجرى تفكيك بعضها الاخر. ولفت بعض التيارات السياسية إلى أن أردوغان يحلم بعودة الإمبراطورية العثمانية بقيادة الحكومة التركية الإخوانية. وطالبت بتنظيم حملة قوية لمقاطعة جميع المنتجات التركية ودعوة أبناء الشعب المصري الى المشاركة الايجابية في الحملة.
الى ذلك اشارت معلومات جرى تداولها اعلامياً الى تدخل مخابراتي تركي في مصر لصالح دعم العمليات الإرهابية في سيناء. والى نشاطات يمكن وصفها بانها «تدخل مباشر» في الشؤون المصرية وتضر بالامن القومي للبلاد. وتحدثت المعلومات عن  إستضافة تركيا إجتماعات التنظيم الدولي للإخوان، والحشد من اجل الاضرار بالدولة المصرية من خلال تلك الحشودات وتلك المؤتمرات التي ادرجت على جداول اعمالها تطورات الوضع في مصر،  وتوصل المجتمعون خلالها الى توصيات وقرارات تحمل تدخلات في الشؤون المصرية، وتحشد ضد الدولة المصرية.

القاهرة – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق