سياسة عربية

افريقيا الوسطى… قلب مآسي القارة السوداء

في شهر كانون الاول (ديسمبر) من السنة الماضية، كانت كل انظار فرنسا وحلفائها الاوروبيين متجهة الى مالي، حيث  كانت الحاجة ملحة، الى ضبط الاصوليين الاسلاميين الذين استولوا على شمال البلاد، مستغلين ثورة الطوارق. ولكن بؤرة قوس الازمة الذي يمتد عبر افريقيا، رابطاً الساحل الصومالي وموريتانيا، مروراً بمنطقة الساحل، تقع اكثر جنوباً، وضبطاً في افريقيا الوسطى.

خلال الاسبوع الماضي، عمد الامين العام للامم المتحدة، الى التعبير، اخيراً، عن قلق يقاسمه اياه الكثيرون، ان تتحول افريقيا الوسطى الى بلد لا يمكن السيطرة عليه، تحت وطأة المواجهات العسكرية التي تمزقه وهي مواجهات طائفية بين المسيحيين والمسلمين، واتنية بين متمردي حركة سيليكا السابقين ومجموعات الدفاع الذاتي القروية. والخوف، هو، خصوصاً، من تمدد الصراعات الدينية، والقبلية الى الدول المجاورة، مثل الكاميرون، وكذلك جمهورية الكونغو الديموقراطية. فنهر اوبانغي، وحده، هو الخط الذي يفصل عاصمة جمهورية افريقيا الوسطى بانغي عن ولاية الايكواتور، الكونغولية.
فعندما استولى، قبل سنة، متمردون جاءوا من الشمال، متجمعين تحت شعار حركة غريبة، اسمها سيليكا، على السلطة في بانغي، بعد ان طردوا الرئيس فرنسوا بوزيزه، من السلطة، ولم يثر الحدث، اية ردود فعل تذكر، فالرئيس بوزيزه الذي كان وصل الى سدة الرئاسة، بالطريقة ذاتها، تمكن من تجديد ولايته مرتين، لكن افريقيا الجنوبية وحدها، ارتعشت مما حدث، لانها فقدت 18 جندياً، في الدفاع عن العاصمة، قبل سنة.

 المتمردون
لكنهم قلة الذين يطرحون الاسئلة. حول اصول هؤلاء المتمردين الفائقي التسلح، والمدعومين من جيش تشاد، في صورة علنية، بعد ان حوّل هذا الجيش ذاته الى دركي في هذه المنطقة، متحالفاً مع فرنسا  في مالي.
اما اليوم، وبعد مرور سنة على هذه الاحداث، فان ميشال دجوجوتا، الزعيم السياسي لحركة سيليكا، يواجه اقسى المصاعب في السيطرة على قواته، بعد ان طرد من الحكم، الرئيس بوزيزه، في شهر اذار (مارس)، واصبح رئيساً للدولة.
سيليكا، كشفت، في النهاية، عن انها شعار تتجمع تحت جناحه مجموعات مسلحة، جاءت من كل المنطقة: اوغنديين من جيش «السيد» المقاوم. وسودانيين وتشاديين، وقد لا نفاجأ اذا انضم الى صفوف الحركة، ذات يوم، «جنود تائهون» من حركة «ام 23» الكونغولية.
مع العلم، ان الرئيس دجوجوتا، كان سعى بعد وصوله الى الحكم، ان يعيد سلطة الدولة، واعلن، رسمياً، حل  حركة سيليكا التي التقى اعضاؤها، الاكثر تسييساً، في ظل «اللجنة الاستثنائية للدفاع عن المكتسبات الديموقراطية». ولكن اللجنة تحولت سريعاً الى ما يشبه جهاز شرطة موازية بينما تحول المقاتلون الذين حالت الامكانات المادية، دون اشراكهم في اي تنظيم رسمي، الى السطو والسرقة. ووصل حجم الازمة الى دفع حوالي 400 الف شخص للنزوح عن مناطقهم، بينما تشير دراسات البرنامج الغذائي العالمي، الى ان حوالي 20 في المئة. من السكان، مهددون بالجوع، خلال الاشهر المقبلة.
وكانت مدينة بوسانغوا، في شهر ايلول (سبتمبر) الماضي، ضحية مواجهات قتالية عنيفة، بين اعضاء من سيليكا، ذات الاكثرية المسلمة وعناصر مسلحة، اطلقت على نفسها «المعادين للبالاكا» (معادين للسواطير) الراغبين في حماية ابناء مجتمعاتهم.
ويعكس هذا الانحدار في جمهورية افريقيا الوسطى، حالة عجز شامل يعم القارة الافريقية. ففي كانون الاول (ديسمبر)، من السنة الماضية، اثبت 400 جندي ارسلتهم جنوب افريقيا عجزهم عن مواجهة 2000 متمرد جيدي التسلح. ثم اثبتت البعثة الدولية لدعم جمهورية افريقيا الوسطى، صعوبة قصوى، في القيام بدورها، فان منظومة الاتحاد الافريقي، الراغبة في ادارة الازمة، ذاتياً، كانت دعت الامم المتحدة الى عدم ارسال قبعات زرقاء، الى وسط افريقيا. ولكن الاتحاد الافريقي لم يتمكن من جمع اكثر من 2500 جندي، من اصل  3652 جندياً، كان من المفروض ان يشكلوا القوة الافريقية لحفظ السلام في وسط افريقيا، اضافة الى ان عسكرها، كان سيىء التسلح، والتدريب، ومن دون معنويات ومبررات.

قوة متعددة
وجاء بان كي مون، يعرض، بعد ان كادت الحالة تصبح غير قابلة للسيطرة، انشاء قوة متعددة الجنسيات، من 6000 الى 9000 جندي افريقي، تمولها الامم المتحدة.
وكأن فرنسا التي لها قاعدة عسكرية في بوار، اكتشفت فجأة ابعاد الخطر، فقررت ان ترفع عدد افراد قاعدتها العسكرية من 400 الى 1200 جندي.
ودعت الحكومة الفرنسية الى اجراء انتخابات ديموقراطية في سنة 2015، في جمهورية وسط افريقيا، يستبعد منها، من يحكم البلاد حالياً.
وقد يكون هذا هو السبب، الذي لا يشجع الرئيس، دجوجوتا على تهدئة المتمردين السابقين الذين حملوه الى السلطة.
ويحذر سليمان سيسه ممثل يونيسيف في بانغي: «ان هذه الازمة قد تتحول الى فاجعة انسانية، لا يمكن السيطرة عليها، اضافة الى انها تواجه «منافسة» من مالي وسوريا ومؤخراً الفيليبين، وبينما كانت يونيسيف تأمل في جمع 32 مليون دولار فانها لم تحصل الا على 12 مليوناً. ولم يتمكن نداء مشترك من منظمات عدة، تابعة للامم المتحدة من جمع اكثر من نصف 185 مليون دولار، تحتاج اليها».
ولكن الوضع المأساوي ملح، وبالغ الخطورة، لان المواجهات الدينية والاتنية تهدد بان تتحول الى فواجع وعمليات تقتيل جماعية.
تكفي الاشارة الى ان 70 في المئة من المدارس اضطرت الى اقفال ابوابها منذ بداية الحرب، اضافة الى انتشار الامراض وسوء التغذية و….

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق