افتتاحية

هؤلاء قطعوا طريق الدولة فمن يحاسبهم؟

في بلد ينتهك القانون عشرات المرات يومياً، وتغيب المحاسبة الجدية الرادعة، يمكن ان تشاهد ما يذهلك لا بل يصدمك. اذ ان بعض ما يجري لا يمكن ان يصدقه عقل.
ففي نهاية الاسبوع الماضي اقدم شاب على قطع الاوتوستراد الاكثر ازدحاماً في لبنان، ليمارس لعبة كرة القدم، متجاهلاً ابواق السيارات وصيحات السائقين والمواطنين عموماً، متجاوزاً ما يتهدده من اخطار، وتابع عمله بخفة لا تصدق. فاعتبر الشريط الذي بث هذا المشهد بمثابة اخبار الى وزارة الداخلية والقوى الامنية والنيابة العامة، على امل ان تتحرك هذه الجهات بسرعة وتلقي القبض على هذا الشاب المستهتر، وتنزل به اشد العقوبات ليكون عبرة لغيره، فلا تتكرر مثل هذه الاحداث.
ونحن اذ نؤيد بشدة ملاحقة الشاب المخالف ومعاقبته، نطالب بمحاسبة كل قاطعي الطرق، وخصوصاً اولئك الذين يقطعون طريق الدولة. فيمنعون قيامها، والا فان غياب المحاسبة سيؤدي الى تآكل المؤسسات وانهيارها.
فمثلاً الم يسد نصف مجلس النواب تقريباً، طريق انتخاب رئيس للجمهورية، فقطعوا رأس الدولة منذ اكثر من عشرة اشهر ولا يزالون، وتسببوا بشلل باقي المؤسسات، فضربوا البلد، وهم يقودونه الى الانهيار غير عائبين بما تتسبب به اعمالهم، التي لا هدف امامها سوى مصالحهم الخاصة؟ فسادت الانانية، وعمت الفوضى في حياة الدولة والناس معاً، وهم لا يزالون ماضين في تصرفاتهم، رغم نداءات العالم كله لهم ليعودوا الى رشدهم، وينقذوا وطنهم قبل فوات الاوان.
هؤلاء النواب، هل يجوز ان يبقوا خارج المحاسبة؟ لماذا لا تطبق القوانين عليهم ولو لمرة، فيرتدعوا؟ الا ينص القانون على ان كل نائب يتغيب عن جلستين متتاليتين لمجلس النواب دون عذر شرعي يحرم من المشاركة في اللجان النيابية، كما قيل في الاعلام، فمن هو المعني بتطبيق هذا القانون في حال وجوده ولماذا لا يطبقه؟ فالى متى ستستمر هذه الفوضى وهذا الاستهتار بمصالح الامة والناس؟ والى متى سيبقى القانون مغيباً؟
ثم اليس الشعب صاحب السلطات كلها، والذي اوصل هؤلاء النواب الى البرلمان، هو المسؤول عن محاسبتهم؟ فلماذا لا يقدم؟
ولماذا لا يحاسب اولئك الذين سدوا طريق الانتخابات النيابية، فمددوا لانفسهم مرتين متتاليتين حتى الان، وقد يتكرر التمديد الى ما لا نهاية، مع العلم انه لم تكن هناك اسباب موجبة، لعدم اجراء الانتخابات، فلماذا هذا التصرف المعيب؟
ولماذا لا يحاسب الذين قطعوا الطريق على مرأى من كل المواطنين، فحالوا دون الاتفاق على قانون انتخاب عصري عادل، ينصف كل مكونات الشعب اللبناني، فبقي قانون العام 1960، اي قانون النصف قرن سائداً حتى الساعة.
الا يخجل النواب من العمل بقانون يتعلق بحق الناس مباشرة، ان يقضوا اكثر من خمس وخمسين سنة دون التمكن من الاتفاق على قانون جديد للانتخابات؟ افليس من الواجب ان يخضع هؤلاء لمحاسبة قاسية يكون عقابها على الاقل اقصاءهم عن النيابة التي يثبتون انهم ليسوا اهلاً لها؟ ولماذا لا يهب الشعب الى محاسبة هؤلاء ويطالبهم بقانون يعيد اليه حقوقه التي كفلها له الدستور؟ طبعاً ان المحاسبة يجب ان تطاول الشعب قبل اي جهة اخرى ذلك انه هو الذي يعيد انتخاب هؤلاء من دورة الى دورة. فتبقى الوجوه ذاتها بكل اخطائها، اللهم سوى بعض التغييرات التي تحتمها الظروف.
ثم لماذا لا يحاسب الذين اعطوا المليارات منذ العام 1990، يوم حطت الحرب اللبناني اوزارها، لاصلاح قطاع الكهرباء واعادة التيار الى اللبنانيين وهو ابسط الحقوق، فاذا بهم بعد انقضاء ربع قرن يعانون من العتمة، ويرغمون على البقاء تحت رحمة اصحاب المولدات، الذين يفرضون الرسوم التي يريدون دون حسيب او رقيب؟
ولماذا لا يحاسب الذين يقطعون طريق المياه فلا تصل الى المنازل الا بساعات قليلة، رغم ان لبنان بلد الينابيع الغزيرة والمياه المتدفقة، واين السدود التي اقيمت لتدارك هذه الازمة التي يعاني منها المواطنون حتى في فصل الشتاء؟
اذا اردنا المضي في تعداد قطع الطرقات في هذه الدولة لاحتاج ذلك الى مجلدات، فهل يأتي يوم تستقيم فيه الامور ويحاسب كل المقصرين، وعندها فقط نصبح دولة ويحق لنا بوطن.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق