دولياتعالم

ما الذي سيتغير في العلاقات بين واشنطن وهافانا؟

أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الكوبي راوول كاسترو الأربعاء في خطابين تاريخيين الاتفاق على إعادة العلاقات الدبلوماسية التي قطعتها واشنطن قبل أكثر من 50 عاماً، وإلى جانب هذا التطبيع، دعا أوباما إلى انهاء الحظر الاقتصادي القائم منذ فترة طويلة على عدو بلاده القديم ابان الحرب الباردة.

بعد 18 شهراً من المحادثات السرية اتفق أوباما والرئيس الكوبي راؤول كاسترو خلال اتصال هاتفي يوم الثلاثاء على تبادل السجناء وفتح سفارتين في عاصمتي البلدين وتخفيف بعض القيود على التجارة.
وأعلن الزعيمان عن الاتفاق في كلمتين متزامنتين بثتا عبر شاشات التلفزيون. وساعد الفاتيكان وكندا في تسهيل الاتفاق.
وأثارت دعوة أوباما انهاء الحظر الاقتصادي على كوبا انتقادات الجمهوريين الذين سيسيطرون على مجلسي الكونغرس اعتباراً من كانون الثاني (يناير) والذين يعارضون اقامة علاقات طبيعية مع الجزيرة التي يديرها الشيوعيون.
وقال أوباما انه قرر انهاء ما وصفها بسياسة جامدة وعتيقة لعزل كوبا لم تفلح في احداث تغيير في الدولة الواقعة في الكاريبي.

بنود تخفيف الحظر
وإلى جانب العمل على التطبيع الدبلوماسي بين واشنطن وهافانا، ستتخذ العديد من الإجراءات الأميركية لتخفيف الحظر التجاري على كوبا وتسهيل السفر إليها.
في ما يلي استعراض لبعض النقاط الأساسية في خطة أوباما للعلاقات مع كوبا:

إعادة العلاقات الدبلوماسية
قال أوباما إنه كلف وزير الخارجية جون كيري بإجراء محادثات بغية فتح سفارة في كوبا وسيقوم دبلوماسيون على مستوى عال بتبادل الزيارات ابتداء من كانون الثاني (يناير) بمناسبة الجولة المقبلة من مباحثات الهجرة الأميركية الكوبية في هافانا.

مراجعة وضع كوبا في قائمة الدول الداعمة للإرهاب
سيسعى كيري في الأشهر الستة المقبلة إلى إعادة النظر في تصنيف كوبا كـ «راعية للإرهاب». واعتبرت الولايات المتحدة كوبا منذ 1962 «دولة راعية للإرهاب» واتهمتها بحماية متمردين كولومبيين، ومناضلين من الباسك، وأميركيين هاربين. وأمر أوباما بمراجعة هذه التسمية على أن يتم رفع تقرير بذلك خلال ستة أشهر.

زيادة التحويلات المالية للعائلات
يعتمد عدد كبير من الكوبيين على المال الذي يرسله أقاربهم المقيمون في الولايات المتحدة، ولكن في الماضي، كان يتم تحديد هذه التحويلات بـ 500 دولار فقط كل ثلاثة أشهر. سترفع السياسة الجديدة قيمة المبالغ المسموح بتحويلها أربع مرات إلى ألفي دولار كل ثلاثة أشهر.

زيادة الصادرات والواردات الأميركية
ستتمكن الشركات الأميركية من بيع كوبا بضائع تشمل معدات لبناء المساكن الخاصة، ومستلزمات المزارع، وبضائع يحتاجها المقاولون.
وسيسمح للمواطنين الأميركيين المسافرين إلى كوبا بأن يجلبوا معهم بضائع تصل قيمتها إلى 400 دولار بما في ذلك 100 دولار من منتجات التبغ والكحول بما فيها السيجار الكوبي.
وستسمح الولايات المتحدة لشركات الاتصالات بإقامة متاجر وبناء بنى تحتية في كوبا، وبتصدير أجهزة وبرمجيات وخدمات الاتصالات بهدف تحسين الاتصال عبر الإنترنت في الجزيرة التي تسجل أدنى مستوى لاستخدام الإنترنت في العالم.

زيادة السفر
كان يسمح فقط لبعض الأميركيين مثل الصحافيين والجامعيين والمسؤولين الحكوميين ومن لديهم أقارب مباشرين في كوبا بالسفر إليها.
وفي بعض الأحيان، كان يتطلب الأمر تقديم طلب خاص قبل فترة، كما في حال الصحافيين المستقلين، والمشاركين في أنشطة عامة أو من يسافرون لأسباب تتعلق بالتصدير.
لم يعد مطلوباً تقديم طلب مسبق بموجب السياسة الجديدة، في عدد كبير من الحالات. ولكن القيود التي فرضها الكونغرس ستبقى كما هي بما فيها حظر السفر بغرض السياحة فقط إلى كوبا.

تسهيل المبادلات المالية
سيسمح للمؤسسات المالية بفتح حسابات في مصارف كوبا وسيسمح للمسافرين الأميركيين باستخدام بطاقات الائتمان والصرف في كوبا.
كذلك، وفي حين كان يفترض تسديد مسبق لثمن المنتجات الزراعية المصدرة إلى كوبا والمسموح بها بطريقة محدودة لأكثر من عشر سنوات، بدءاً من الآن، لن يتم تسديد الثمن سوى قبل «نقل الملكية» ما يتيح المزيد من الليونة في مجال التجارة المسموح بها مع كوبا.
ولن ينهي اعلان أوباما الحظر التجاري الأميركي على كوبا والمفروض منذ أكثر من 50 عاماً. وهذا الحظر مدرج في القانون ويحتاج موافقة الكونغرس التي قال اوباما انه سيسعى للحصول عليها لكن من المرجح ان يواجه مهمة صعبة مع تولي الجمهوريين السيطرة على مجلسي الكونغرس.
لكن خبراء في مجال العقوبات قالوا إن أوباما لديه فسحة من الوقت لاستخدام صلاحياته لتخفيف الحظر حتى في مواجهة اعتراضات من الكونغرس.
وقال أوباما إن التحركات اصبحت ممكنة بعد افراج هافانا عن عامل المساعدات الأميركي آلان غروس (65 عاماً) الذي سجن في كوبا لخمس سنوات.
وتتضمن الصفقة ايضا افراج كوبا عن عميل مخابرات تجسس لصالح الولايات المتحدة وسجن لنحو 20 عاماً على ان تفرج واشنطن في المقابل عن ثلاثة عملاء للمخابرات الكوبية احتجزوا في الولايات المتحدة.

دور الفاتيكان
وقال اوباما ان البابا فرنسيس وهو أول بابا للفاتيكان من اميركا اللاتينية لعب دوراً نشطاً في الضغط من اجل الافراج عن غروس. ويمثل الكاثوليك جزءاً كبيراً من سكان كوبا. وقال مسؤولون أميركيون إن الفاتيكان عمل عن كثب مع الجانبين.
ونشأت خصومة فكرية بين كوبا والولايات المتحدة سريعا بعد ثورة 1959 التي جاءت بفيدل كاسترو الأخ الأكبر لراؤول كاسترو الى السلطة. وقطعت واشنطن العلاقات الدبلوماسية مع هافانا في 1961 في الوقت الذي اتخذت فيه كوبا منحى يسارياً جعلها تتحول إلى حليف وثيق للاتحاد السوفياتي السابق. وتقع كوبا على بعد 140 كيلومترا جنوبي فلوريدا.
وقال أوباما إنه ما زال يتعين على كوبا اجراء اصلاحات اقتصادية وتعزيز حقوق الانسان بالاضافة إلى تغييرات اخرى لكنه اضاف ان الوقت حان لاتخاذ نهج جديد.

كاسترو يشيد بعصر جديد من «العيش سوياً»

وفي الوقت عينه اشاد كاسترو بتبادل تاريخي للسجناء مع الولايات المتحدة وأثني على الرئيس الأميركي باراك أوباما اثر اتفاق الدولتين على تطبيع العلاقات بعد عداوة دامت اكثر من خمسة عقود.
وتجنب كاسترو المعروف بأسلوبه البعيد عن الاستعراض اصدار تصريحات مظفرة في كلمته التي بثها التلفزيون لكنه قال إن الافراج عن الكوبيين الثلاثة مدعاة «لفرح هائل لعائلاتهم وكل شعبنا».
وأفرجت الولايات المتحدة عن ثلاثة جواسيس كوبيين مقابل اطلاق سراح عامل المساعدات الأميركي الان غروس الذي سجن في كوبا عام 2009 وكذلك الافراج عن عميل مخابرات تجسس لصالح الولايات المتحدة ويحتجز منذ ما يقرب من 20 عاماً.
وقال كاسترو في خطاب تلفزيوني اثار مشاعر البهجة في شوارع هافانا حيث ينظر الى الجواسيس الكوبيين على انهم ابطال «نحتاج ان نتعلم العيش سوياً بطريقة متحضرة رغم خلافاتنا».
وأشاد كاسترو بأوباما لموافقته على تبادل السجناء والسعي من اجل اقامة علاقة جديدة مع كوبا.
وقال كاسترو الذي كان يتحدث في التوقيت عينه الذي أعلن فيه أوباما ان ادارته ستعيد العلاقات الدبلوماسية مع كوبا «قرار الرئيس أوباما يستحق الاحترام والتقدير من شعبنا».
وعرض التلفزيون الكوبي لقطات للثلاثة المفرج عنهم وهم يحتضون كاسترو واقاربهم واصدقاءهم ومسؤولين بالحكومة.

الشارع الاميركي بين تأييد ورفض
وأظهر استطلاع للرأي اجرته رويترز ومؤسسة إبسوس وشمل اكثر من 31 ألف مراهق في الفترة بين تموز (يوليو) وتشرين الأول (أكتوبر) أن الأميركيين منفتحون بشكل كبير على اقامة علاقات دبلوماسية مع كوبا. وقال نحو خمس من جرى استطلاع ارائهم انهم يعارضون مثل هذه الخطوة، في حين قال 43 في المئة ان على الولايات المتحدة ان تعيد العلاقات مع كوبا.
وقال منتقدون لاعلان اوباما انه يجب عدم مكافأة كوبا لأنها لم تتغير.
ونقلت صحيفة يو.اس.ايه توداي عن حاكم فلوريدا السابق والمرشح الرئاسي الجمهوري المحتمل في انتخابات 2016 جيب بوش قوله «لا أعتقد اننا يجب ان نتفاوض مع نظام قمعي لاجراء تغييرات في علاقتنا».
ورغم أن عدداً متزايداً من المشرعين الأميركيين يفضل علاقات طبيعية بدرجة أكبر إلا أن هؤلاء المشرعين ينتمون الى المعسكر الديمقراطي في الأغلب وبعد المكاسب الكبيرة في انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني (نوفمبر) سيسيطر الجمهوريون على مجلسي الكونغرس في العام الجديد.
وقال السناتور ماركو روبيو وهو جمهوري اميركي من اصل كوبي انه سيستخدم دوره كرئيس قادم للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ لمحاولة عرقلة الخطة وانه ملتزم بعمل ما في وسعه «لتفكيكها».
وقال عضوا مجلس الشيوخ جون ماكين ولينزي غراهام واللذان سيتوليان منصبين كبيرين في السياسة الخارجية إن التحول في السياسة يدل على أن «اميركا والقيم التي تدافع عنها في تراجع وانحدار».
وأيدت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون والمرشحة الديمقراطية المحتملة لانتخابات الرئاسة عام 2016 قرار أوباما. وقالت «سياسة العزلة التي ننتهجها منذ عقود طويلة لم تؤد إلا لتعزيز قبضة نظام كاسترو على السلطة».

اشادة دولية
ولاقى التحرك اشادة خارج الولايات المتحدة. وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن اعتزام الولايات المتحدة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا بعد أكثر من 50 عاماً على انقطاعها أمر «ايجابي جداً».
واضاف «الخبر ايجابي جداً… أرحب بحرارة بالتطور الحاصل اليوم».
ووصف الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو صفقة تبادل السجناء بين الولايات المتحدة وكوبا بأنها لفتة «شجاعة» من اوباما واعتبرها انتصاراً للدولة الواقعة في البحر الكاريبي.
وهنأ البابا فرنسيس الولايات المتحدة وكوبا على قرارهما اقامة علاقات دبلوماسية وقال الفاتيكان انه مستعد لدعم تعزيز العلاقات الثنائية.
وأكد الفاتيكان في بيان ان دبلوماسييه سهلوا المحادثات بين البلدين «التي أدت الى حلول مقبولة لكل من الطرفين».
وفي هافانا احتفل الكوبيون بالانباء رغم ان البعض ابدى تشككه من انهاء العداء المستمر منذ سنوات طويلة.

أ ف ب/ رويترز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق