أبرز الأخبارسياسة عربية

الثورة السورية في مرحلة جديدة: المعارضة تحت خطر التصفية، و«النظام» يستعد لتفكيك قوات الدفاع الوطني

بينما تشير الاحصاءات شبه الرسمية الى تجاوز عدد قتلى الثورة السورية الربع مليون قتيل، وعدد الجرحى المليون، وعدد النازحين والمشردين الخمسة ملايين، تشير القراءات الى ان اطراف الصراع اصبحوا يعيشون حالة من الانهاك. سببها دخول جهات خارجية على خطها. وتحول جميع الانظار الى الوافدين من الخارج من غير اصحاب العلاقة. وتجاهل الثوار الحقيقيين الذين تحولوا الى اقلية. والذين لم يحصلوا على الدعم اللازم لاستمراريتهم. وبالتوازي، اضطرت الثورة الى توجيه كامل مقدراتها نحو قتال الاطراف الخارجية بدلاً من قتال النظام. واصبحت بعض التنظيمات الثورية غير قادرة على الانفاق على اساسياتها ومتطلبات المنتمين لها.

 ويبدو ان كل ذلك اوصل الطرفين الى حالة من اليأس، وتغيير الاولويات. بحيث بات هاجس النظام القضاء على التنظيمات التي تعتبر اشد خطورة. بينما تشكلت تحالفات مصلحية غير معلنة رسمياً بينه وبين بعض التنظيمات. وعلى قاعدة اضعاف الثورة. كما تشكل تحالف غير معلن بين النظام والولايات المتحدة التي تقود تحالفا دوليا لمحاربة تنظيم داعش.
ومن الطريف جداً في هذا السياق، ان النظام اصبح متحالفاً – ضمناً  مع الولايات المتحدة، وفي مسار آخر مع تنظيم داعش الذي بات يحارب جماعة النصرة، كما يحارب المعارضة الوطنية والمتمثلة بالجيش الحر. فالكل يحارب الكل، والمرجعية في كل ذلك عناصر مصلحية، بعضها غير محدد المعالم.

واقع مرير
في الاثناء، يواجه الناشطون السوريون الذين اعلنوا ثورتهم عام 2011 واقعاً يزداد مرارة يوماً بعد يوم في بلادهم، حيث يقاتل آلاف الاجانب الآتين من الشيشان وافغانستان ودول اخرى في صفوف تنظيم داعش، وجبهة النصرة التي تمثل تنظيم القاعدة.
وقامت التنظيمات الجهادية المتطرفة التي تسيطر على مدن وقرى وبلدات في سوريا بطرد المجموعات المعتدلة المعارضة للنظام من غالبية مناطق نفوذها، بينما تحول عدد كبير من المقاتلين المعارضين من «ابطال» بنظر سوريين كثر، إلى امراء حرب.
وفيما تعزز الجماعات الجهادية نفوذها في مناطق تواجدها وتحاول التمدد نحو مناطق اخرى، يواصل نظام الرئيس السوري بشار الاسد إحكام قبضته على العاصمة دمشق، ويشن حملة لاستعادة السيطرة على مناطق اخرى مستنداً بشكل خاص إلى عمليات القصف الجوي.
امام هذه الحقيقة، تسربت معلومات من مطبخ القرار السوري، تشير الى ان الحكومة السورية بصدد تفكيك «قوات الدفاع الوطني» التي تقاتل المعارضة في مناطق عدة من البلاد.
وكانت دمشق قابلت الانشقاقات في الجيش وتهرب الشباب من الالتحاق بالخدمة الإلزامية وسقوط عشرات القتلى من عناصره في منتصف 2012 بتحويل ما سمي بـ «الشبيحة» و«اللجان الشعبية» إلى جسم منظم عرف باسم «قوات الدفاع الوطني»، التي يقدر خبراء بأن عددها تجاوز 60 ألفاً.

قوات الدفاع الوطني
وشاركت قوات الدفاع الوطني مع الجيش السوري في معارك عدة خصوصاً قرب دمشق ووسط البلاد وشمالها الغربي، على عكس الحال في شمال شرقي البلاد التي لعبت فيها «وحدات حماية الشعب» التابعة لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي» دوراً اساسياً في ملء الفراغ الذي احدثه انسحاب الجيش.
وقالت التقارير أن قوات الدفاع دخلت مرحلة جديدة، ذلك أن وزارة الدفاع تعتزم حلها بسبب تجاوزاتها المتكررة وخروجها من نطاق السيطرة ووصول ضررها إلى عناصر الأمن والجيش، لافتاً الى انه «سيتم تحويل منتسبيها إلى وزارة الدفاع بعقود من سنتين إلى عشر سنوات وبمهمات مختلفة مدنية وعسكرية وفق الاختصاص».
وبينما تشير التقارير الى ان عدد القتلى تجاوز الربع مليون خلال السنوات الاربع الفائتة، يبدو الشتاء قاسياً بالنسبة الى حوالي 1،7 مليون لاجىء سوري بعد تعليق مساعدات غذائية كان يقدمها برنامج الأغذية العالمي.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يستند في معلوماته الى شبكة واسعة من الناشطين والاطباء في مختلف انحاء البلاد إنه «وثق مقتل اكثر من 200 الف  منذ آذار (مارس) 2011»، بينهم اكثر من 130 ألف مقاتل من الطرفين.
لكن مدير المرصد رامي عبدالرحمن يرى ان الحصيلة «هي بالتأكيد أعلى» بسبب صعوبة الوصول الى مناطق نائية في سوريا.
وقدر المرصد ان العدد الحقيقي للقتلى «هو أكثر بنحو 80 ألفاً، من الأعداد التي تمكن المرصد السوري لحقوق الإنسان من توثيقها، وذلك بسبب التكتم الشديد على الخسائر البشرية من قبل الأطراف المتقاتلة كافة، وصعوبة التواصل مع بعض المناطق النائية في سوريا». ما يعني وصول العدد الى حوالي الثلاثمائة الف.
وأضاف «هناك 63074 من إجمالي القتلى من المدنيين بينهم 10377 طفلاً». ومن «بين المقاتلين المناهضين للنظام قتل 37324 من السوريين فيما هناك 22624 من المقاتلين غير السوريين».
وقال «من جهة النظام، قتل 44237 جندياً و28974 من قوات الدفاع الوطني و624 عنصراً من حزب الله الشيعي اللبناني و2388 شيعياً قدموا من دول أخرى».
وهناك من جانب آخر 3011 جثة لم يتم التعرف على هوياتها.
وتابع عبدالرحمن أن هناك 200 الف شخص قيد الاعتقال بينهم 20 ألفا يعتبرون في عداد المفقودين.

رهائن لدى داعش
من جانب آخر، هناك آلاف الأشخاص من مقاتلين ومدنيين محتجزين رهائن لدى تنظيم الدولة الإسلامية ومجموعات أخرى تنشط في سوريا.
ويأتي نشر هذه الحصيلة غداة إعلان برنامج الإغذية العالمي المفاجىء تعليق برنامجه للمساعدات الغذائية التي تتم بواسطة قسائم شراء لـ 1،7 مليون لاجىء سوري في الدول الواقعة على حدود سوريا بسبب النقص في المال.
واعلنت الوكالة المتخصصة التابعة للأمم المتحدة ومقرها روما، أنها «اضطرت» الى تعليق هذا البرنامج المخصص «للاجئين السوريين الفقراء في الأردن ولبنان وتركيا والعراق ومصر»، الذين كان يمكنهم بواسطة هذه القسائم شراء المواد الغذائية من متاجر محلية.
وأضاف البرنامج في بيان أن «عواقب وقف المساعدة كارثية بالنسبة الى اللاجئين الذين بات عليهم أن يكافحوا من أجل البقاء لمواجهة شتاء قاس».
ووجه برنامج الأغذية العالمي نداء لجمع التبرعات بصورة عاجلة بهدف جمع 64 مليون دولار على الفور للتمكن من مساعدة اللاجئين السوريين في الدول الحدودية لشهر كانون الاول (ديسمبر) الجاري.

فتح جبهة جديدة
في سياق مواز، تدرس إدارة أوباما فتح جبهة جديدة في الحرب الجوية ضد تنظيم «داعش»، في اطار خطة تهدف إلى إنهاء سيطرته على الشريط الغربي من حدود سوريا مع تركيا، تمهيداً لاقامة ملاذ آمن نسبياً تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية المعتدلة. وبحسب الخطة قيد الدرس، فإن الطائرات الحربية الأميركية ستنطلق من قاعدة انجرليك التركية، لضرب مواقع داعش على امتداد الشريط الحدودي شمالي حلب شرقاً باتجاه مدينة كوباني الكردية المحاصرة، وستتوغل قوات خاصة تركية داخل الأراضي السورية في المنطقة للمساعدة في تحديد اهداف الطائرات الاميركية وتمكين مقاتلي المعارضة من تعزيز سيطرتهم على الأرض في هذا الشريط.
وكان الرئيس أوباما اطلع على معالم الخطة في اجتماع مع فريق الأمن القومي عُقد الاسبوع الماضي. كما بُحثت الخطة التي أُعدت بمشاركة دبلوماسيين ومسؤولين عسكريين اتراك في الاجتماعات التي عقدها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته إلى اسطنبول مؤخراً.
وتلبي الخطة جزئياً على الأقل دعوة انقرة منذ فترة طويلة إلى اقامة منطقة عازلة محمية داخل الأراضي السورية على امتداد الحدود التركية ـ السورية البالغ طولها نحو 820 كلم، فضلاً عما تقدمه الخطة من دعم للمعارضة السورية المعتدلة هي في أمس الحاجة اليه حالياً.
وفي المقابل، ستوافق انقرة على انطلاق الطائرات الأميركية المأهولة والطائرات الحربية بدون طيار، من قاعدة انجرليك وبذلك إضافة ست ساعات إلى الوقت الذي تمضيه هذه الطائرات في تحديد اهدافها والوصول اليها. وتقلع الطائرات الأميركية التي تستهدف داعش في شمال وشرق سوريا حالياً من قواعد في الخليج تبعد نحو 1600 كلم.


  خطوة هائلة
ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤول اميركي قوله إن موافقة تركيا على استخدام قاعدة انجرليك «خطوة هائلة». واضاف المسؤول أن وجود قوات خاصة تركية على الأرض داخل سوريا «لن ينفخ الحياة في الجيش السوري الحر فحسب، بل سيوفر عناصر أكثر قدرة للمساعدة في تحديد اهداف الضربات الجوية».
وأوضح المسؤول الذي طلب عدم كشف اسمه، أن الأهداف تُحدد الآن بناء على عمليات الاستطلاع التي تقوم بها طائرات غير مسلحة، تقلع من انجرليك وقواعد أخرى في المنطقة، فضلاً عن المعلومات التي يقدمها «اصدقاء سوريون لديهم هواتف خلوية» على الأرض. وستتطلب الخطة في حال تنفيذها قدراً أكبر بكثير من الموارد التي تستخدمها الولايات المتحدة الآن لمواجهة داعش في سوريا، بما في ذلك المزيد من الطائرات والمال.
وأكد مسؤولون في الإدارة الاميركية ان الخطة لا تهدف إلى اقامة منطقة حظر جوي تقليدية تتطلب تحليقات على مدار الساعة لحمايتها ضد أي طائرات تدخل المنطقة التي يمكن أن يبلغ طولها نحو 160 كلم بعمق نحو 30 كلم داخل الأراضي السورية. ولكن دعاة الخطة يعترفون بأنها يمكن ان تصبح «منزلقاً» إلى عملية أكبر بكثير.
وتتضمن دراسة الخطة ومخاطرها ما إذا كان نظام الرئيس بشار الأسد سيواصل السماح بالتحليق في الأجواء السورية من دون تفعيل دفاعاته الجوية كما يفعل الآن مع الطائرات الاميركية، التي تستهدف مواقع داعش في مناطق تقع اساساً شرق الجبهة الجديدة المقترحة.

احمد الحسبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق