افتتاحية

يمثلون الشعب ام يمثلون عليه؟

مدد النواب لانفسهم واستراحوا، متجاهلين اعتراضات الشعب صاحب الحق في قرار توليهم المقاعد النيابية. وبذلك اصبحوا نواباً غير شرعيين وغير دستوريين، فالوكالة التي حصلوا عليها من الشعب انتهى مفعولها منذ سنة وخمسة اشهر، وهم منذ ذلك الحين لا يتمتعون بالتمثيل الحقيقي للبنانيين.
قال عنهم البطريرك الراعي انهم سارعوا الى المجلس النيابي كالتلاميذ الشاطرين ليحافظوا على مقاعدهم رغماً عن ارادة ناخبيهم، ودعا الذين يدعون انهم ضد التمديد ليقدموا استقالاتهم لانها الوسيلة الوحيدة الناجعة لالغاء التمديد. ولكننا لم نر نائباً واحداً يتحرك في هذا الاتجاه، ولم نر نائباً واحداً يتمرد على الاوامر، ويتمسك بوطنيته وبالدستور اللبناني ويعلن انه قدم استقالته احتجاجاً على عدم اجراء الانتخابات. وقال الراعي ايضاً انه لن يتكلم بعد اليوم مع النواب لان قرارهم ليس نابعاً من ذاتهم بل من الدول التي تسيطر على قراراتهم.
هذا الكلام الصادر عن مرجعية دينية كبرى في هذا البلد تحتم على كل نائب حريص على كرامته ان يقدم استقالته ويعيد للناخبين الذين انتخبوه، لولاية مدتها اربع سنوات فقط، الامانة التي حملوه اياها، وبذلك يثبت حقاً انه يستحق تمثيل الشعب. فهل اقدم نائب واحد من النواب المئة والثمانية والعشرين على هذه الخطوة؟
بالطبع لا… فالكل جالسون على كراسيهم بدون وجه حق غير عابئين لا بالنداءات الشعبية، ولا بالاحتجاجات الدينية ولا بأي ضغط من انواع الضغوط، فلم يقدم احد منهم على هذه الخطوة وهذا يؤكد ان الاوامر بالذهاب او بالبقاء تأتي من الخارج، فلماذا التمثيل على الشعب بدل تمثيله؟
هناك وسائل عدة يمكن معها منع التمديد واجراء انتخابات نيابية صحيحة وساعتئذٍ لينجح من ينجح وليسقط من يسقط. اولى هذه الوسائل، هي القيام بالواجب المفروض على كل نائب، فلينزلوا الى مجلس النواب وينتخبوا رئيساً للجمهورية، ثم يعمدوا الى وضع قانون جديد للانتخابات، وهو شبه جاهز، باعتبار ان في ادراج المجلس النيابي سلسلة مشاريع قوانين، فلتطرح على الجمعية العامة فتختار منها ما يلائم ويناسب، وما هو اقرب الى التمثيل الصحيح، فيسقط التمديد وتجرى الانتخابات. فهل هناك ابسط من هذا الحل؟
انهم لا يريدون اجراء الانتخابات، ولا يريدون انتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً وان هناك 24 وزيراً معظمهم من النواب. كل واحد منهم في الفراغ الحاصل حالياً هو رئيس جمهورية، يتمتع بصلاحيات الرئيس الفعلي. فكيف يتخلى عن هذه المكاسب؟
الوسيلة الثانية لالغاء التمديد هي ان يقدم المعترضون على التمديد الى تقديم استقالاتهم من المجلس النيابي، وهذا ما دعاهم اليه البطريرك الراعي فلماذا لا يقدمون؟ وهل هناك من تفسير سوى انهم متمسكون بكراسيهم وانهم بمعارضتهم يمثلون على الشعب بدل ان يمثلوه.
كفاكم تمثيلاً لقد مل الناس اساليبكم التي لا تنطبق مع القوانين والدستور. فاما ان تقدموا على اتخاذ القرار المناسب، الذي يمنع التمديد واما ان تلتزموا الصمت.
ترافقت جلسة التمديد مع تحرك شعبي خجول جداً رافض لهذه المهزلة، وتأملنا بان الشعب استفاق، وان هذا التحرك سيكبر ويتوسع حتى يتحول الى كرة ثلج تطيح الممددين لانفسهم، فرشق النواب بالبندوره والبيض وسدت طرقات المجلس بوجوههم، مما اضطرهم الى مغادرة سياراتهم والتوجه مشياً على الاقدام الى البرلمان، غير ان هذا التحرك لم يكن سوى زوبعة في فنجان، سرعان ما توقف وكأن شيئاً لم يكن، وكأن النواب الممددين لانفسهم كانوا يعلمون بالنتيجة سلفاً، وبان هذا التحرك لن يستمر اكثر من ساعات قليلة.
قالوا انهم مددوا لانفسهم تجنباً للفراغ ونحن نقول لهم ان التمديد هو الفراغ بعينه، لان وجودهم لا ينفي انهم غير شرعيين، وانهم لا يمثلون احداً من الناس، وهذا هو الفراغ بعينه.
الامل الوحيد ليس في ان يرجع الممددون لانفسهم الى جادة القانون فيقدموا استقالاتهم وتجرى انتخابات جديدة، بل ايضاً ان يتحرك الشعب ويرغمهم على رد الامانة الى اصحابها، فهل يفعل؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق