افتتاحية

تبادل التهاني بين الشعب والنواب

يعيش اللبنانيون اليوم اجواء التمديد لمجلس النواب، وقد اصبح القرار حتمياً، والجدل القائم حالياً هو حول مدة التمديد. وهذا كله يحصل رغماً عن ارادة الشعب الذي انتخب هؤلاء النواب، وتجلى الرفض الشعبي القاطع للتمديد عبر تظاهرات ونداءات واصوات عالية، تطالب باجراء انتخابات عادلة تمثل ارادة الناس، وفق قانون عصري يعطي لكل صاحب حق حقه.
ماذا قدم النواب للناخبين، ليأتوا اليوم منادين بالتمديد للمرة الثانية لانفسهم؟ لقد فشلوا على مدى خمس سنين وخمسة اشهر، في وضع قانون جديد للانتخابات. نقول خمس سنين وخمسة اشهر، والحقيقة على مدى اربع واربعين سنة. فالقانون المعمول به حالياً هو قانون الستين، اي ان المجلس النيابي فشل منذ ذلك الحين في تغيير هذا القانون الذي مر عليه الزمن، ولم يعد صالحاً في ظل تبدل الظروف السياسية والاجتماعية. قد يقال ان هؤلاء النواب ليسوا مسؤولين عن المدة التي سبقت المجلس الحالي، ولكننا نقول لهم ان النواب الحاليين، هم في معظمهم لا يزالون متربعين على كراسي النيابة منذ ذلك الحين، باستثناء الذين قضوا وغابوا عن هذه الدنيا، فبأي حق يعملون اليوم على التمديد لانفسهم؟ وماذا قدموا للناس طوال هذه السنوات؟
بلى، قدموا قانون ايجارات يشرد اكثر من مئة وثمانين الف عائلة ويلقي بهم على الطرقات، لان هذا القانون كان من الممكن ان يطبق لو انهم والدولة معهم، وضعوا سياسة اسكانية تأوي الفقراء وتؤمن لهم المسكن.
قال احد رجال القانون في تعليق على قانون الايجارات، لو كنت قاضياً وفرض علي تطبيق هذا القانون لاستقلت من الوظيفة، لانني لم افهم حرفاً واحداً منه، وانا متأكد من ان معظم النواب، ان لم يكن كلهم، باستثناء واضعيه طبعاً الذين لا يخفى على الشعب سبب وضعهم مثل هذا القانون – ان معظم النواب لم يقرأوا حرفاً واحداً منه، بل صوتوا على ما يجهلونه. وفي النهاية، طعن به المجلس الدستوري، طعن بالمواد التي هي من اختصاصه وابقى على مواد هي من اختصاص الدولة الاعجز عن ان تطبقها.
ثار جدل كبير حول هذا القانون، الى ان اعلن وزير العدل اللواء اشرف ريفي قبل ايام وبعد استشارة هيئة القضايا في وزارة العدل «ان الاحكام التي تتعلق بعقود ايجار الاماكن السكنية العادية غير قابلة للتطبيق» وهذا دليل واضح على تصرف النواب وطريقة «درسهم» القوانين لكي تأتي متلائمة مع مصالح الناس. فالقانون وضع لحماية المواطنين لا لتشريدهم.
فهل يأخذ النواب المبادرة ويستعيدون هذا القانون ويدرسون مع الحكومة سياسة اسكانية واضحة تنصف الجميع، ويأخذ كل صاحب حق حقه، بدون ان تتدخل الشركات والسماسرة وجميع المستفيدين من طرد الناس من بيوتهم لصالح مصالحهم الخاصة؟
اما الفشل الذريع الذي مني به هذا المجلس فيتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية، وهو من اول واجبات النائب. ولكنهم بدل تطبيق الدستور انصرفوا الى مخالفته وتجاوزه، فغاب عن بالهم ان مهمتهم الوحيدة بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، ان يتحولوا الى هيئة ناخبة لا يحق لهم القيام بأي مهمة، قبل ان يصبح للبلاد رئيس. الا انهم تجاوزوا فراغ الرئاسة الاولى وعمدوا الى «تشريع الضرورة»، وهي بدعة لم يسمع بها اللبنانيون من قبل. فهل من ضرورة اكثر من انتخاب رئيس للجمهورية لتعود المؤسسات الى عملها الدستوري؟
انهم يخترعون البدع، ويفصلون القوانين حسب مصالحهم الخاصة، لا مصالح الشعب الذي يفترض فيهم تمثيله، فهل يبقى هذا الشعب نائماً؟
لماذا لا ينزل الى الشارع ويسد طريق التمديد امام النواب الذين لم يقدموا له شيئاً، فيأتي بنواب يتمتعون بالكفاءة ويمثلونه حقاً؟
هل هو راض عن تصرفاتهم؟ ان كان نعم فتلك مصيبة، وان كان لا فالمصيبة اعظم، اذا بقي بلا حراك احتجاجي يمنع التمديد. فالشعب يفترض ان يكون مصدر السلطات، فهل يدرك اللبنانيون ذلك ام انهم تخلوا عن حقوقهم؟
عبثاً ننادي فالشعب اصم ابكم لا يسمع ولا يتكلم، والنواب اصابتهم العدوى فصموا اذانهم عن مطالب الناس، ومضوا سائرين بالتمديد، وخلال ايام او ساعات يصدر القرار، فهنيئاً للشعب بهكذا نواب، وهنيئاً للنواب بهكذا شعب والى اللقاء.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق