صحة

«من كل بد إحمِ الكبد»… لكن كيف؟!

«من كل بد إحمِ الكبد»، هو شعار. والشعارات قد تكون جذابة طنانة رنانة مغرية. لكن الواقع شيء مختلف تماما، شيء آخر، شيء قد لا يكون سهلاً أو متاحاً أو ممكناً. إحمِ الكبد. ممتاز. سأحميه. لكن كيف؟ كيف أحميه؟ بالطعام؟ بالشراب؟ بالتمارين الرياضية؟ باتباع سلوكيات معينة؟ ثمة خضة إيجابية نشهدها منذ نحو أسبوعين تحت عنوان: حملة توعية وطنية لمكافحة التهاب الكبد الفيروسي المزمن. والخضة دائماً «تُحرك» في المسائل الراكدة وفي الحراك غالبا حياة. فلننطلق في حراك حماية الكبد…

الخضة الإيجابية نفذها البرنامج الوطني لمكافحة التهاب الكبد الفيروسي في وزارة الصحة العامة بالتعاون مع نقابة أطباء لبنان والجمعية اللبنانية لأمراض الجهاز الهضمي والجمعية اللبنانية للأمراض المعدية وعلم الأحياء الدقيقة و«روش لبنان»… وحين تتكاتف الأيادي البيضاء تنبت، كما تعلمون، سنابل. فماذا في مضامين التهاب الكبد الفيروسي المزمن الذي جعل كل تلك الأيادي تتضامن؟
ثمة نائب في البرلمان اللبناني محسوب في السياسة على كتلة الوفاء للمقاومة لكنه في الطب، في المهنة الأساس، محسوب على اختصاص الكبد والجهاز الهضمي. الدكتور – النائب بلال فرحات مشغول بهاجس مرض الإلتهاب الكبدي الفيروسي كما إنشغاله في السياسة وربما أكثر… فماذا في مفهوم الطبيب لهذا المرض؟

لماذا الهلع!
استهلّ فرحات العمل على هذا المرض عام 1996 ويقول: كنا من بين الأوائل الذين أخذوه على م
حمل الجد وأجروا دراسة لتقويم الشبه بين أنواع أنماط المرض المختلفة ونحن، يزيد، لا نتكلم طبعاً عن النمط أ الذي قد يأتي ويذهب من دون أن يترك آثارا مزمنة، غير أن المرض الفيروسي من نمطي س وب يتطور، لكن ما يُفترض (مبدئياً) أن يُطمئن هو أن النمط ب الذي يصيب نحو 25 في المئة من مجتمعنا لا يتعدى نسبة من يحملوه، على الدوام، نسبة اثنين في المئة فقط. يعني أكثر من تسعين الى 99 في المئة من المصابين بهذا المرض يشفون، فلماذا إذا الهلع؟
يجيب فرحات: في مفهوم الحالة الوبائية يُعدّ كل فيروس يتعدى انتشاره اثنين في المئة وباء، ويضيف: زمان كانت الأم هي المصدر الرئيسي للإصابة في بلادنا. كان الفيروس ينتقل من الأم الى أطفالها. الآن، بعدما أدرجنا فحص هذا النوع من الفيروسات في فحوصات الزواج، نجحنا في الحد منه، وبالتالي أصبحنا نُلقح الزوج في حال ظهرت إصابة عند الشريك، ثم نعطي اللقاح الى الأطفال، ما يمنحهم المناعة. وهذا ساعد كثيراً في الحد من انتشار الفيروس.

هكذا ينتقل
لا ينتقل الالتهاب الكبدي عبر السلام والكلام طبعاً لكنه قد ينتقل عبر العلاقة الجنسية وانتقال الدم وربما عبر الحلاقة في حال أحدثت الشفرة المستخدمة جرحا وأعيد استخدامها من قِبل شخص آخر أو عبر عيادة الأسنان إذا لم تكن أدواتها معقمة. في كل حال الفيروس الذي ينتقل عبر نقل الدم يُعد الأكثر صعوبة كونه يتحول الى مرض مزمن لا تزيد نسبة الشفاء منه  عن خمسين في المئة.
والسؤال: هل كل المصابين بالتهاب الكبد الفيروسي يحتاجون الى علاج؟
الجواب حاسم: لا… ويشرح النائب – الطبيب: ثمة مستويا
ت عدة من هذا الفيروس، قد نتعايش مع بعضها من دون أن تتفاقم الحالة، وتظل وظائف الكبد، في هذه المستويات، تعمل مئة في المئة على الرغم من وجود الفيروس في الدم، ونحن لا نعالج هذا النوع من الفيروس طالما استمر تحت مستوى 10 آلاف نسخة لكننا نراقبه.
ماذا يعني الطبيب بالنسخة؟
يجيب: النسخة هي الجزيئية التي إذا تعدت نسبتها العشرة آلاف أصبح العلاج لزاما، وفي حال تُرك المريض بلا علاج قد يودي به الفيروس الى حالات مزرية بينها تشمع الكبد وسرطان الكبد.
ماذا عن نمط الالتهاب الكبدي الفيروسي س؟
الفيروس س، بحسب الدكتور فرحات، ينتقل غالباً عبر الدم والفرق بين النمطين هو أن طبيعة العلاج تختلف ، فالنوع س بات له علاج تقريباً (مع التشديد طبعاً على كلمة تقريباً) يشفي، وهو عبارة عن حبوب تعطى مدة ثلاثة أشهر، بين 12 شهراً الى 16 شهراً، لكنها للأسف ما زالت مكلفة وإن كانت قد بدأت تعطى الى بعض البلدان التي تكثر فيها الإصابات كجمهورية مصر العربية مثلاً بأسعار مخفضة.
نذكر أن نسبة انتشار هذا النوع من التهاب الكبد الفيروسي تتراوح وسطيا بين 0،2 في المئة و0،5 في المئة من عدد السكان. أما فيروس ب، الذي اكتشف في سبعينيات القرن الماضي وهو أكثر شيوعاً في العالم فعلاجه يدوم مدى الحياة. وفي التعريف العام، التهاب الكبد «ب» يعني إصابة الكبد بالتهاب ناجم ربما عن الإفراط في تناول الكحول او تعاطي المخدرات والمواد السامة وعن أمراض المناعة الذاتية… وهذا النوع من الالتهابات الفيروسية هو أكثر أشكال التهاب الكبد الفيروسي انتشاراً، وهو مقاوم، يمكن ان يعيش على سطح جلد غير حيوي مدة أسبوع، كما أنه معد وقد يؤدي الى تشمع في الكبد والى قصور كبدي مزمن وربما الى سرطان في الكبد. أما عوارضه فقد تظهر على شكل يرقان وتعب وفقدان في الشهية أو غثيان وقد يصبح لون البول داكناً وقد يترافق كل هذا مع آلام في المفاصل وحمى.

ماذا يعني أن يلتهب الكبد؟
يُحكى عن وجود نحو 500 مليون مصاب بأحد مرضي التهاب الكبد ب او س، معظمهم يجهلون انهم مصابون بالفيروس، لهذا يفترض في كل إنسان خضع قبل العام 1994 الى عملية نقل دم أو تشارك باستخدام الإبر أو أجرى وشماً او تقاسم شفرة حلاقة او مقصاً للأظافر أو فرشاة أسنان مع شخص مصاب بفيروس التهاب الكبد ب او س أو مارس سلوكاً جنسياً غير آمن او لديه شركاء جنسيون متعددون او يعمل في مجال الرعاية الصحية ويتعرض الى الدماء الملوثة إجراء اختبار للتأكد من سلامته. ويفترض ان يتذكر الجميع انه كلما كان اكتشاف المرض مبكراً كلما زادت فرص العلاج الفعال لإطالة الحياة وتحسين نوعيتها.
ثمة سؤال لا بدّ يلوح في بال الكثيرين: وكيف ننجح في تشخيص التهاب الكبد «س»؟
نادراً ما يتعرف المرضى على أعراض التهاب الكبد الوبائي «س» قبل وقوع أضرار كبدية خطيرة، وقد تظهر في بعض الأحيان أعراض بسيطة قد تُعزى خطأ، بسبب تدني معدلات الوعي، الى حالات أخرى. في كل حال يمكن التعرف على هذا الالتهاب من خلال اختباري دم، الأول يبحث عن وجود أجسام ضدية يفرزها جهاز المناعة في مواجهة الفيروس، والثاني هو اختبار تفاعل سلاسل أنزيم «البوليميراز» أي «بي سي آر» الذي يكشف عن تناسخ الفيروس في الدم.
تعرفتم على نمطي المرض ب و س، والسؤال الذي قد يكون أول ما يجول في بالكم: ما هو الكبد؟
الكبد هو العضو الأكبر في الجسم، ومهمته مواجهة السموم في الدم وانتاج مناعة تساعد على مقاومة العدوى وإزالة الجراثيم التي قد تسرح في الدم، وانتاج بروتينات قادرة على تنظيم تخثر الدم في الجسم والعصارة الصفراوية القادرة على امتصاص الدهون… والانسان غير قادر على ان يعيش من دون كبد أو بكبد غير قادر على اتمام وظائفه كما يجب. ويُعدّ الكبد متشمعاً إذا تعرض، كما سبق وقلنا، الى عوامل مؤذية، تعرقل تدفق الدم فيه فتتعطل وظائفه ويتشمع وهذا ما يصيب نحو ثلاثين ألف إنسان جديد سنويا في مختلف أنحاء كرة الأرض ويتسبب بموت 600 ألف آخرين.
من كل بد أحمِهِ… إذا كنت تُحِب أحمِهِ… ألم تسمع بعبارة: فلذة الكبد التي هي أهم ما نحب؟

نوال نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق