دولياترئيسيسياسة عربية

العثمانيون الجدد، يتقاسمون المواقع ويعيدون صياغة «دولة الرجل الواحد»

فتح إعلان رئيس الجمهورية التركية المنتخب رجب طيب أردوغان عن تسمية وزير الخارجية أحمد داود أوغلو خليفة له في رئاسة حزب العدالة و التنمية، وبالتالي رئاسة وزراء البلاد أسئلة لدى سياسيين ومراقبين عن سر هذه التسمية الاستباقية.

وفي حين اعتبر خبراء في الشأن التركي موالون للحكومة أن هذا الاختيار مكسب لسياسة الحزب وتركيا ككل، رأى معارضون للحكومة أن ما حدث هو إشارة لعزم أردوغان على المضي قدما في التحكم في الحياة السياسية للحزب وفرض إرادته على البلاد.
ويأتي اختيار الرئيس الجديد للحزب الحاكم ولرئاسة الوزراء قبل أيام من أداء أردوغان اليمين الدستورية رئيساً للبلاد في 28 الشهر الجاري بعد أن فاز بالانتخابات الرئاسية التي جرت في وقت سابق من الشهر نفسه.
في هذا السياق، يرى محللون أن اختيار داود أوغلو لزعامة الحزب الحاكم «لن يحدث تغييراً جذرياً على مستوى البنية الأيديولوجية للحزب وسياسات الحكومة»، ذلك ان اوغلو يعتبر «الاسم والشخصية الأقرب لأردوغان». وانهما يتشاركان  التنشئة والمواقف الأيديولوجية عينها، خصوصاً في ما يتعلق بمكانة تركيا في العالم والقضايا العالمية، بينما يمثل أوغلو بعمله الجاد وأسلوب الانضباط اللذين يمتاز بهما «الشخصية الأنسب التي يمكنها مواصلة إرث وطراز أردوغان داخل الحزب».
وبرأي المحللين، فإن المستقبل السياسي لعلاقة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء الجديدين لتركيا «سيكون ناجحاً لوجود انسجام بينهما تميزه قدرة الرجلين على اتخاذ القرارات بشكل سريع وتنفيذها على أرض الواقع»، حسب تعبيره.
وهذا سيعني تحول تركيا من عضو غير نشيط في النظام الغربي إلى دولة تعطي الأولويات لخطوات إنشاء محورها الخاص، ورفع مستوى اتصالاتها مع القوى الصاعدة من غير المجتمع الغربي، ومواصلة دورها المؤثر في ما يخص التطورات التي تحدث في المنطقة.

فرض الهيمنة
على الجهة المقابلة، يرى معارضون للخطوة، أن ما قام به أردوغان يؤكد عزمه على مواصلة فرض هيمنته ورغباته على الحزب والحكومة المقبلة . وانه مصر على إنشاء ما قال عنه «نظام الرجل الواحد» في البلاد.
وكان الرئيس التركي المنتهية ولايته عبدالله غول اكد أن وزير الخارجية الحالي أحمد داود أوغلو سيخلف رئيس الوزراء الإسلامي المحافظ رجب طيب أردوغان الذي انتخب رئيساً للبلاد.
وقال غول للصحفيين في آخر اجتماع له في القصر الجمهوري، بحسب ما نقلت عنه قنوات التلفزة، «إن أحمد داود أوغلو سيكون رئيس الوزراء المقبل». وأضاف «علينا جميعاً مساعدته في مهمته»، مؤكداً «أنا الذي أقنعته بدخول المعترك السياسي. سوف أدعمه».
وداود أوغلو، النائب عن كونيا (وسط)، يتولى حقيبة الخارجية منذ 2009 وقد تردد اسمه تكراراً في الأيام الأخيرة في الكواليس السياسية في أنقرة لخلافة أردوغان في رئاسة الحكومة بعدما انتخب الأخير في 10 آب (أغسطس) رئيساً للجمهورية في أول انتخابات رئاسية تجري بالاقتراع العام المباشر.
ويفترض برئيس الوزراء المقبل أن يتم أولاً انتخابه رئيساً لحزب العدالة والتنمية الحاكم (إسلامي-محافظ) خلال مؤتمر حزبي عام طارئ يعقده في 27 آب (أغسطس)، ليشكل حكومته بعد أن يؤدي رئيس الجهورية الجديد اليمين الدستورية في 28 آب (أغسطس).

غول الى اين؟
من جهة ثانية، أعلن غول أنه لا يعتزم في الوقت الراهن مزاولة أي نشاط سياسي، ولكنه جدد التأكيد على أنه «من الطبيعي أن أعود إلى حزبي (العدالة والتنمية)»، مندداً بـ «قلة الاحترام» التي بدرت من بعض قادة هذا الحزب الذين أبدوا صراحة معارضتهم لتولي غول أي منصب قيادي في حزبهم الممسك بالسلطة منذ العام 2000.
وغول الذي شارك مع أردوغان في تأسيس الحزب قطع أي صلة له بالحزب منذ انتخبه البرلمان رئيسا للجمهورية في 2007، وذلك عملاً بأحكام الدستور.
في الاثناء، يسود اعتقاد بان أردوغان سيسعى إلى تغيير منصب رئاسة الجمهوريّة، بحيث لا يبقى فخريّاً، وذلك عبر إجراء تعديلات دستوريّة الهدف منها توسيع صلاحيّات تمكّنه من السيطرة على السلطة التنفيذيّة، فيتحوّل النظام السياسي في تركيا إمّا إلى نظام رئاسي كامل، تدمج فيه صلاحيّات رئيس الوزارة بصلاحيّات رئيس الجمهوريّة، أو نظام شبه رئاسي، يصبح فيه منصب رئيس الوزارة تحصيلاً حاصلاً وخاضعاً لإرادة رئيس الجمهوريّة، تماماً كما في سوريا ومصر وبلدان عربيّة تحكمها نظم شموليّة!. ويبرر رموز وأقطاب وإعلام حزب العدالة والتنمية توسيع صلاحيّات رئيس الجمهوريّة بالقول: ليس من المعقول أن يكون الرئيس منتخباً من الشعب، في شكل مباشر، ويحصل على نسبة عالية من الأصوات، ويكون منصبه تشريفيّاً وفخريّاً.
وفي هذا السياق، يستذكر متابعون ما اعلنه اردوغان من شرفة مقر حزبه في أنقرة، وأثناء خطاب فوزه بالرئاسة، حيث كرر ما يوازي المبدأ الأتاتوركي: تركيا، شعب واحد، علم واحد، دولة واحدة ، مع استدراكه بالتأكيد على التنوّع القومي والديني والطائفي، وحديثه عن الإنجازات الاقتصاديّة التي حققها. ولم ينسَ أردوغان مطالبة خصومه في المعارضة بـ بمراجعة أنفسهم، فـ «من يحاول تهديد الأمن القومي في البلاد، سيجدنا بالمرصاد»، موجّهاً كلامه لحليفه السابق، الداعية الإسلامي غولن، الذي يتهمه أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم بأنه شكل  كياناً موازيّاً  للدولة ضمن مؤسسات الدولة التركيّة، وأنه وراء تشويه سمعة الحكومة وأردوغان، في ما عُرفَ بفضيحة الفساد الكبرى التي هزّت تركيا وطاولت وزراء ومسؤولين كباراً في الحكومة، ووصلت إلى أردوغان ونجله بلال أيضاً.

انقرة – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق