أبرز الأخبارتحقيق

قانون الإيجارات الجديد «متل الأطرش بالزفة»!

قانون أو لا قانون؟ قانون يسري مفعوله إبتداء من 28 كانون الأول (ديسمبر) المقبل أم مجمد ومعطل بعد طعن المجلس الدستوري بثلاث مواد أساسية فيه؟
الإنقسام بين مالكي العقارات والأبنية المؤجرة والمستأجرين وصل إلى هذا الحد. فقانون الإيجارات الجديد الذي نشر لمرتين في الجريدة الرسمية ما زال محط جدل ونزاع، والجدل الحاصل اليوم بين الطرفين والذي يفترض ان يحسمه القانون خرقه القانون بنفسه لكن على قاعدة «انا او لا احد». 
«الأنا» تنطلق من النواب وكل من وضع في خلفياته تحويل بيروت إلى عاصمة ناطحات سحاب بعد تفريغها من مستأجري العقارات القديمة والأثرية.
و«اللا أحد» تعكس واقع مستأجر فكر انه يوما ما سيتمكن من إطالة عمر إقامته في مسكن مؤجر وفق قانون إيجارات دخل سن التقاعد.
لا قانون جديداً ولا قديماً؟ نعود الى قانون الموجبات والعقود وما أدراكم بنتائجه على المستأجر والمالك معاً!


                   
المالكون صدقوا أن قانون الإيجارات الجديد صدر في الجريدة الرسمية (الخميس 14 آب/اغسطس 2014) للمرة الثانية، لكن معدلاً. فقرار المجلس الدستوري رقم 6/2014 حول دستورية القانون الجديد للإيجارات الصادر في 6 آب (اغسطس) نص على رد الطعن في غالبية مواد القانون وبطلان المواد 7 و13والفقرة ب 4 من المادة 18 المتعلقة بلجنة التخمين. فيما ابقى على سريان العمل بالمواد الأخرى.
اذا في المفهوم الدستوري لا يزال القانون ساري المفعول ولم يتم بطلانه. وعلى مجلس النواب تعديل المواد الثلاث ضمن المهلة السابقة لتاريخ التطبيق لتفادي حصول اي نوع من الإشكالات القضائية وضمان عمل صندوق دعم ذوي الدخل المحدود من المستأجرين والذي يتوقف العمل به في حال استمرار وقف العمل بلجنة التخمين والمنوط بها تحديد الفئة التي تستفيد من الصندوق.

قانون ساري المفعول؟

كلام قانوني وسنعود إلى تفسير دستوري. لكن هناك المهم والأهم. والأهم في حسابات المواطن هو وفق اي قانون إيجارات سيتعاطى مع صاحب الملك وماذا لو جاء الأخير وطالبه بالمسكن لأسباب موجبة؟
المحامي في هيئة قانون الإيجارات جاد صوان شبه قانون الإيجارات الجديد بعد الطعن به وإلغاء 3 مواد اساسية منه بـ «السلم الذي انتزع منه الدرجة الأولى والثالثة والسابعة»، «كيف ممكن تطلعي عليه؟».
تشبيه غير قابل للجدل لكن هل ينطبق ذلك على قانون الإيجارات الذي يبدأ سريان مفعوله إبتداء من 28 كانون الأول (ديسمبر) المقبل؟
يجيب صوان «المجلس الدستوري أطاح اللجان والتحكيم والصندوق، يعني لا خبراء ولا صندوق مال، وهذه مواد اساسية لتطبيق القانون. ويقولون بعد إن القانون ساري المفعول. أما أنا فأقول إن القانون لا يسير من دون هذه المواد. لكن الظاهر أن القضاء في لبنان لا يسير وفق المبادىء القانونية ولا يخضع حتى لقرارات الرئيس بدليل أن محاكم بيروت اصدرت احكاما بدعاوى إيجارات وطالبت باستئخار النظر فيها إلى حين بلورة القانون. في حين عمدت غالبية محاكم جبل لبنان إلى إصدار احكام استئنافية وتطيير المستأجر من دون ان نعرف ما إذا كانت هذه الأحكام قابلة للتمييز أو إعادة المحاكمة”».
في الحياة كل الأمور نسبية. لكن في القانون الأبيض أبيض والأسود أسود. هكذا تعلمنا. وفي قانون الإيجارات الجديد هكذا يفترض أن تكون الأمور. فمن يكون الطرف الذي لحقه الظلم وهل ثمة من ظالم أو جلاد مستعد لان يرمي الناس خارج بيوتهم كما يصور البعض؟ أم أن القصة برمتها تتوقف على شركات عقارية تنوي وضع اليد وبإسم القانون على ما تبقى من مساحات وأبنية أثرية وعتيقة في بيروت لتشيد مكانها ناطحات سحاب؟

غير واضح وناقص

«لا ظالم ولا مظلوم» يقول المحامي صوان، فقط هناك قانون غير واضح المعالم وتنقصه مواد اساسية وهذا وحده كفيل في نقضه. مثلاً كيف يمكن لمطلق اية محكمة اصدار حكم من دون وجود لجان تخمين في حال صدر قرار من المحكمة بالهدم؟ وماذا لو قضى الحكم بدفع 200 مليون ليرة للمستأجر؟ من يتولى الدفع في غياب الصندوق؟ في اختصار القصة اشبه بسيارة انيقة وبراقة لكن من دون «فيتاس» فكيف تسير؟ المجلس الدستوري طيَر الفيتاس. أما لماذا اتخذ هذا القرار؟ فيجيب صوان: «كان لا بد من اتخاذ قرار ما، والظاهر ان المجلس الدستوري اعتبر ان اللجان هي بمثابة التنفيعة والسمسرة».
قد يصح قرار إبطال المادة المتعلقة بالصندوق لأنها تضم بندا يتعلق بالهبات غير المنظورة. لكن هذه «الهبات» ستبقى سارية ومجرد ان يتقدم متمول خليجي تحت غطاء لبناني بعرض لمالك مبنى من 10 وحدات ينوي إخراج المستأجرين إما لضرورات عائلية او هدم او للسكن، فهو سيقبل حتماً بالعرض ولو جاء التفافاً على القانون طالما أنه يعطي المستأجر مبلغا بقيمة 40 الف دولار ونسبة تقارب الـ 40 في المئة للمالك. بعدها تأتي الشركة العقارية «التي وضع القانون من أجلها» بحسب صوان، وتشيّد ابراجها بحسب الخطة الموضوعة والتي من شأنها أن تغير واجهة لبنان. وبذلك تكون الشركة تحررت من المستأجر القديم والمالكين القدامى دفعة واحدة.
ندخل الموضوع من الباب الاكثر تبسيطاً ونطرح السؤال: «ماذا لو جاء مالك شقة اليوم وطلب من المستأجر إخلاءها؟».
اول خطوة يفترض ان يقوم بها المستأجر هي طرح السؤال التالي على المالك: بأية حجة يطلب منه ذلك؟ إذا كانت الحجة للهدم فيفترض على المالك ان يعوض على المستأجر نصف ضعف قيمة المبلغ المقبوض وذلك في مهلة اقصاها السنة، وفي حال الإسكان فالسؤال المطروح لماذ اختار المالك الطبقة الخامسة او السادسة وقفز عن الطبقات السفلية المحاذية له؟اما إذا كان طلب الإخلاء بحجة تسكين اولاده فهذا حق مكتسب للمالك ولا احد قادر على مناقشته في غياب اللجان والصندوق.

القانون ماشي!

نعود إلى المصدر في المجلس الدستوري والمصدر هو نفسه من نقض غالبية المواد بعد دراسة معمقة ويقول: «يخطىء من يظن ان القانون لا يسري مفعوله مع نقض المواد الثلاث فيه. القانون ماشي لأسباب عدة اهمها:
اولاً: التأكيد من كل اعضاء المجلس الدستوري على المبادىء العامة الواردة في القرار.
ثانياً: هناك ارادة واضحة من المشرع في إنهاء المرحلة السابقة من العقود القديمة.
ثالثاً: نشر القانون مرتين في الجريدة الرسمية مما يؤكد على سريان مفعوله. كذلك لم يتطرق  المشرع إلى الفترة المعطاة للإيجارات القديمة مما يفسر ان الأخير لا ينظر في مسألة إعطاء مرحلة إستثنائية.
في المبدأ كل قانون هو غير مكتمل بحسب المصدر في المجلس الدستوري. والقانون الناقص لا يعني انه لا يطبق. ومع انتهاء مدة القانون القديم وبدء العمل في القانون الجديد في مهلة محددة بتاريخ 28 كانون الأول (ديسمبر) 2014 تعتبر مسألة الإيجارات محسومة، وإلا يكون البديل في قانون الموجبات والعقود الذي يعطي المالك حق توجيه إنذار للمستأجر وإلزامه في إخلاء الشقة في المهلة التي يريد وقد لا تتعدى الشهرين!
نفهم من ذلك ان المستـأجر سيدفع الثمن في كل القوانين التي تفرض عليه؟
إطلاقاً يقول المصدر الدستوري. فالقانون الجديد اعطى المستأجر مهلة 9 سنوات لترتيب وضعه حتى انه يطرح 3 مبادىء اساسية هي: النظرية العامة للتعاقد، وقضية العدالة المتوازنة والتي يدخل فيها عامل التضحية من قبل كل الفرقاء، والأمان التشريعي بحيث لا يحق للمشرع اصدار قرارات تفرض على المستأجر تغييراً بشكل مفاجىء.

رحل الى غير عودة!

من يتكلم بعد بإسم القانون القديم نقول له: أنه «رحل الى غير عودة» وشهد اللبنانيون على مراسم جنازته كاملة. ومن لا يريد ان يقتنع ان القانون الجديد ساري المفعول، ايضاً نقول ان هناك قانوناً نافذاً باستثناء 3 مواد وقد اعطى المستأجر مهلة 9 سنوات لترتيب اوضاعه ومعدل ارتفاع الإيجارات تدريجي. أما تاريخ سريان مفعوله فيبدأ في 28 كانون الأول (ديسمبر) 2014 وإلا يكون البديل في قانون الموجبات والعقود او في قانون خاص يرعى الإيجارات القديمة أو على الطريقة اللبنانية يعني، اتفاقات رضائية.

ثغرات تهدد بالتشرد

كل الكلام والتفسيرات عن قانون الإيجارات الجديد تبقى غير واضحة المعالم بالنسبة إلى المستأجر. فالثغرات التي سيقع فيها تهدد مئات العائلات بالتشرد تحت غطاء القانون الجديد. في اختصار هي قصة عدم إلمام أو متابعة من قبل المواطن في متابعة الملفات العالقة، وهذه ايضا ليست من مسؤولياته ويكفي اللبناني الملفات المعيشية اليومية التي تضعه في مصاف المجهول او الهجرة كخيار بديل. وهي ايضاً حكاية ابريق الزيت مع القوانين المجتزأة التي تبقي الصراع قائما بين المستأجر القديم الذي لن يجد مسكنا له تحت رعاية الدولة بسبب الغلاء، والمالك الذي يقف بين استثمار ملكه وقانون من شأنه ان يبت بقضاياه التأجيرية لكن على حساب وجه بيروت ومعالمها وربما على حسابه كمالك قديم.
فهل يكون قانون الإيجارات الجديد لخدمة اهداف الشركات العقارية التي ستضع يدها على ما تبقى من بيوت أثرية في بيروت، ام خطوة تمهيدية لهجرة داخلية جديدة، أم ببساطة ملفاً جديداً يفتح على مصراعيه ابتداء من 28 كانون الأول (ديسمبر) المقبل ولا نعرف كيف وعلى ماذا سيقفل؟
هنا فقط يصح المثل القائل نيال من له مرقد عنزة في لبنان. على الأقل لن يأتي من يخرجه منه بإسم قانون الإيجارات الجديد إلا إذا اراد ان يقبض سعره من جيوب احد كبار المتمولين.

جومانا نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق