صحة

تحزنين؟ تضطربين؟ تتعبين؟ يكفيك أنك إمرأة بدورة شهرية كاملة!

لا، ليست هي! ليست نفسها! يا لها من إمرأة مزاجية، مضطربة، عصبية. إنها تحتاج الى علاج نفسي… عبارات عبارات تُلاحقها مثل ظلها! ما بها؟ ما بالها؟ حتى هي لا تعرف ما بها؟ ولماذا تجتاحها كل هذه النظرة التشاؤمية السوداوية؟ لماذا تكره حتى نفسها وتختار الإنزواء وتتلبد السماء في عينيها ويُصبح البشر في نظرِها أعداء!؟  حالة عادية؟ حالة مرضية؟ إنها الدورة الشهرية.

أف! يا لها من أعراض بشعة تشحنُ أعصابها وتُبدلُ تقاسيمها وتدفعها الى حالة نفسية سيئة! ما بها؟ لماذا كل هذا اليأس الذي ينخر القلب والضلع وينقرُ على وترِ الأعصاب؟ تنظر الى التاريخ، الى الروزنامة، وتعود الى أجندتها الخاصة، الى تاريخ دورتها، فتبتسم، تحاول أن تبتسم، متمتمة حروفا مفادها: متى عُرف السبب بطل العجب!
يسمون هذه الأعراض: متلازمة ما قبل الطمث… لكن ماذا لو اشتدت؟ ماذا لو تحولت الى اكتئاب؟
يبدو أن مستوى مادة السيروتونين في المخ، المسؤولة عن التغيرات المزاجية، تنخفض قبيل الدورة الشهرية، ما يؤدي الى طغيان المشاعر السلبية، وهذه الحالة لا تقتصر على عدد محدود من النساء بل تتمدد لتطال أكثر من 85 في المئة منهنّ، ما يجعل الطب يُعير الاهتمام الكبير الى هذه الأعراض التي قد تتسبب، إذا أهملت، بكثير من التشوش العائلي والفوضى في العلاقات العامة والخلافات والاضطرابات!

اضطراب حتى اكتئاب
ما العمل إذاً؟ نغض الطرف؟ نبتسم حين نرى إمرأة عصبية مرددين: يبدو أن أوان دورتها الشهرية قد آن؟
إنها الهورمونات. إنه الإستروجين والبروجستيرون والسيروتونين. واختلال توازن هذه الهورمونات قبيل حدوث الطمث يتسبب بكل تلك الأعراض التي تبلغ أحياناً حدود الإكتئاب. كما أن اضطراب الدورة الشهرية قد يتسبب باحتباس السوائل والأملاح في الجسم فتظهر انتفاخات في أنحاء مختلفة بينها الثديان وربما في الكاحلين ويشتد الصداع ويزيد الوزن.
والعمل؟ هل نكتفي بترداد: هذا هو قدر المرأة وعليها أن تتحمل؟
مثلما ما عاد مسموحاً في المنطوق العلمي الطبي أن يتألم الإنسان، فليس مسموحاً ترك المرأة لحالها كلما اقترب اكتمال دورتها الشهرية. ومن الحلول المتاحة: مضادات الاكتئاب، وهناك علمياً،
ثلاثة أنواع على الأقل من المضادات سمحت بها إدارة الأغذية والعقاقير الطبية. حبوب منع الحمل قد تساعد هي ايضاً في تنظيم وتوازن الهورمونات. التمارين الرياضية قد تفيد بدورها جداً في تحسين المزاج. تناول الحبوب الكاملة والخبز والبروتيين ينفع أيضا ويُنصح غذائيا بالابتعاد عن الكافيين والملح والسكريات. فيتامين B6  يُفيد ومثله فيتامين “E” والكالسيوم والماغنيزيوم. في كل حال ضروري مراجعة الطبيب إذا اشتدت عليكن اضطرابات الدورة الشهرية ليساعدكن على الاختيار الصحيح. ألم تسمعن من قبل بمقولة: إكثرنّ من السؤال وقللنّ من الدوران!
 قد يعلق كثير من الرجال وهم يقرأون: يا لدلال المرأة! نعم، كثير من الرجال يظنون أن المرأة تبالغ في الإستجابة الى التبدلات الهورمونية غير مدركين أن تركيبة جسم المرأة، في ذاته، أشبه بمعجزة وهي التي خصها الله بنعمة الإنجاب، وهذا ما قد لا يفهمه بعض الرجال أبداً، وهي بالتالي لا تفتعل كل الإضطرابات التي تعيشها والتي تسقط فيها تلقائيا في كل دورة! ولهذا يُفترض أن يُساند الرجل المرأة في أيامها الصعبة بدل أن يكيل لها المكيال مكيالين ويشدها نفسياً الى القعر بدل أن ينشلها من حالتها باستيعابها.

 خريطة الحياة
الدورة الشهرية مشكلة إذا أتت ومشكلة إذا لم تأت! ومن دخلن في مرحلة انقطاع الطمث قد ينظرن وهن يصغينّ الى تذمر الفتيات اللواتي يعانين من اضطرابات الدورة مرددات: الرضا غاية لا تُدرك!  
ماذا عن الفترة الفاصلة بين المرحلتين؟
اختصاصي الأمراض النسائية والعقم والتوليد الدكتور جوني بركات حكى عن مرحلة أساسية في عمر الأنثى: هناك تغيرات كثيرة، طبيعية، تحدث قبل انقطاع الدورة الشهرية، فتتوقف البويضات عن انتاج الهورمون الأنثوي الأستروجين وطبيعي الا تعود المرأة قادرة، في هذه المرحلة، على الحمل والإنجاب. وقد تبدأ هذه المرحلة باكراً، في الخامسة والثلاثين، وقد تطول الى عمر الستين، لكنها تحدث، طبيعياً، بين عمر الخمسين والخامسة والخمسين. الستوك، أو لنقل الذخيرة التي يحوزها الجسم من البويضات، هو الذي يحدد موعد نفاذها، فحين تنتهي يتوقف
الميعاد وتبدأ مرحلة الأمل. أما انقطاع الطمث المبكر فمتعدد الاسباب وقد تساهم به الأمراض الفيروسية، ومثلها إصابة المرأة بأبو كعيب، والأسباب الجينية تدخل أيضا في هذا الإطار، ناهيك عن أن تناول المرأة أدوية من أجل حث المبيض على العمل بكثافة من شأنه التأثير على كمية استهلاك البويضات بسرعة، ما يؤدي الى انقطاع الطمث باكراً.
تستطيع كل امرأة ان تتنبأ بدنو مرحلة انقطاع الطمث في حياتها حين تبدأ طبيعة الميعاد بالتغير نتيجة انخفاض افراز المبيض الهورمونات الجنسية مثل الأستروجين والبروجيستيرون، ويطلق على هذه المرحلة تسمية: فترة ما حول انقطاع الطمث. ويمكن تشخيص هذه المرحلة
إذا انقطع الميعاد مدة شهرين أو ثلاثة أشهر متتالية عند امرأة تقترب من سن الخمسين. أما التأكد من ذلك فيكون حين تغيب الدورة الشهرية مدة اثني عشر شهرا متتالية.
الدورة الشهرية إذاً ترسم خريطة الحياة في جسم المرأة، كل إمرأة، وأي خلل فيها يتبدل المسار!

شراهة وخمول
قد تشعر نساء كثيرات بالشراهة قبل الميعاد فهل هي ردة فعل طبيعية للجسم؟
صحيح، إنها حالة تُنذر بدنو العادة الشهرية، تشعر خلالها النساء أنهن يردن التهام كل شيء، أي شيء يقع تحت نظرهن، وكم من خطط ريجيم تقهقرت في تلك الأيام بعد أن تكون المرأة قد ظنت أنها نجحت في تنظيم غذائها! وهذا، في ذاته، يزيدها إحباطاً. فهل من نصيحة هنا؟ هل نقول لك: حاولي أن تصرفي النظر عن الطعام بإلهاء نفسك مع الأصدقاء؟ لا، ليست نصيحة مثالية في وضعك حيث تكونين بحاجة الى الإنفراد وتعانين من ذبذبات نفسية سلبية! والحل؟ تناولي الطعام لكن بدل حبات الشوكولا حبة واحدة تكفي وبدل منقوشة كاملة نصف منقوشة قد تكفي… حاولي أن تتأقلمي مع المرحلة وقد تجدين صعوبة في البداية لكن تدريجياً، مرة بعد مرة، شهر بعد شهر، قد تسهل الأمور أكثر.
الخمول هو شعور أيضاً طبيعي قبيل الدورة الشهرية وهذا، مجدداً، ذنب التغيرات في مستوى هورمون السيروتونين وارتفاع مستوى هورمون البروجستيرون الذي يُسبب الإسترخاء. وهنا قد يفيد جدا تناول فيتامين ب6 الذي يخفف من فرط الإحساس بالتعب والخمول والحزن.
إمرأة؟ تعانين من عوارض جمة ولا تجدين لها تفسيراً؟ تحزنين فجأة؟ تضطربين فجأة؟ تشعرين بالتعب فجأة؟ إمسكي ورقة وقلماً ودوني كل هذه الإضطرابات، بتواريخها، وكرري هذا طوال شهرين أو ثلاثة، لتتأكدي من أنها من تأثير الدورة الشهرية… وإذا تأكدت من هذا فلا تتذمري كثيراً لأنه يكفيك أنك إمرأة منحك الله جسداً قادراً على مشاركته الخلق! يكفيك في اختصار أنك إمرأة كاملة…

نوال نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق