افتتاحية

تخاذل ام تواطؤ… اننا ننتظر الجواب

 

مرة جديدة تثبت روسيا انها حامية الديكتاتوريات في العالم، ونصيرة الظلم والاستبداد والفساد، على حساب الشعوب المغلوبة على امرها. فبعد ان وقفت على مدى ثلاث سنوات ولا تزال، ضد الشعب السوري المطالب بحريته وبحياة ديمقراطية كريمة، واسقطت كل الحلول التي كان يمكن ان تضع حداً للحرب الدائرة، وتجنب الناس القتل والدمار، وبعد ان فتحت ترساناتها العسكرية على مصراعيها لتزود النظام السوري بمختلف انواع الاسلحة الفتاكة، التي سقط بنتيجتها ما يفوق المئة والخمسين الف قتيل، وبعدما استخدمت «حق» النقض الفيتو مراراً لمنع وضع حد للقتل الدائر  والمدمر في سوريا، بعد كل هذا ها هي تنتقل من سوريا الى اوروبا الشرقية، الى اوكرانيا عبر تدخل عسكري فاضح لمساعدة الرئيس الاوكراني المخلوع، ضد الشعب الذي عانى ما عانى من الظلم والفساد، خصوصاً وان الرئيس فكتور يانوكوفيتش متهم بتبييض اموال مع ابنه في اسوأ عملية فساد.
في سوريا ممنوع بحسب روسيا، التدخل عسكرياً، بل يجب ترك الشعب يقرر مصيره بنفسه، وممنوع مد المعارضة بالسلاح وقد شنت موسكو حملات ضد الولايات المتحدة واوروبا والسعودية وكل من طالب بانصاف الشعب السوري.
بالمقابل ارسلت الى سوريا مختلف انواع الاسلحة الفتاكة فدمرت الحجر وقتلت البشر دون ان يرف لها طرف .
الامر عينه يتجدد اليوم في اوكرانيا. فها هي موسكو تقف الى جانب رئيس متهم بالفساد وبتبييض الاموال وتنصره على شعبه. وهي لا تكتفي بالدعم المادي والمعنوي، بل انها ارسلت اكثر من 15 الف عسكري الى شبه جزيرة القرم لمواجهة المعارضة واسكاتها وقمع الشعب الاوكراني وخنقه. وهنا يصبح التدخل العسكري مشروعاً في نظرها.
ولكن لماذا هذا الموقف العدائي الروسي، ولماذا هذا الحقد على الشعوب المغلوبة على امرها؟
ان وراء هذه المواقف العدائية جملة اسباب يمكن تلخيصها بالآتي:
– ان روسيا بلد ديكتاتوري قمعي بكل ما للكلمة من معنى، ورئيسها فلاديمير بوتين ترأس جهاز الـ «ك. ج. ب» على مدى سنوات  وهو خبير في قمع الحريات، ومن هنا فهو نصير الديكتاتوريات في العالم.
– ان بوتين رجل المخابرات الاول يخشى الثورات الشعبية والحركات المطالبة بالحرية والديموقراطية، وهو يعتبرها عدوه الاول وعليه مواجهتها، ذلك ان الانتفاضات القائمة في العالم ضد الديكتاتوريات وقمع الحريات يمكن ان تصل يوماً الى روسيا، وينال بوتين النصيب الاكبر منها لان ماضيه وتعاطيه مع الشعب ليسا موضع ترحيب. وعلى كل حال هناك تحركات شعبية منددة تظهر بين الحين والآخر، وتزرع القلق في الكرملين من توسعها. وهذا بالضبط ما يفسر هذه النقمة وهذا الموقف الحاقد ضد الشعوب المطالبة بالحرية. وهذا ليس خافياً على احد، ذلك ان روسيا وقفت منذ بداية الربيع العربي ضد كل الانتفاضات.
ان الغرب بأسره وخصوصاً الاتحاد الاوروبي والشرق الاوسط بمعظمه باستثناء سوريا وايران طبعاً، ضد موقف روسيا التي اصبحت بعد تدخلها الفاضح في اوكرانيا تعيش شبه عزلة، خصوصاً بعدما نعت الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وغيرها قمة الثماني التي كان من المقرر ان تنعقد في سوتشي خلال الصيف المقبل، فالى متى سيستمر هذا التعنت الروسي؟ والى متى ستبقى موسكو ذلك الجدار الذي يرتفع في وجه الحلول الممكنة للازمات العالمية الكبرى؟
الا تدري روسيا انها بموقفها هذا انما تسد طريق السلام وتهدد الامن والاستقرار في العالم كله؟
ولكن ماذا عن موقف الولايات المتحدة ولماذا هي متخلية عن دورها كحامية للسلام في العالم، وللشعوب المستضعفة؟
ان موقف الرئيس الاميركي باراك اوباما المتخاذل والذي اسقط الولايات المتحدة عن عرش الزعامة وترك الحرية للروس يصولون ويجولون، على مدى سنوات، ان هذا الموقف يتحمل القسط الاكبر من المسؤولية عما يجري. ولو قيض للولايات المتحدة رئيس غير هذا الرئيس لتبدلت امور كثيرة في العالم. فهل انه اتفاق سري بين واشنطن وموسكو على تقاسم الادوار… والعالم ام انه تخاذل يبحث عن رئيس اميركي قوي يضع حداً لهذه المهازل؟

«الاسبوع العربي»
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق