أبرز الأخبار

«جنيف – 2»: المعارضة تعسكر مفاوضات الجولة الثانية، والنظام يتحصن في خطوطه الخلفية

ما بين مقر المفاوضات في جنيف، ومقر الامم المتحدة في المدينة ذاتها، وبلدة مونترو، المنتجع المشهور، تمتد جلسات العمل والكواليس الخاصة بالجولة الثانية من مؤتمر «جنيف – 2» حول الملف السوري.

في مسار آخر غير معلن، تمتد المباحثات الخاصة بهذا الملف الشائك الى عواصم عدة لدول كبرى ابرزها واشنطن وموسكو. والى حد ما بكين، التي تصر على الدخول على الخط ذاته، وترك بصمات معينة في تلك الملفات التي يصنفها الخبراء والسياسيون بانها الاكثر تعقيداً، والتي لم تحرز اي تقدم يذكر باستثناء لقاء الوفدين معاً، وكسر حاجز الرهبة بينهما والجلوس المباشر لاول مرة منذ انطلاق الثورة قبل ثلاث سنوات تقريباً.
واللافت هنا فشل جميع محاولات تجميع الملفات ضمن اطار واحد، ورؤية موحدة. واصرار الاطراف على تراتبية محددة تتقاطع مع رؤية الطرف الاخر، وتشبث كل فريق بـ «سلامة» وجهة نظره. الامر الذي ولّد مساراً جديداً للمفاوضات، لم يرشح من جنباته الا القليل.
هذا المسار – بحسب المعلومات الراشحة – هو مسار يجمع بين راعيي المؤتمر، روسيا والولايات المتحدة. ويستعين ببعض الخبراء من الطرفين، ولكن ليس بصورة رسمية.
ومع ان احدى المعلومات الراشحة تشير الى ان الحوار داخل ذلك المسار لم يكن بعيداً عن النهج عينه الدائر في «جنيف – 2»، الا ان مصادر اخرى اشارت الى احتمالية نجاح ذلك المسار السري في استقطاب داعمين له، وخصوصاً ما رشح عن مشاركة ايرانية في بعض اعماله، وعن احتمال وجود مسارات فرعية اخرى ترتبط بخيوط رفيعه مع مسار واشنطن – موسكو، الذي يعتقد انه يطرح الملف بمفهوم شمولي، وقد تتشعب الامور وصولاً الى كم من التوافقات لملفات معقدة، ومن خلال سلسلة من الصفقات الممتدة الى المنطقة ككل.
اما بالنسبة الى «جنيف – 2» فالصورة الظاهرة مجللة بقدر كبير من القتامة. والمعلومات الراشحة تؤكد ان الجولة الثانية من «جنيف – 2» لم تحرز اي تقدم. وان الرهان على الساعات القليلة المقبلة بحدوث شيء، يشبه الى حد بعيد انتظار المعجزة.

الى الفشل
كيف؟
«جنيف – 2» «سينتهي الى فشل في ظل المعطيات الحالية».
هذه المقولة ليست استنتاجاً من كاتب هذه المقالة، وانما هي تصريح رسمي لوزير سوري متخصص بمتابعة تطورات ملف المفاوضات.
فقد اعتبر وزير المصالحة الوطنية السوري علي حيدر في تصريحات صحافية، ان هذه هي نتيجة الجولة الثانية من مؤتمر «جنيف – 2» التي بدأت الاثنين الفائت. الوزير السوري فسر تلك النتيجة بعدم حدوث اية اختراقات ممكنة، الامر الذي يعني «فشلاً حتمياً». وان الرهان سيكون حول من الذي سيعلن ذلك الفشل؟
في المقابل، اكدت المعارضة في بيان اصدرته عشية بدء الجولة الثانية انها لن تعود مجدداً الى «جنيف – 2» في حال لم تحرز هذه الجولة اية نتائج ايجابية وتحديداً في موضوع الهيئة الانتقالية للحكم.
العقدة هنا، تتمثل بمحاولة كل من الطرفين تحميل الطرف الاخر المسؤولية عن تلك الحقيقة. وفي بعد آخر تحميل الدول الراعية مسؤولية الفشل.
فمن جهة، تتهم المعارضة النظام بعدم الاستجابة لمتطلبات النجاح، الذي ترى ان اركانه محصورة ما بين وقف العمليات العسكرية، وتسليم الحكم الى هيئة انتقالية. ومن الجهة الاخرى تتهم الحكومة المعارضة بالتمسك بالنشاط الارهابي، وترفض وقفه. وانها تبالغ في مطالبها الى مستوى عدم الاعتراف بالطرف الآخر.
وفي الوسط من هذه الرؤى المتناقضة يعتقد الطرفان (المعارضة والنظام) ان نجاح الدول الراعية والامم المتحدة في تنظيم وعقد مؤتمر «جنيف – 2»، لم يرافقه نجاح في تأمين الاسباب الموضوعية لنجاحه.
غير ان الحكومة تحدثت عن نقطة توافقية تكاد تكون الوحيدة التي تجمع بين النظام والمعارضة، حيث اشار فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري الى ان الحكومة السورية مستعدة لمناقشة اقتراح المعارضة بطرد المقاتلين الاجانب من البلاد في اشارة الى توافق نادر بين الجانبين.
والاصعب من ذلك هناك التقاطعات في المفاهيم، وبحيث يكون اللقاء في العناوين فقط، بينما الاختلاف في المضامين. ومن ذلك اتهام كل طرف الآخر بانه يرفض تقديم تنازلات في مجالات معينة. ومنها  – على سبيل المثال – موضوع الارهاب. فكل جهة تتهم الاخرى بتغذية الارهاب وزيادة حدته. بينما تضيف المعارضة اتهاماً للنظام بانه على علاقة مع تنظيم داعش، وان العمليات التي ينفذها التنظيم تصب في مصلحة النظام.
ومن اهم ما ميز الجولة الثانية من «جنيف – 2»، بعض التحولات في الاستراتيجيات، فبدا النظام وكأنه عاد الى تحصيناته الخلفية، وتوقف عن ارسال الاشارات التي كان البعض يقرأها كنوع من محاولات الطمأنة، واستعاض عنها بمواقف متصلبة تماماً كما هو الحال قبل بدء المفاوضات.

عسكرة وفد المعارضة
وفي موازاة ذلك، عمدت المعارضة الى «عسكرة» وفدها من خلال تشكيل غرفة عمليات عسكرية مهمتها تزويده باية معلومات ميدانية لازمة. اضافة الى ارسال اشارة مفادها ان المقاتلين يشاركون في المفاوضات، وان ما يتفق عليه يمثلهم تماماً كما يمثل المعارضة السياسية.
فالمعلومات الواردة من اروقة المؤتمر تشير الى ان الوفد السوري المعارض، الى مفاوضات «جنيف – 2»، شكل غرفة عسكرية استشارية، يشارك فيها قادة من الجيش السوري الحر، لمزيد من التنسيق في حال التوصل إلى وقف محتمل لإطلاق النار. وبحسب مصادر الوفد، هناك مجموعة من ضباط الجيش الحر ملحقة بالوفد من اجل التنسيق بينها وبين الوفد السياسي المفاوض، مشيراً إلى أن اعضاء هذه الغرفة سيساعدون عندما تدعو الحاجة، في ما يتعلق بالوضع على الارض وفي المسائل الامنية.
وبحسب المصادر لا يقل عدد القادة الموجودين عن سبعة، يمثلون جبهة ثوار سوريا، وقيادة غرف العمليات المشتركة في حوران جنوب سوريا، التي تمثل 18 مجموعة مقاتلة على الارض.
في تلك الاثناء، رسم وزير المصالحة الوطنية السوري علي حيدر في تصريحات صحافية صورة قاتمة للوضع، وألمح في اكثر من موقف الى انه لن تكون هناك نتائج ايجابية على مستوى «جنيف – 2». فمن جهة اكد ان الهدف من وراء مشاركة النظام في الجولة الثانية من المؤتمر هو محاولة كسر الحصار الاعلامي المفروض على النظام منذ ثلاث سنوات. ومن جهة ثانية هناك الرغبة في عدم اغضاب الحلفاء الداعمين وخصوصاً روسيا والصين. اضافة الى ان مشاركتها تهدف الى التأكيد على رغبتها في المساعدة بالعملية السياسية وانه ليس لديها مشكلة في اجراء «عملية سياسية حقيقية» وليست وهمية او تجميلية.
والمح الوزير السوري الى ان هذه الجولة قد تكون الاخيرة في جنيف، مشيراً الى ان الخطوة اللاحقة هي «دمشق واحد». وشدد على ضرورة رفع دينامية العمل من داخل سوريا «على مستوى المناطق والمصالحات الاجتماعية ووقف مؤشرات الاستفزاز»، وصولاً الى تأمين بيئة موضوعية يمكن من خلالها الذهاب الى اطلاق عملية سياسية داخلية بغض النظر عن الخارج» مؤكداً القناعة المطلقة بان الحل ليس في جنيف وانما في سوريا.
في تلك الاثناء، تتهم تقارير اخرى النظام بانتهاج سياسة التعطيل، بينما يضع وفد المعارضة كل الأدلة التي يملكها حول علاقة النظام بالمتشددين الارهابيين.
وتستشهد تلك التقارير بما حدث في احدى الجلسات التي انعقدت في مقر الامم المتحدة في جنيف، حيث تشير الى ان وفد النظام حاول تعطيل تقدم المفاوضات، وواصل كيل الاتهامات للشعب السوري بالخيانة والعمالة، فيما أصر وفد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة على أن المدخل للحل السياسي في سوريا هو إنشاء هيئة الحكم الانتقالي للانتقال إلى معالجة مسألة وقف العنف ومحاربة الإرهاب.
وفي ما بعد، شدد وفد المعارضة الذي شكله وفد الائتلاف الوطني السوري على أن تكون جلسات المفاوضات مكثفة وزمنها أطول، وذلك لحل معاناة الشعب السوري، إلا أن وفد النظام رفض ذلك، وقال إنه لا يعمل أكثر من 3 ساعات يومياً، لأنه يحتاج إلى مشاورة دمشق.

جدول الاعمال
اما في ما يتعلق بجدول الاعمال، فقد تمسك وفد النظام ببند واحد هو مكافحة الارهاب، خلافاً لما اقترحه المبعوث الاممي الاخضر الابراهيمي، والذي اشار الى عناوين عدة ابرزها وقف العنف ومكافحة الإرهاب وهيئة الحكم الانتقالي، ومؤسسات الدولة بين الاستمرارية والتغيير. ووجه وفد النظام اتهامات مبطنة إلى الأمم المتحدة والمبعوث الخاص المشترك بتنفيذ خطط استخبارية لتفكيك الدولة السورية، من خلال طرح موضوع إصلاح مؤسسات الدولة.
وتحدث وفد الائتلاف في موضوع وقف العنف والإرهاب، مقدماً الأدلة على العلاقة بين النظام وتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام، ومدى الارتباط بينهما، ومركزاً على إرهاب النظام وعنفه ضد شعبه، وقتل المعتقلين تحت التعذيب. واستشهد بقضية وسام فايز سارة ابن مستشار رئيس الائتلاف أحمد الجربا.
كما قدم وفد الائتلاف تقريراً موثقاً حول تصعيد النظام عنفه خلال مفاوضات «جنيف – 2»، وكشف عن وثيقة بأسماء 1805 شهداء سقطوا في قصف النظام بالبراميل منذ بدء المؤتمر، أكثر من 800 منهم في حلب وحدها، وقدم كذلك تقارير موثقة من منظمات دولية تتحدث عن التعذيب والقتل والإخفاء القسري، وهدم الأحياء والمدن في سوريا.
الى ذلك، وزعت في جنيف صباح الثلاثاء نسخة من مشروع القرار بشأن الوضع الانساني في سوريا الذي وزعته دول غربية وعربية على الدول الـ 15 الاعضاء في مجلس الامن رغم معارضة روسيا.

مشروع قرار انساني
يسعى الغرب منذ ايام الى اقناع روسيا بالانضمام الى مشروع القرار الذي يطالب بوصول المساعدات الانسانية بصورة افضل الى سوريا و«الرفع الفوري للحصار» المفروض على مدن سورية عدة بينها حمص.
واكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مجدداً ان هذا النص «غير مقبول على الاطلاق» بالنسبة الى موسكو، احد الحلفاء الرئيسيين لنظام بشار الاسد. وقال لافروف: «الافكار التي نقلت الينا غير مقبولة على الاطلاق وتتضمن انذاراً للحكومة السورية».
والقرار غير ملزم ولا يتضمن عقوبات تلقائية في حال عدم الالتزام به. لكن اذا لم تطبق بنوده في غضون 15 يوماً يحتفظ مجلس الامن لنفسه بامكان التصويت لاحقاً على فرض عقوبات فردية ومحددة ضد من «يعرقل وصول المساعدات الانسانية» او من يرتكب اعمال عنف ضد المدنيين.
ومنذ بداية الازمة السورية حالت روسيا ثلاث مرات دون صدور قرارات تستهدف الضغط على دمشق. وهذه المرة تراهن الدول الغربية على انه سيكون من الصعب على روسيا تجميد قرار انساني الهدف.
ويطالب مشروع القرار بوصول حر وآمن الى السكان المحتاجين للمساعدة وبـ «رفع الحصار فوراً» عن العديد من المدن السورية التي تحاصر المعارك سكانها وخصوصاً حمص القديمة اضافة الى نبل والزهراء في محافظة حلب، ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق والعديد من قرى ريف دمشق.
كما يندد القرار بالقصف الجوي السوري للمدنيين باستخدم صواريخ سكود و«البراميل المتفجرة» التي كثيراً ما تستخدم في حلب.
وفي محاولة لاستمالة موسكو يتضمن النص ادانة لـ «الاعتداءات الارهابية المتزايدة» في سوريا. كما يطالب برحيل «كل المقاتلين الاجانب» من البلاد ومن بينهم مقاتلو حزب الله اللبناني الداعم للنظام.

احمد الحسبان

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق