افتتاحية

السياسة هي مصيبة لبنان الكبرى

ابتلي لبنان بكوارث ونكبات عبر تاريخه الحديث وبالتحديد منذ الاستقلال، او ما نسميه استقلالاً، لانه حتى الساعة غير ناجز، وعلى ارضه مختلف انواع القوى الاستخباراتية التي تتصارع في ما بينها، وقد حولت ساحته الى محطة لتوجيه الرسائل في كل الاتجاهات، فضلاً عن ان معظم ابنائه من السياسيين يعملون مع الخارج ويرعون مصالحه دون ان تعني لهم المصالحة الوطنية اي شيء، ودون ان يتمتعوا بالحس الوطني اللازم، ولولا ذلك لما كنا حالياً في هذا الوضع المزري.
اذاً ابتلي لبنان بمصائب كبيرة، من هزات ارضية، الى حروب مدمرة الى احتلالات الى غير ذلك. ولكن اكبر كارثتين حلتا على ارضه تتمثلان بالارهاب وبالسياسيين.
لم يعرف لبنان ان ينأى بنفسه عن الحرب السورية المشتعلة منذ حوالي ثلاث سنوات، فغاص فيها فريق من اللبنانيين وشارك في معاركها، فاستجلب التفجيرات والسيارات المفخخة والمنظمات الارهابية الى مدنه وقراه.
وتبذل القوى الامنية ما بوسعها لتعقب الارهابيين ومطاردتهم ومنعهم من ممارسة اعمالهم المجرمة، ولكن النقص في المال وفي العتاد وفي التقنية الحديثة المتطورة يشل قدرتها على ضبط الوضع، وذلك لان الله لم يقيض لبلدنا سياسيين مخلصين يهتمون بسيادته وعمرانه وامنه، فلم يفكروا يوماً في بناء جيش يكون على مستوى التحديات، ومع ذلك فإن جيشنا الباسل لا يتوانى عن القيام بواجبه كاملاً، بما توفر له من امكانيات ضئيلة. لماذا هذا الخوف من بناء جيش قوي؟ لا احد يعلم او بالاحرى الكل يعلمون ولا يتكلمون.
من يحمي لبنان من هذا الجحيم الطارىء عليه؟
يفترض قبل كل شيء بالمجتمع الدولي المتمثل في مجلس الامن القيام بمحاربة الارهاب الذي هو آفة دولية لا تستطيع دولة بمفردها ان تتصدى له، فكيف اذا كانت دولة صغيرة مثل لبنان، صغيرة بمساحتها، وبعدد ابنائها وبوطنية سياسييها وبقدراتها الاقتصادية؟! ولكن مجلس الامن يبدو انه استعفى من مسؤولياته في هذه الايام، اذ انه يكتفي عند وقوع كارثة ما ان يصدر البيانات الجوفاء المستنكرة والمنددة والتي لا تغني ولا تسمن. فمجلس الامن معطل منذ سنوات وزاده شللاً الفيتو الروسي، الذي استخدم مرات عدة منذ بدء الحرب السورية وحال دون ايجاد حل لها. فوجد الارهاب ارضاً خصبة وفرصة سانحة للتسلل الى المنطقة والعبث بأمنها واستقرارها.
لماذا هذا الموقف الروسي؟
بكل بساطة انه  دفاع عن مصالح خاصة ولو كان ذلك على حساب خراب العالم وعلى حساب شعب بريء.
الكارثة الثانية التي حلت بالبلد هي معظم هذا الطقم السياسي الذي ابتلي به لبنان، والذي لا يأخذ بالحسبان سوى مصالحه ومصالح داعميه في الخارج وتنفيذ مآربهم ولو على حساب الوطن.
كان يفترض ان يكون في لبنان حكومة ترعى شؤون المواطنين وتحميهم وتبعد عنهم شبح الارهاب والتفجيرات، ولكن مع الأسف لبنان بلا حكومة منذ عشرة اشهر، بسبب خلافات السياسيين وقبلها كانت تتربع على صدر اللبنانيين حكومة اللون الواحد التي رعت مصالحها ومصالح وزرائها وداعميها، دون الالتفات ولو للحظة الى مصالح المواطنين، فدمرت الاقتصاد وأوصلته الى الحضيض ولم تحافظ على الامن والاستقرار، وانشغل وزراؤها بالبحث عن مصالحهم، فعمّ الفساد مختلف الارجاء، وهذا ليس تجنياً لأن وزراءها انفسهم فضحوا بعضهم بعضاً عبر شاشات التلفزيون. ثم دخلت على الخط يد خفية معلومة فأصلحت العلاقات بين المتخاصمين، وطويت الصفحة ولم نعد نسمع بها ولا نعلم على ماذا استقرت، وإلام توصل التحقيق في الاتهامات التي كالها الوزراء لبعضهم.
نقول هذا دون ان نغفل انهم، اي السياسيين، هم الذين يقطعون الطريق على تشكيل حكومة، وهم يجهدون للوصول الى الفراغ الرئاسي لغاية في نفس يعقوب، وبعد ذلك ألا يحق لنا ان نقول انهم مصيبة هذا الوطن الكبرى؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق