أبرز الأخبارتحقيق

غضب الطبيعة…الربيع في عز كانون فهل يبيضها شباط؟!

كنا نسمعهم يقولون:«الثلج على الأبواب”. اليوم حتى هذه العبارة صارت من الماضي. والظاهر أننا سنودع كانون الثاني (يناير) كما استقبلناه بشمس دافئة وطقس شبه ربيعي.
لكن إذا حسبناها علميا نكتشف أن الكلام عن تغير مناخي غير صحيح. لأن المسالة تتطلب تكرار المشهد على ما لا يقل عن 30 سنة،عندها نقول أن هناك تغييرا مناخيا ما في لبنان. لكن حتى هذه السنة كل المشهد يدل على وجود ظروف مناخية معاكسة للطبيعة.
نعم، حتى الطبيعة تعاكس اللبنانيين، وما كانوا يعولون عليه من موسم تزلج يعوض عن جزء ولو بسيط من خسائر القطاع السياحي في الصيف تبدد مع انحسار كمية الأمطار ب238 ملم . لكن هذا الكلام محدد بتاريخ شهر كانون الثاني (يناير)، يعني قد يحصل ما ليس في الحسبان. ألم تسمعوا ب«شباط اللباط” و«الحطبات الكبار” لشهر آذار”؟ 
هي من دون شك شتوية مميزة وحسابات البيدر قد لا تتوافق ومراصد العلم، مع ذلك قولوا ألله!

الثلج آت في نهاية شهر كانون الثاني (يناير). لا، العاصفة القطبية ستصل في بداية شباط (فبراير)، وهذه المرة من القطب الشمالي مع برد قارس وأمطار غزيرة. خبر جديد! العاصفة المقبلة مصدرها القطب الجنوبي، وفصل الشتاء سيمتد حتى نهاية شهر نيسان (ابريل). ضعتم مثلنا؟ المهم الا تكون الخبرية مجرد كرة ثلج تماما كما حصل مع العاصفة”ألكسا”. فالكابوس الذي عاشه اللبنانيون على مدى أسبوع من استعدادات لعاصفة قطبية وثلج يلامس ال300 متر كانت نتيجته مجرد شتاء عادي في عز كانون الأول (ديسمبر)! حتى بيستات التزلج التي شمر اصحابها عن زنودهم وتفاءلوا بثلج “ألكسا” فطروا على قشرة ثلج. ومن حينه لا تزال البيستات مقفلة. فهل يصدق اللبنانيون الكلام اليوم عن موجات برد قطبي في شباط (فبراير) أو عن شتوية قد تمتد حتى شهر نيسان (ابريل)؟ وماذا عن ثلوج آذار (مارس) ونيسان (ابريل)؟ هل تصمد على المرتفعات أم تكون نكبة السياحة مزدوجة على لبنان هذه السنة؟

 

بين التوقعات والمنجمين
توقعات الطقس ترتكز على حسابات العلم والمراصد الجوية، عدا ذلك تكون كلها مجرد توقعات حتى لا نقول “كلام منجمين”. هكذا يقول رئيس مصلحة الأرصاد الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي مارك وهيبه، مضيفا: “إذا أردتم معرفة توقعات الطقس عليكم الإتكال على مصدرين علميين لا ثالث لهما: المنظمة العالمية للأرصاد الجوية والتي تضم نحو 191 مركزا للرصد الجوي، ومصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت الدولي. لأن المعلومات التي تصدر عن هذين المصدرين تكون حقيقية وتتضمن خلفية علمية”.
نسلم بهذه الحقيقة ومنها ننطلق لمعرفة حقيقة تحول شتاء لبنان إلى ما يشبه فصل الربيع، ومرتفعاته الى هضاب خضراء بدلا من ان تكون مكللة بالبساط الأبيض في شهر كانون الثاني (يناير). يقول مارك وهيبه:« أصلا التغير المناخي حاصل على صعيد الكرة الأرضية. لكن ولا مرة كان المناخ حالة ثابتة. على العكس هو في حال تغيير دائم .هل رأيتم مثلا طقسا مشابها على مدى 100 سنة ؟هذه طبيعة المناخ”.
على مستوى المناخ اللبناني يعترف وهيبه بوجود اختلافات “قد تمطر في سنة كميات تفوق المعدل العام أو تكون على المعدل أو أقل منه كما هو حاصل هذه السنة. لكن هذا لا يعني ان المناخ تغير في لبنان. هذه المعادلة لا تجوز إلا إذا سار مفعول التغيير نفسه على مدى سنوات بشكل متلاحق. عندها يمكن التكلم عن تغيير مناخي جذري في لبنان”.

 

 

اعوام الشح ليست نادرة
هذه السنة ليست إستثنائية في كمية المطار الشحيحة بحسب وهيبة الذي يستند إلى الإحصاءات الواردة من مصلحة الأرصاد الجوية. فإذا عدنا إلى الوراء نلاحظ أن أعوام الشح ليست نادرة في لبنان. ففي العام 1958 لم تتجاوز كمية الأمطار التي سقطت حتى نهاية شهر كانون الثاني (يناير) 250 ملم. ويروي بعض المسنين الذين عايشوا تلك المرحلة أنهم كانوا ينقلون الماء التي تصلهم إلى المنازل عن طريق سيارات الدفاع المدني والإطفاء بواسطة الأوعية لتعبئة خزانات الماء .
قبلها وتحديدا في العام 1930 وصلت كمية الأمطار إلى 214 ملم. أما أكثر الأعوام التي شهد فيها لبنان موسم أمطار شحيحة فكانت في العامين 1976 و1989 بحيث لم تتجاوز كمية الأمطار ال300 ملم. ودائما حتى نهاية شهر كانون الثاني (يناير).
من الشح إلى الغزارة. ألم نقل إن المناخ حالة متغيرة؟ ففي العام 1968 تجاوزت كمية الأمطار ال1000 ملم لتسجل النسبة الأعلى في تاريخ شتاء لبنان. وفي العامين 1937 و1945 لامست كمية الأمطار حدود ال750 ملم. اما في العامين 1978و1991 فوصلت إلى 780 ملم في حين لم تتجاوز ال700 ملم في الأعوام  و1977 و1979 و1980. مع ذلك صنفت من الأعوام المطرية الغزيرة. يذكر أن الإحصاءات محددة حتى تاريخ نهاية كانون الثاني (يناير) من كل عام.
نعود إلى سنة الشح. فهمتم حتما إننا نتكلم عن شتاء2013 -2014، الذي ارتفعت فيه اصوات أصحاب بيستات التزلج والفنادق التي كان يفترض أن تكون غرفها محجوزة في الكامل منذ بداية شهر كانون الأول (ديسمبر). لكن لا الأعياد ولا الوضعين الأمني المناخي ساهمت في تذليل عقبة شح الموارد والحركة السياحية في مراكز التزلج .والنتيجة؟

 

موعودون بعواصف قطبية؟!
اصحاب هذه المراكز موعودون بعواصف قطبية في بداية شباط (فبراير) وعاصفتين مقبلتين في خلال شهري آذار (مارس) ونيسان (ابريل). لكن حتى الساعة لن يجهزوا اكثر من الموجود. هم تعلموا من عاصفة “ألكسا”. والخيبة التي حصدوها ما زالوا يدفعون ثمنها غاليا حتى اليوم. لكن هل يمكن التسليم بكلام العواصف الموعودة إذا ذهبنا إلى الحسابات الطقسية في مفهومها العلمي؟
يؤكد مارك وهيبه أن الحسابات الطقسية تتوقف على المراصد، ومعلوماتها لا تزيد عن فترة الأسبوع. مما يعني أن أقصى التوقعات بحسب مصلحة الأرصاد الجوية تشير إلى احتمال سقوط أمطار يومي الإثنين والثلاثاء المقبلين. ولو كان في الإمكان توقع حالة الطقس قبل أشهر لما حصدت العواصف والأمطار الغزيرة والثلوج التي تساقطت هذه السنة في الولايات المتحدة وأوروبا هذا العدد من الضحايا وتسببت بهذا الكم من الخسائر الفادحة. ولفت إلى ان كمية الأمطار التي هطلت حتى تاريخ 23 كانون الثاني (يناير) لم تتجاوز ال238 ملم. مما يعني أن السنة المطرية المحددة علميا بين الأول من أيلول (سبتمبر) وحتى تاريخ 31 آب (اغسطس) من كل سنة شحيحة.  وإذا وصلنا إلى معدل الأعوام الماضية التي راوحت بين 460 و520 ملم، نكون بألف خير. وهذه النسبة هي التي سجلتها الأرصاد في العامين 2012و2013. لكن هذا مستبعد أقله حتى الساعة.
بواحير “ستي” كانت تفي بالمطلوب. لكن حتى حساباتها التي كان يستند إليها المزارعون في الماضي لم تصح هذه السنة. فبحسب البواحير كان يتوقع أن تكون الشتوية قاسية هذه السنة لكنها أخطأت أيضا مع توقعات “ستي”.

 

ظروف طقسية معاكسة
نعود إلى العلم والأرقام.. يعتبر وهيبه أن ما حصل هذه السنة يدخل ضمن التغيرات الطبيعية التي تحصل في الطقس. “سنة وتمر. لكن ذلك لا يعكس حتما حصول تغيير مناخي في لبنان. كل ما يمكن قوله إنها ظروف طقسية معاكسة .أما الكلام عن تغيير مناخي فيحتاج أقله إلى فترات تفوق ال30 عاما. عندها يمكن الجزم أن هناك تغيير ما في المناخ”. أما تفسير هذه الظروف فيشرحها بالآتي:«في العادة كانت الكتل الهوائية الباردة الآتية من القطب الشمالي تعبر على مستوى البحر المتوسط وتتغلغل نحو أوروبا وروسيا ثم الجنوب لتصل إلى لبنان. هذه السنة تغيرت وجهة العواصف. فبدلا من أن تعبر مستوى المتوسط نزلت نحو الجنوب لتطاول الشواطئ المصرية مما أدى إلى حصول رياح شرقية ضربت لبنان وشمالي سوريا. ومعلوم أن الرياح الشرقية لا تحمل الكثير من الأمطار في حين ان هذه الأمطار كانت من نصيب مصر والأردن وداخل الخليج. ولو بقيت المنخفضات على مستوى المتوسط لشاهدنا غزارة الأمطار التي تساقطت في الدول العربية التي ذكرناها”.
السيناريو المناخي الموضوع على خريطة الشرق الأوسط للسنوات الخمسين المقبلة يؤكد على حصول تغيير مناخي ويتوقع أن تخف كمية الأمطار في منطقة الشرق الأوسط بحيث لا تتجاوز كمية المتساقطات بين 20 و25 في المئة. كما يرجح أن تكون العوامل القصوى من عواصف وبرد ورعد أكثر قساوة وتزداد نسبة منسوب مياه البحار بسبب ارتفاع درجات الحرارة .

 

تمدد الايام الحارة
أما في لبنان فإن تداعيات عوامل التغيير المناخي بدأت تتظهّر في امتداد عدد الأيام الحارة . هذا لا يعني أن درجات الحرارة تجاوزت الحد المعقول، لكن بدلا من أن يمر لبنان بموجات حر عادية  تمتد لفترة 48 ساعة كحد أقصى هناك احتمال أن تطول المدة لتصل إلى الأسبوع !. يعني 5 أيام او 7 كحد أقصى في ظل حرارة تصل إلى 42 درجة مئوية.
شعرتم بموجة الحر الآتية؟ لنصلي اولا “صلاة الإستسقاء” حتى تهطل الأمطار في الأشهر الثلاثة الباقية ليس لأننا من عشاق البهدلة على الطرقات التي تعوم من أول شتوة، إنما لأن موجات الحر الآتية لا تبشر بالخير. ولا شيء يطفئها إلا كميات المياه التي يفترض أن تخزنها الينابيع والسدود من أمطار الشتاء.
بدأتم في تلاوة صلاة الإستسقاء؟ هذا أقصى ما يمكن أن يفعله سكان الكرة الأرضية والباقي على الله!

جومانا نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق