أبرز الأخبار

جنيف 2: حوار طرشان يتخطى أساسيات الحل

ما بين المطالبة بتغيير النظام السوري، والدعوة الى وقف الإقتتال، والتخلص من الإرهابيين، وتسهيل عملية دخول المساعدات الإنسانية، تنقل المتحدثون في اليوم الأول من أيام مؤتمر جنيف – 2 الذي إنعقد في منتجع مونترو القريب من جنيف. إلا أن مطالباتهم هذه لم تبتعد كثيراً عن عنوان رئيس يتمثل بإمكانية التوصل الى حل للأزمة السورية يضمن وقف عمليات القتل والتدمير، وإنهاء المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري.

لم يبتعد المتحدثون القريبون من المعارضة عن مطلب رئيسي يتمثل بإقصاء الرئيس بشار الأسد، وحرمانه من أي دور في المرحلة الإنتقالية المفترضة التي حددها مؤتمر جنيف واحد، والتي تستحضر التجربة اليمنية. وبصورة أكثر تفصيلاً تقوم المرحلة الإنتقالية على أساس مشاركة النظام والمعارضة في إدارة المرحلة مع التأكيد على إستثناء الرئيس ومن «تلطخت أياديهم بدماء الشعب» من أنصاره. وبحيث تفضي المرحلة الإنتقالية الى حوار ينتهي بإجراء تعديلات دستورية وإنتخابات رئاسية وتشريعية والتأسيس لمرحلة ديمقراطية.
يقابل ذلك، رفض من قبل وفد النظام، وتحفظ من قبل الوفود الداعمة، التي ترى ان أي طرح يمكن أن يتم التوصل إليه من خلال المفاوضات والمناقشات وليس وفقاً لقرارات مسبقة.
فعلى مدى عام أو يزيد، إنشغل العالم كله بالحديث عن المؤتمر الدولي «جنيف -2»، الخاص بالملف السوري. وتقديمه على أساس أنه الحل لتلك الأزمة التي تتصدر الاهتمامات كافة.
ومع أن جميع الأطراف بدت مهتمة بتطورات ذلك الملف، وبتفاصيل الإجراءات الخاصة بـ «جنيف – 2»، كان هناك خط وهمي لتصنيف درجة الإهتمام ما بين متابع وشريك، وما بين راض بمتابعة التطورات عن بعد، ومنخرط في العملية بكل تفاصيلها.
موعد المؤتمر تأجل أكثر من مرة، وصولاً الى حالة الحسم، لينطلق في الثاني والعشرين من كانون الثاني (يناير) الحالي. اما مضمونه، فقد حمل عنواناً رئيسياً يتمثل بإيجاد حل سياسي للأزمة السورية التي دخلت مجالات أكثر تعقيداً، وشهدت تحولات طاولت هيكلية الملف ككل. كما شهدت تغيرات في موازين القوى، وحتى في بعض المواقف الدولية بما في ذلك المواقف المؤثرة.

الوصفة الأخيرة
 مؤتمر «جنيف – 2»، الذي انطلق في مدينة مونترو القريبة من العاصمة السويسرية جنيف، بمشاركة دولية واسعة، وبحضور وفدين سوريين، الأول يمثل النظام، والآخر يمثل المعارضة، يصنفه البعض بأنه «الوصفة الأخيرة» لعملية السلام السورية. ويتم البناء على هذه الفرضية طبقاً لمواقف مسبقة من جهة، وتوقعات لمقاربات الحل المنتظر من جهة اخرى. الا ان العملية بمجملها بدت محكومة بهواجس الإخفاق، والتي قد لا يكون صعباً على أي مدقق أن يتلمس تفاصيلها، من خلال المشهد الإجمالي.
بإختصار، يحاول بعض المتابعين او حتى المعنيين إستباق الأمور بتوجيه تساؤلات حول ما اذا كان «جنيف – 2» سينجح أم لا؟ وفي أحسن الأحوال يصار الى تطوير السؤال ليصبح: «ما هي إحتمالات النجاح من عدمها»؟
إلا أن عملية التدقيق في التفاصيل تنتهي بصدمة أساسها: هل تم تحديد مقاييس النجاح الذي يجري الحديث عنه؟ وما المطلوب تحقيقه لكي يكون المؤتمر ناجحاً؟ وما الذي يحدد ما اذا كان المؤتمر فاشلاً؟
أسئلة قد تبدو فلسفية لدى البعض، لكنها تشكل جوهر المشكلة بالنسبة الى عشرات المراقبين الذين تابعوا اللقاء، ومن بينهم عشرات الصحافيين والسياسيين الذين تواصلت معهم «الاسبوع العربي» وكانوا شبه مجمعين على عدم توافر متطلبات النجاح للمؤتمر، بدءاً بـ «مواصفات النجاح» او «مواصفات الفشل». ما دام المشاركون أنفسهم بعيدين كل البعد عن فهم مشترك لمثل تلك الأمور. وركزوا على الحدة التي طغت على مناقشات اللقاء الذي يجري الترويج له كفرصة تاريخية.
ومما يرفع منسوب الإشكالية ان الخلاف في الرأي والتصور لا يتوقف عند حدود «الخصمين المباشرين» (النظام والمعارضة) وانما يتعداهما الى أطراف اخرى، بعضها يصنف ضمن الجهات الراعية للقاء، والبعض الآخر ضمن الجهات المعنية مباشرة، والداعمة، وغيرها من فئات تختلف تصنيفاتها تبعاً لقربها او بعدها من بؤرة النار المشتعلة على الأرض السورية، ومدى إنخراطها في التفاصيل. لكنها في المحصلة متهمة بإمكانية التوافق المصلحي على حساب «القضية».
هنا يمكن التوقف عند بعض المواقف المتقاطعة، والتي أفضت الى فهم متناقض  لطبيعة المهمة التي يجري التعاطي معها في مونترو، وتحت مسمى «جنيف – 2». فالمعارضة ومن يتبنى طروحاتها تفهم المشاركة في «جنيف – 2» على أساس أنها تأكيد على مقررات «جنيف – 1» والى حد كبير اعلان جداول زمنية لتطبيق تلك المقررات. وفي الطرف المقابل هناك من لا يعترف أصلاً بـ «جنيف – 1» ويرفض المشاركة طبقاً لذلك الفهم. وضمن الإطار عينه هناك من يفهم «جنيف – 2» بأنه حضور للنظام من اجل التوقيع على التنازل عن الحكم لصالح حكومة انتقالية نصت عليها مقررات وتوصيات «جنيف – 1». وهو ما يرفضه الفريق الرسمي الممثل للنظام.

حزمة أوراق
تحتوي حقيبة وفد المعارضة على حزمة اوراق من بينها ورقة تفصيلية لجدول زمني وخريطة طريق للمرحلة الإنتقالية تمتد ما بين 3 و 6 أشهر. وبحسب مصادرها فإنها لن تطرح تلك الورقة إلا اذا أعلن الوفد الرسمي موافقته على مقررات وتوصيات «جنيف – 1». بما في ذلك المرحلة الإنتقالية، ونقل السلطة الى حكومة مؤقتة.
وبين هذه الطروحات هناك من يقرأ المشهد من زاوية وجود ثغرة أساسية تم بناء المواقف طبقاً لها، وتتمثل باغفال بعض التطورات التي شهدتها الساحة، ومنها عامل القوة، الذي تغير هو الآخر بإتجاه النظام. في حين مالت كفة الضعف كثيراً بإتجاه المعارضة ليس بسبب تشظيها وتفككها وتحولها الى مواجهة مع بعضها البعض فقط، وانما بسبب تخلي الدول الكبرى الداعمة لها، وتغيير أساليب الدعم من دعم يمنحها القوة والتفوق، الى دعم يمكنها من الدفاع عن نفسها. ومن تطور آخر في غاية الأهمية يتمثل بالحرص على معرفة أين سيذهب الدعم خشية إستفادة العناصر المتطرفة منه، وإشتراط تصفية تلك العناصر قبل توجيه الدعم الكامل للمعارضة؟
المدققون في المشهد السوري، يتوقفون عند تعقيدات كثيرة، بعضها منطقي والآخر غير ذلك. غير انهم يخلصون الى قناعة بأن تلك التعقيدات التي حدثت على الأرض تركت بصمات واضحة على الصورة الإجمالية للملف السوري، وبالتالي انعكست على معطيات «جنيف – 2»، ومن ثم على نقاشاته وعلى نتائجه المنتظرة.
النقاط الخلافية التي طفت على سطح المناقشات كانت كثيرة ومتعددة المضامين، إلا ان موضوع الرئيس السوري بشار الأسد، ودوره في البلاد كانا من أكثر تلك النقاط. حيث تكرر الحديث في تلك النقطة في كلمات عشرات المتحدثين في الجلسة الإفتتاحية، وفي كواليس المؤتمر الذي أحيط بترتيبات أمنية غير مسبوقة، من بينها عزل منتجع مونترو وتخصيصه بالكامل لتلك الفعاليات.
فقد مثل رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، نقطة خلاف بين الوفد السوري الممثل للنظام، ووفد المعارضة، وسط دعوات للإسراع بإيجاد حلول للأزمة الدامية التي تعصف بالبلاد منذ قرابة الثلاث سنوات. ففي الوقت الذي أصر وفد المعارضة ومن يدعمه من وفود على إعتبار رحيل الأسد عن السلطة عنواناً رئيسياً من عناوين البحث، كان رد الوفد الذي يمثل النظام متشنجاً، بينما جاءت ردود داعمي النظام سياسية، وحملت مضامين تخفف من حدة التعبير.
وامام ممثلين لـ 39 دولة شاركوا في المؤتمر، أكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم، أن أي حديث عن رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، يحرف بيان جنيف عن مساره. وأكد أنه لا يمكن لأي أحد «إضفاء الشرعية أو منعها عن الرئيس، إلا السوريين أنفسهم». كلمات المعلم هذه جاءت رداً على وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي أعلن قبل ذلك أن الرئيس الأسد لا يمكن أن يشارك في الحكومة الإنتقالية.
وبلهجة لا تخلو من التوتر، قال المعلم مخاطباً رئيس الدبلوماسية الأميركية: «لا أحد في العالم،  سيد كيري، له الحق بإضفاء الشرعية أو عزلها أو منحها لرئيس أو حكومة أو دستور أو قانون أو أي شيء في سوريا إلا السوريين أنفسهم»، مؤكداً أن ما سيتم الإتفاق عليه سيعرض للإستفتاء الشعبي.

رفض بقاء الأسد
وفي المقابل قال رئيس الإئتلاف السوري المعارض أحمد الجربا: «إن أي حديث عن بقاء الأسد في السلطة بأي صورة هو خروج بـ «جنيف – 2» عن مساره. ودعا الجربا الوفد الحكومي السوري إلى توقيع وثيقة «جنيف – 1» من أجل «نقل صلاحيات» الرئيس بشار الأسد الى حكومة انتقالية. بينما حذر وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في الكلمة التي ألقاها في المؤتمر من «تغيير مسار» مؤتمر «جنيف – 2»، داعياً الى وضع هدفه القاضي بالعمل على تشكيل حكومة انتقالية موضع التنفيذ. وتابع انه «من البديهي ألا يكون لبشار الأسد او من تلطخت أيديهم بدماء السوريين أي دور بهذا الترتيب».
وفي الطرف الآخر، انتقدت الولايات المتحدة بشدة ما أسمته «الخطاب التصعيدي» لوفد النظام السوري . وأعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري ان الرئيس السوري بشار الأسد لا يمكن ان يشارك في الحكومة الإنتقالية في سوريا.
ومن جهته، اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان المفاوضات من أجل التوصل الى تسوية للنزاع الجاري في سوريا «لن تكون سهلة ولا سريعة» مؤكداً على «المسؤولية التاريخية» التي يتحملها اطراف النزاع. وقال لافروف ان «هدفنا المشترك هو النجاح في وضع حد للنزاع المأساوي في سوريا«.
امام تلك التفاصيل يحاول البعض قراءة الملف، واستشراف المشهد في محاولة للوصول الى تصورات تتعلق بالنتائج المحتملة للمؤتمر، والذي يجمع المتابعون على انه سيكون شاقاً، والذي قد تمتد مناقشاته لأكثر من أسبوعين. فالقراءات باتت أكثر قرباً من القناعة بأن النتيجة ستكون اخفاقاً في التوصل الى حلول ترضي جميع الأطراف.
إلا ان السيناريو المحتمل والأكثر قرباً من المنطق يؤشر الى لجوء الأطراف الخارجية، وفي مقدمتها روسيا والولايات المتحدة، الى تنظيم حلقات نقاشية موازية تستند الى مواقف الوفود الرسمية، ومن ثم التوصل الى حلول تقريبية ومحاولة فرضها على الطرفين بشتى الوسائل، ومن خلال ضغوطات تمارس على الأطراف المشاركة.
الا ان الوفدين سيحاولان التهرب من تلك الإستحقاقات، والتركيز على ضرورة العودة الى المرجعيات للحصول على موافقتها على أية حلول مطروحة. وقد تمتد تلك الأمور بإتجاه إشتراط موافقات شعبية ناتجة عن استفتاءات بالنسبة الى النظام، والى مؤتمرات لفصائل المعارضة لإتخاذ موقف بخصوصها.

ترشح الأسد
وفي كل الأحوال يبدو أن الأمر سيكون محكوماً بموقف حاسم يتخذه النظام الذي يقول متابعون انه يشعر بقدر من القوة، التي تعطيه قدرة على المناورة. والذي يستفيد من خلافات المعارضة ومن مواجهاتها ويعمل على تجييرها لصالحه، وما يعزز تلك الفرضية تأكيدات الرئيس بشار بأنه «لا يستبعد ان يرشح نفسه للإنتخابات الرئاسية»، وانه لا شيء يمنع ذلك الترشح، مستنداً الى ان «الشعب هو من يقرر مصيره». وهو الإدعاء الذي يعارضه العديد من الدول وفي مقدمتها السعودية ودول الخليج العربي، اضافةً الى التنظيمات التي تنضوي تحت لواء المعارضة.

فما الذي يمكن ان تنتج عنه محادثات جنيف التي ستستأنف غداً الجمعة وستكون شاقة وصعبة للغاية؟
سؤال مفتوح ليس على كل الإحتمالات فقط، وانما على إجابات متعددة وقد تكون متقاطعة، تدعمها التسريبات التي تحدثت عن انخفاض رسمي في سقف التوقعات، وعن نقد أميركي لما اعتبره «حدة الخطاب الرسمي السوري». وتأكيدات الأمين العام للأمم المتحدة التي تغمز من قناة النظام  بأن الدعوة للمؤتمر كانت واضحة وتقوم على فكرة تنفيذ مقررات جنيف واحد، بما في ذلك تشكيل حكومة إنتقالية. 

احمد الحسبان
 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق