رئيسي

القلق ينتاب أوروبا لتزايد تجنيد الشبان للقتال في سوريا

كان حاجي آكارجورتن يتنقل بين الموائد مسرعا لخدمة الزبائن في مطعم الأسرة في كولونيا الشهر الماضي وعينه في الوقت نفسه على قطع اللحم التي وضعها على شواية الفحم عندما دق جرس الهاتف فانطلق إليه. فكان صمت على الطرف الآخر. فسأل حاجي “أهذا أنت؟” ونطق باسم أخيه الأصغر (29 عاما) الذي كان يعمل كهربائيا قبل اختفائه منذ ستة أشهر. وجاءت الإجابة “نعم هذا أنا.”
كانت الأسرة قد علمت من رسالة على موقع فيسبوك أن الإبن الأصغر في سوريا. وروى حاجي وهو يحاول كبح دموعه ما دار في هذه المكالمة وقال “تحدثنا 14 دقيقة. لم أكن أريده أن ينهي المكالمة.”
سافر ألوف الشبان من دول أوروبية للانضمام إلى صفوف المقاتلين الاسلاميين الذين يحاربون في سوريا. ولم يقتصر الأمر على تزايد الاعداد مع استمرار القتال وتحسن وضع قوات الرئيس السوري بشار الأسد بل إن أعمار المسافرين كانت تتراجع مع الوقت حتى أصبح بعضهم في الخامسة عشرة أو السادسة عشرة.

ويقدر الخبراء في المركز الدولي لدراسة التشدد أن عدد الأجانب الذين انضموا إلى صفوف القوات التي تحارب جيش الأسد بلغ نحو 8500 مقاتل منهم نحو 2000 مقاتل من غرب أوروبا.
وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إن حوالي 700 شخص سافروا من فرنسا هذا الشهر للقتال في سوريا ارتفاعا من 400 في تشرين الأول (أكتوبر) حسب تقدير أجهزة المخابرات.
كذلك فإن السلطات الالمانية على علم بوجود نحو 270 مواطنا ألمانيا في سوريا حاليا وتقول إن العدد قد يكون أعلى من ذلك بكثير.
ويقول المركز الدولي لدراسة التشدد إن سوريا فيها حوالي 300 مقاتل من بلجيكا ونحو 366 من بريطانيا و152 من هولندا.
وينضم أغلب المسافرين من أوروبا إلى جبهة النصرة والدولة الاسلامية في العراق والشام وهما أقرب منظمتين من الجماعات المقاتلة في سوريا إلى تنظيم القاعدة ويعتبرهما الغرب أخطر التنظيمات.
ويخشى المسوؤولون أن يعود هؤلاء المقاتلين بخبراتهم القتالية تملأهم الكراهية للقيم الغربية بما قد يفتح باب التمرد أمامهم في مجتمعاتهم.
وقال أندرو باركر المدير العام لجهاز الأمن البريطاني إم.آي 5 في كلمة ألقاها في تشرين الأول (أكتوبر): “نسبة متزايدة من الحالات التي نعمل عليها الان لها صلة ما بسوريا وأغلبها يتعلق بأفراد من المملكة المتحدة سافروا للقتال هناك أو يريدون ذلك.”
وأضاف “جبهة النصرة وغيرها من الجماعات السنية المتطرفة المنضوية تحت لواء القاعدة تطمح لمهاجمة دول غربية.”
وفي كثير من الدول الاوروبية تكون الرحلة بسيطة لا تكلف صاحبها سوى السفر ببطاقة زهيدة الثمن إلى تركيا ثم رحلة برية عبر الحدود مع أحد المهربين على دراية بمسالك الطريق.
ويقول هانز جورج ماسن رئيس المخابرات المحلية الالمانية في مقابلة إن الأمر لا يقتضي على نحو متزايد معرفة الجهاديين باللغة العربية للاندماج بسرعة في صفوف ألوية المقاتلين الأجانب.
وبلغ عدد المسافرين ومقتل 15 ألمانيا على الاقل في سوريا حدا دفع برلين إلى فتح تحقيق موسع في كيفية إبطاء حركة الميل للتشدد والتوصل للاسباب التي تجعل الناس عرضة لاعتناق الافكار المتشددة.
وينادي زعماء دينيون وزعماء تجمعات المهاجرين باجراء نقاش أكثر انفتاحا حول المشاكل التي تعانيها الاسر المعنية.

كسر حاجز الصمت
وعائلة حاجي صاحبة المطعم في كولونيا أسرة كردية انتقلت إلى ألمانيا من جنوب شرق تركيا قبل نحو 30 عاما وتقول إنها قبلت مناقشة الموضوع على أمل تجنيب أسر أخرى خطر المرور بالمحنة التي عاشتها وحث الاباء على التنبه للمخاطر.
وقال حاجي “لا أريد أن أرى أما أخرى تعاني من هذا الألم وتتساقط دموعها ولا أريد أن تعاني أسرة أخرى من هذه المأساة.”
وطلبت الاسرة عدم ذكر اسم ابنها خشية تعريض حياته للخطر.
وقال والده عزيز إن تشدد الابن الأصغر بدأ عام 2007 عندما التقى بصديق عربي خلال تعلمه حرفته في الكهرباء. وبدأ الابن يصلي في مسجد قريب ثم بدأ يقضي فترات طويلة على الانترنت ويستمع لتسجيلات اسلامية متشددة.
وقال عزيز “بعد ذلك بدأ يتحدث عن الصومال ويقول أشقاؤنا يفعلون كذا وأشقاؤنا يشهدون كذا. وأطلق لحيته وانتقل إلى مسكن آخر لانه اشتكى أنه لا يمكنه الصلاة هنا. ثم قلت المرات التي كنا نراه فيها شيئا فشيئا.”
ويعتقد عزيز أن طيبة ابنه وشخصيته الحانية ورغبته في وضع حد للمعاناة في سوريا ربما سهلت اقتناعه بالسفر.
وقال عزيز إنه أبلغ الشرطة عام 2010 قبل بدء الحرب في سوريا بقلقه لميل ابنه للتشدد وقلقه من رفاقه. وأضاف “أبلغتني الشرطة أنهم ليسوا شديدي الخطورة وانهم تحت السيطرة.”
ولا تعلم الاسرة شيئا عن ابنها منذ المكالمة التي تلقاها أخوه في المطعم في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
وقال عزيز “نتساءل كثيرا عن سبب اختياره هذا الطريق. فلا علاقة لهذا الطريق بالله أو بالانسانية.” ثم يوجه حديثه لابنه قائلا “عد لبيتك. أسرتك هنا في انتظارك.”

مقاتلون في سن الدراسة
ورغم أن أغلب الأوروبيين الذين سافروا للقتال في سوريا من الراشدين فإن السلطات تقول إنها منزعجة لتجنيد شبان في سن المراهقة.
وقال مانويل فالس وزير الداخلية الفرنسي الأسبوع الماضي إن أكثر من عشرة مراهقين فرنسيين موجودين في سوريا أو في طريقهم إليها، اثنان منهم في الخامسة عشرة من منطقة تولوز أحدهما قال لابيه إنه انضم لمقاتلي القاعدة.
ولفتت هذه الظاهرة الأنظار في فرنسا عندما أعلنت أم لأخين غير شقيقين من تولوز أيضا أنهما قتلا في معارك مع لواء اسلامي في سوريا واحدهما في تفجير انتحاري.
وفي أواخر العام الماضي قتل في سوريا شاب ألماني عمره 25 سنة كان عضوا في منتخب ألمانيا لكرة القدم تحت 17 سنة.
واتفقت الولايات الاتحادية في ألمانيا الشهر الماضي على دراسة حالات التشدد لكل من سافر إلى سوريا للانضمام للمقاتلين. وجاء ذلك في أعقاب دراسة أجرتها ولاية هيسه لحالات 23 جهاديا سافروا إلى سوريا توصلت إلى أن 17 منهم دون الخامسة والعشرين وتسعة كانوا طلبة في مدارس

أربعة منهم دون الثامنة عشرة.
ووجدت الدراسة أن تحول بعضهم إلى التشدد استغرق سنوات إلا أن البعض أصبح متشددا في غضون بضعة أسابيع.
وينتمي معظم الجهاديين في ألمانيا لأسر مهاجرة وكانوا إما من أصحاب الأداء الضعيف في المدارس أو عاطلين عن العمل.
وتوصلت الدراسة في ولاية هيسه إلى أن جماعة سلفية متشددة أقامت نقطة للتجنيد أمام مدرسة. وتشير المخابرات المحلية في ألمانيا إلى ارتفاع عدد السلفيين في ألمانيا من 3800 عام 2011 إلى 4500 في 2012. ويعيش في ألمانيا أربعة ملايين مسلم.

أساليب التجنيد
قالت كلوديا دانتشكه من مركز الثقافة الديمقراطية إن من سافر إلى سوريا يكون في المعتاد إما اعتنق الاسلام أو تلقى دروسا غيرت نظرته للاسلام.
وأضافت لمجموعة من الاباء الاكراد في برلين “أصحاب الفهم العادي للدين ومن كبروا وهم يمارسون الشعائر في أسرة مستقرة نسبيا أو في بيئة اجتماعية هم أقل الجماعات استجابة.”
وهي ترى أن هناك مجموعات عدة عرضة للخطر منها الصغار في أسر لها اصول اسلامية لكنها ليست متدينة وإن كان المجتمع الاوروبي يعتبرها مسلمة ومن ثم دخيلة عليه.
وكثيرون يحركهم حجم الكارثة الانسانية التي تشهدها سوريا حيث سقط ما لا يقل عن 130 ألف قتيل ونزح الملايين عن بيوتهم أو يدفعهم اعتقاد بأن الغرب فشل في وضع نهاية للاحداث.
ويخصص مركز الثقافة الديمقراطية خطا هاتفيا لمساعدة الاباء والاقارب الذين اتجه ابناؤهم للتشدد.

الجهاد باللغة الالمانية
وفي الاغلب يتم جذب المجندين عن طريق الانترنت أو الاتصال الشخصي لا بالدعوة من مساجد المتشددين. وقد أصبحت الدعاية الجهادية متوفرة على نحو متزايد بلغات أوروبية على الانترنت من سوريا مباشرة.
وتقول الحكومة الالمانية إنها على علم بمركزين اعلاميين نشطين في سوريا يروجان لفكرة الجهاد باللغة الالمانية.
وظهر تسجيل بالفيديو مؤخرا لالماني ملتحي بعينين زرقاوين يسمي نفسه أبو أسامة ويحض على الجهاد. وتقول وسائل اعلام المانية إنه عامل توصيل بيتزا سابق من مدينة صغيرة قرب الحدود الالمانية.
أما شقيق حاجي الكردي الاصل فقد أكمل فترة تعلم حرفة الكهرباء لكنه واجه صعوبة كبيرة في الحصول على عمل بسبب تدينه الشديد.
ويقع مطعم الاسرة على طريق مزدحم في حي للمهاجرين في كولونيا زرعت فيه عصابة من عصابات النازيين الجدد اتهمت بقتل تسعة من المهاجرين قنبلة مسامير في عام 2004 تسبب انفجارها في سقوط 22 مصابا.
وقال حاجي “قال لي خلال المكالمة في ألمانيا عندك روتين يومي لكن هذا مجرد عمل وليس حياة. أما أنا فأريد أن أكون حرا‘.”
وأضاف “لن نتوقف عن الأمل في عودته وأن يرى أن الوحشية التي تمارس هناك لا علاقة لها بالقيم الدينية… أريده أن يحيا حياة عادية هنا”.

(رويترز)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق