اتكلوا على توقعات المراصد العلمية!
هل نتفق مع القائلين بأن التغيير المناخي لحق بلبنان وبات يهدد البيئة ومكوناتها؟ أم نختلف مع القائلين بأن الفصول الأربعة انتهت وباتت متداخلة مع بعضها أو متطرفة الى درجة أنها حولت طقسنا الى صحراوي؟ هل نتفق أو نختلف مع خبراء الطقس ومحللي الأرصاد الجوية ومذيعي نشرات الطقس الذين يقلبون مزاجنا مع بداية كل فصل بأن الشتاء عاصف وممطر والثلوج تغطي القمم والجبال على ارتفاع 500 متر؟ أو نقول إننا في موسم الشتاء ومن غير الطبيعي أن يمر الفصل من دون عاصفة ثلجية أو أمطار غزيرة أو ثلوج؟ من نصدق ولمن نبصم على كلامه؟ خبراء الطقس؟ مرصد بحنس أو مركز البحوث الزراعية في تعنايل أو مرصد مطار بيروت الجوي او المنجمين والمبصرين وعلماء الفلك؟ لنتفق على مسلمة واحدة: العلم عند الله وحده والتحذيرات في الحالات الطقسية القصوى ضرورية لكن ليس الى درجة التهويل وتحويل مانشيتات الأخبار إلى نقل مباشر من أرض مغطاة بالثلوج، وكأنها ظاهرة استثنائية، فيما يكفي ان نتذكر اننا في فصل الشتاء!!
11-12-13 تاريخ لن ينساه اللبنانيون. ففي مثل هذا اليوم كان مقرراً ان تحل العاصفة الكسا الآتية من روسيا ضيفة على لبنان. وما ادراكم من وكيف كان مقرراً أن تبرد قلوب البشر والحجر. مدير مرصد تعنايل ميشال افرام حذر المواطنين من تساقط الأمطار الغزيرة التي ستغرق الطرقات وتشكل سيولاً. والنشرات الجوية حذرت من سرعة الرياح التي كان مقرراً ان تفوق الـ 80 كيلومتراً في الساعة. أما الثلج فسيلامس الـ 400 متر والجليد سيتكدس على الطرقات. مرصد مطار بيروت الجوي كان الحدث والخبر على مدى أيام الأسبوع الماضي كيف لا والعاصفة ستستمر لخمسة ايام؟!
الناس صدقوا. وزير التربية حسان دياب قرر إقفال المدارس. الإدارات التزمت، والموظفون أخذوا يوم عطلة ومنهم يومين على حسابهم خوفاً من العاصفة. اخيراً وصلت الكسا لكن بزخات مطر وشتاء أقل من العادة ومع كثير من الصقيع والبرد بسبب تدني درجات الحرارة. على الأقل صدقت الأرصاد الجوية في مسألة واحدة، البرد القارس!
من نصدق ؟ ولمن نقول اخطأتم!
نفهم ان يخطىء المنجمون لكن ان يحصل الخطأ على يد العلماء وفي بيانات الأرصاد الجوية؟ فالمسألة تحتمل أكثر من تحليل.
مدير عام مركز البحوث الزراعية في تعنايل المهندس ميشال افرام أقفل خطه منذ لحظة إخفاق مرصده. بسيطة تحصل مع ارقى الخبراء. نطرق باب مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت. رئيسها المهندس مارك وهيبه على السمع 24 على 24. هو لم يخطىء؟ على الأقل يعترف بأن ما حصل كان لافتاً لكنه على المستوى الشخصي لا يشعر بأنه أخفق في معلومة باستثناء إحتمال تساقط كميات كبيرة من الأمطار. فكانت النتيجة كميات عادية جداً في عز موجة ألكسا. لكن ما هي قصة ألكسا وأولغا من قبلها ومن يدري من سيكون الضيف التالي؟
بين الكسا واولغا
بهدوء رجل العلم يفسر المهندس مارك وهيبه الظروف الطقسية في لبنان: «ما يحصل يمكن وضعه في خانة الظروف غير الإعتيادية التي تحصل مرة كل عشرات السنين. فإذا عدنا إلى أجواء شتاء العام الماضي نلاحظ أنها كانت قاسية إلى حد ما خصوصاً عندما وصلت العاصفة أولغا. وللمناسبة، يضيف وهيبه، إن أولغا كانت اشد قساوة من ألكسا لكنها تشبهها من حيث البرودة.
نوافق على كلام رجل العلم لكن لماذا أثيرت كل هذه الضجة؟ وهل المطلوب ان يعيش اللبنانيون حالات ذعر وهلع في كل مرة تنذرنا الأرصاد الجوية بوصول عاصفة ما في عز فصل الشتاء؟
يلقي المهندس وهيبه جزءاً من المسؤولية على وسائل الإعلام التي تستقي معلوماتها من مصادر غير علمية «نسمع عن أشخاص كثر يتعاطون الرصد الجوي والحقيقة ان معلوماتهم كلها لا تصب في خانة العلم مما يؤدي إلى حصول تضارب في المعلومات وهلع عند الناس. ولن ننسى طبعاً مواقع التواصل الإجتماعي وما يرد على صفحاتها من تعليقات وتحاليل وخبريات من شأنها أن تضيف من جرعات الهلع عند الناس ولا أحد يدقق أو يراقب صحة المعلومات الواردة فيها. كل هذا يجب ان نتوقع المزيد منه مع تقدم وسائل التكنولوجيا لكن هناك امور علمية لا يمكن التلاعب فيها».
روسية المنشأ والاسم روسي
العام الماضي زارتنا «أولغا»، هذه السنة «ألكسا» فمن يكون الضيف التالي؟ وعلى أي أساس أو وفق أي معيار طقسي تطلق التسميات على العواصف؟
مبدئياً هناك ما يعرف بالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية وتضم 191 بلداً وهي ترعى شؤون كل الأرصاد الجوية. عظيم. لكن ماذا عن تسميات العواصف؟ يجيب المهندس وهيبه: «هناك لوائح لتسمية الأعاصير الكبيرة التي تجتاح الدول المحيطة بالمحيطات الكبرى مثل اليابان وفلوريدا والولايات المتحدة… وهي تؤدي إلى حصول اضرار جسيمة في الأرواح والمباني والمؤسسات والطرقات خصوصاً ان سرعة الرياح تتخطى الـ 200 كيلومتر في الساعة في كثير من المرات. اما التسميات فهي ليست عشوائية إنما تخضع لمقياس اللوائح الموضوعة سلفاً من قبل المنظمة ويتم تعديلها ووضع لائحة بأسماء جديدة مرة كل 6 سنوات. وعند حصول الإعصار تتم تسميته بحسب ترتيبه الوارد على اللائحة وهكذا دواليك. أما بالنسبة إلى العواصف فالتسمية تكون محلية.
نسأل عن مطلق إسم ألكسا وأولغا على العواصف التي ضربت لبنان؟
«أعتقد أن التسميات كانت محلية وقد تكون تيمناً بمصدر البلد الذي تأتي منه العاصفة. وألكسا كما هو معروف إسم روسي المنشأ لأن العاصفة آتية ببساطة من روسيا. فصلًوا الا تصلنا يوماً موجة من الصين او اليابان سواء كانت صيفية او في عز كانون!
في اختصار ألكسا خيبت ظن اللبنانيين أو على الأقل من انتظروا الثلج على علو 400 متر، أما أهالي الشمال والبقاع فنعموا بمشهد البساط الأبيض. وحدهم النازحون السوريون القاطنون في الخيم لم يتلذذوا بالبساط الأبيض الذي نال من عظامهم بسبب الصقيع والمياه التي غمرت اغلب الخيم المنتشرة في مناطق البقاع.
حسابات البواحير
نعود إلى الأحوال الجوية وتحديداً حكايات ستي عن البواحير. نعم لا تتفاجأوا. فللبواحير ايضاً حساباتها التي لا تخطىء في اغلبية الأحيان.
شتوية الـ 2014 ستكون الأقسى على العالم بحيث لم يشهد سكان الكرة الأرضية مثيلاً لها منذ مئة عام. ولبنان جزء من هذ الكرة وسيناله حتماً «طرطوشة». الخبر طبعاً غير صادر عن تقرير علمي أو مرصد جوي. إنما عن خبراء الأرصاد الجوية في روسيا. ولعلمكم فإن توقعات الأرصاد الجوية لا تحدد معلومات طقسية لأكثر من اسبوع. ومن يقول عكس ذلك أقفلوا الخط في وجهه لأنه يدًعي العلم.
وبحسب تقديرات خبراء الطقس الروس، لن تتأثر القارة العجوز بموجات البرد والصقيع فحسب، بل ان منطقة غرب آسيا (ومن بين هذه المناطق لبنان، سوريا وفلسطين) ستتعرض لعواصف ثلجية كثيفة مع احتمال الدخول في فصل شتاء مبكر هذه السنة. نعود إلى الوراء قليلاً. لنكتشف إن الشتوية جاءت في موعدها. هذه اول نقطة تسجل ضد مصلحة الأرصاد الروسية. صحيح أنها امطرت ليومين في شهر تشرين الثاني وبغزارة، لكنها كانت تحصل في العادة. حتى ان الشتاء كان يبدأ منذ اليوم الأول من شهر تشرين الثاني (نوفمبر).
نكمل جردة الحساب على قاعدة الأرصاد الجوية الروسية. أمطرت في كانون الأول (ديسمبر)؟ إنه فصل الشتاء ببساطة. عاصفة ثلجية في منتصف الشهر. ايضاً حدث عادي باستثناء موجات البرد والصقيع. غير ان مدير عام مركز البحوث العلمية الزراعية ميشال افرام، وفي أكثر من تصريح له، وضع هذه «التوقعات» في خانة «الكلام الذي لا يمكن تأكيده أو نفيه، ذلك ان احدا لا يمكنه ان يعرف حال الطقس الا لاسبوع واحد كحد اقصى». ثابتة علمية يدحضها القرويون والمزارعون الذين يؤكدون أنهم قادرون على استنباط الأحوال الجوية للسنة المقبلة في خلال أيام. كيف؟
تبدأ عملية رصد البواحير بحسب أهالي القرى اللبنانية في 14 أيلول (سبتمبر)، اي ليلة عيد الصليب، وتستمرّ لغاية 26 منه، وهي ما يطلق عليه اسم «البواحير». وقد يلجأ البعض الى وضع كمية من الملح في الخارج، ويتفقدها عند الفجر. فاذا كان الملح رطباً فهذا يعني ان الشهر المعني سيكون ممطراً، والعكس صحيح.
في فترة «البواحير» أو «القمائم»، كما يسميها أيضاً اهالي القرى الجنوبية نادراً ما تغمض عيون المزارعين. كل ساعة تشير الى يوم من الشهر. من هنا تراهم يحددون احوال الطقس يوماً بيوم وليس فقط على مستوى الأشهر. أما العوامل التي يستعينون بها لتحديد «هوية» الطقس، فهي نسبة الرطوبة، والحرارة وحركة الغيوم، اضافة الى اتجاه الرياح وسرعتها.
توقعات المزارعين
توقعات المزارعين الذين يتكلون على البواحير تتوافق وتوقعات الأرصاد الجوية الروسية. فماذا في تفاصيلها؟
تشير معلومات اهالي القرى والمزارعين تحديداً الى أن فصل الشتاء سيكون ممطراً وقاسياً! وفي المقابل، سيشهد الربيع أمطاراً وتحديداً في شهر ايار (مايو)، قد تستمر حتى فصل الصيف. لكن الإنذار المخيف الذي شعر به المزارعون اثناء عملية مراقبة البواحير تمثل بالحرارة المرتفعة في شهر آذار (مارس) 2014 . الى ماذا يؤشر ذلك؟ «قد يكون مؤشراً لحدوث هزة أرضية!». نسكت. نأخذ نفساً عميقاً ونسلم بتوقعات البواحير. لكن يستحسن العودة إلى حسابات العلم والأرصاد الجوية.
خط المدير العام لمصلحة الابحاث العلمية الزراعية ميشال افرام عادت اليه الحرارة. نسأل عن الأزمة المناخية المستجدة على الكرة الأرضية ويجيب: «السبب يعود الى ظاهرة الإنحباس الحراري الناجمة عن تراكم غازات كثيرة ومتنوعة في الغلاف الجوي، خصوصاً غاز ثاني أوكسيد الكربون، مما يتسبب في حفظ حرارة الأرض ضمن الغلاف الجوي، وبالتالي ارتفاع درجات الحرارة على كوكب الأرض. ويربط افرام بين هذه الظاهرة ونشوء خلل مناخي في شتى أرجاء الكرة الأرضية، وذلك من خلال عواصف قوية وأعاصير وجفاف ورياح قوية وفيضانات. بمعنى آخر، تضخم العوامل المناخية. وخلافاً لما كان قدره العلماء فان درجات الحرارة ارتفعت ما بين 2،6 و3،5 درجات مئوية حتى الآن، علماً بأنه كان مقدراً ان ترتفع ما بين درجة ودرجتين. أما الآن، فيتوقع الخبراء ان ترتفع درجات الحرارة الى 6 درجات مئوية في حلول العام 2025.
تقلبات مناخية سريعة وتصحر
لكن هل تقتصر التأثيرات السلبية على ارتفاع درجات الحرارة؟
يجيب أفرام: هناك ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي وجبال الألب والهملايا والروكي وغيرها، بنسبة 35 في المئة خلال العقود الثلاثة المنصرمة. كما أنه يتوقع أن ترتفع مياه البحار والمحيطات ما بين 60 و80 سنتمتراً خلال 15 أو 20 سنة المقبلة.
نصل الى تأثير هذه التغيرات المناخية على لبنان، ويقول أفرام: في لبنان، شهدنا تراجعاً في نسبة الامطار، وارتفاعاً في درجات الحرارة، وتقلبات مناخية سريعة من طقس صيفي الى بارد ومثلج وبالعكس، امطار غزيرة في فترة زمنية قصيرة، فروقات حرارية كبيرة بين النهار والليل نحو 15 درجة. بمعنى آخر، ان مناخ لبنان يتحول الى شبه جاف أو شبه صحراوي. ويحتمل ان تحمل السنوات المقبلة نقصاً يلامس الخمسين في المئة في كمية المتساقطات، الأمر الذي سيؤثر سلباً على المياه الجوفية والينابيع والأمطار والزراعة وفي زيادة التلوث وتغيير الخريطة النباتية والحيوانية مع امكانية انقراض أصناف لا تتحمل الجفاف. وبطبيعة الحال، سيتأثر الانسان مباشرة، بكل ما سبق ذكره.
الإجراءات المطلوبة لمواجهة الإستحقاقات الطقسية المستجدة يختصرها افرام بالآتي: اولاً من ضمن سياسة البحث الجديدة للمصلحة، يجب الارتكاز الى مشاريع مقاومة الجفاف وحسن ادارة المياه والحد من التلوث وكيفية الاستفادة القصوى من مياه الأمطار، إضافة الى اعتماد زراعات جديدة تتحمل الجفاف ولا تتطلب مياهاً كثيرة، لأن المستقبل يحمل نقصاً حاداً في المياه في جميع الميادين: زراعة وصناعة وحرف وسياحة، ما يتطلب عملاً سريعاً لمواجهة هذا الخطر المحدق بنا والذي سيؤثر سلباً على نمط حياتنا وعلى اقتصادنا، ولا سيما على الزراعة التي تضاعفت كلفة انتاج الأصناف المتنوعة منها بسبب لجوء المزارع الى ري المزروعات اثناء انحباس المطر وتأثر الأصناف المعروفة بالتحولات المناخية الجديدة.
اكتفيتم؟ نحن لا. فالكلام عن التغيير المناخي قد لا يتوقف لأن تداعياته لا تقتصر على مرحلة زمنية قصيرة. والمطلوب المزيد من الوعي والإتكال على مصادر رجال العلم فقط…
عواصف اقوى وحرارة اشد
نعود إلى المهندس مارك وهيبه بعدما أقفلنا ملف الكسا في انتظار «ماريا» أو «راشيل» أو من يدري قد تكون العاصفة هذه المرة صحراوية، فلنبدأ في التفكير بإسم عربي المنشأ.
بداية لا يسلم المهندس وهيبه بمقولة أن الفصول الأربعة لم تعد موجودة في لبنان. ويسأل: «ما المقصود بالفصول؟ إذا كانت مسألة تواريخ فلكل فصل تاريخ يبدأ باليوم الفلاني وينتهي في اليوم الفلاني. إذاً لا شيء تغير. عدا عن ذلك لا معيار محدداً للفصول».
ننتقل إلى مسألة التغيير المناخي وانعكاسه تحديداً على منطقتنا. ويجيب: «التغيير سيكون جزئياً بمعنى أن العواصف ستصير أقوى والحرارة اكثر اشتداداً وليس في لبنان وحسب إنما على مساحات كبيرة من المنطقة كما يتوقع أن يرتفع منسوب المياه في المحيطات لكن ليس أكثر من عشرات السنتيمترات لأن المياه تتمدد عند ارتفاع درجات الحرارة مما يزيد من احتمال حصول ذوبان الثلوج. ومن التغييرات التي ستطرأ ازدياد عدد الأيام التي سنشهد فيها ارتفاعاً في درجات الحرارة لا سيما في فصل الصيف كما سيتقلص عدد الأيام الباردة بسبب الإحتباس الحراري».
لكن لحظة هذا التغيير الجذري وهذه التحولات لن نشهدها ابتداء من هذه السنة أو السنة المقبلة. فالمهندس وهيبه يؤكد أن التغيير المناخي مرجح حصوله في مدة تراوح بين السنة والـ 80 سنة المقبلة يعني في العام 2100.
في الإنتظار من نصدق، ولمن نقول توقعاتكم أو حساباتكم المناخية خاطئة؟
العلم وحده يقرر حسابات التغيرات المناخية. والتوقعات الصحيحة لا تكون لأكثر من أسبوع. وكل من يحسب لأكثر من هذه المدة فهو حتماً يفتش عن مادة للدعاية أو للتهويل على الناس كما حصل مع العاصفة ألكسا.
جومانا نصر