رئيسيسياسة عربية

سيل النازحين السوريين يعادل تدفق 75 مليوناً الى اميركا!

اظهرت مداخلة قدمتها مسؤولة في وزارة الخارجية الاميركية في ندوة في احد مراكز الابحاث في واشنطن، ان الادارة الاميركية متخوفة من مآل ازمة النازحين السوريين، ومما ستكون عليه مع اشتداد المعارك وتراجع بوادر اي انفراج سياسي. واهم ما يؤشر الى المخاوف الاميركية، ادراك واشنطن ان «تدفق اللاجئين إلى لبنان الصغير، يعادل تدفق 75 مليون إنسان – أو ضعفي عدد سكان كندا – الى الولايات المتحدة الاميركية».

 كان مركز ويلسون للأبحاث في واشنطن مساحة لمناقشات تناولت مسألة النزوح السوري الى لبنان، حضت فيها الإدارة الأميركية المجتمع الدولي «على التفكير بشكل خلاق واستباقي حول كيفية العمل سوية مع لبنان لتوفير هذا المزيج المعقد من المساعدات بطريقة مستدامة».

الموقف الاميركي
وقالت مساعدة وزير الخارجية لشؤون السكان واللاجئين والهجرة آن ريتشارد: «ليست هناك الآن أية قرية أو مدينة واحدة في لبنان لم تتأثر بوجود اللاجئين السوريين». وأشارت إلى أن تدفق اللاجئين إلى لبنان الصغير، يعادل تدفق 75 مليون إنسان – أو ضعفي عدد سكان كندا – إلى الولايات المتحدة. ولفتت إلى أن لبنان أبقى حدوده مفتوحة أمام جميع الفارين من النزاع في سوريا. وتابعت: “إن التزام لبنان الثابت المبدأ الإنساني الدولي للحماية يحتذى كمثال للمنطقة». لكنها لاحظت أن لبنان «دفع ثمناً باهظاً نتيجة لكرمه».
وأفادت دراسة حديثة أجراها البنك الدولي أن 170 ألف لبناني إضافي دُفعوا إلى براثن الفقر منذ بداية الأزمة السورية. مع ذلك، كما قالت ريتشارد، فتحت الحكومة اللبنانية مستشفياتها ومستوصفاتها أمام اللاجئين السوريين، وسمحت لأطفال اللاجئين بالالتحاق بمدارسها المكتظة أصلاً بالطلاب.
واوضحت ريت
شارد ان البنية التحتية للبنان بدأت ترزح تحت الوطأة الثقيلة لهذا العبء. لهذا السبب قدمنا مساعدات تزيد قيمتها على 254 مليون دولار إلى مختلف المنظمات في لبنان لتقديم الغذاء، والمأوى، والرعاية الطبية، والمياه النظيفة، ودعم التعليم، وتقديم الاستشارات النفسية، والملابس الدافئة، والبطانيات، وليس للاجئين المحتاجين فحسب، إنما أيضاً إلى المجتمعات الأهلية اللبنانية المضيفة للاجئين».
ورأت ان «هذه المعونة ساعدت على تزويد تحسينات أساسية لعائلات لبنانية استقبلت السوريين في منازلها، وتحتاج دعماً لترميم مطابخها وحماماتها وغرف الجلوس والنوم لاستيعاب ضيوفها».
وذكرت أن التمويل الأميركي يؤمّن شراء الكتب واللوازم المدرسية، وتدريب المعلمين، ونشاطات ما بعد المدرسة، ومعدات جديدة لملاعب المدارس للاجئين والأطفال اللبنانيين على حد سواء.
أضافت: «إننا نموّل أيضاً مشاريع لتحسين إمدادات المياه والصرف الصحي في المجتمعات المحلية، كي يتسنى لجميع اللبنانيين واللاجئين على حد سواء إمكان الوصول إلى المياه النظيفة والعيش في بيئة صحية». وأشارت إلى أن «نظام الأسد الوحشي قتل أكثر من 100 ألف إنسان، وأجبر 2،2 مليون سوري على النزوح إلى خارج البلاد».
ولفتت الى أن «معظم اللاجئين يتمنون من كل قلبهم أن يعودوا يوماً ما إلى منازلهم في سوريا. لكن النزاع آخذ في التوسع، محطماً آمال معظم اللاجئين بالعودة إلى ديارهم والعيش بسلام. وهذا يعني أنه ينبغي على المجتمع الدولي إيجاد السبل لمساعدة الشعب السوري والمجتمعات المضيفة الكريمة، في الوقت الذي يتواصل العمل الشاق بالسعي إلى حل سياسي سلمي للأزمة».

تعاون غير مسبوق
وأشادت بـ «التعاون غير المسبوق» بين الوكالات الإنسانية والاقتصادية والإنمائية التي تعمل الآن في لبنان، وأثنت على المساعدات المالية والجهود الدبلوماسية التي تقدمها الكويت وغيرها من الحكومات في كل أنحاء العالم. لكنها رأت أنه لا يزال هناك المزيد من العمل الذي يتعيّن القيام به.
واشارت إلى أنه «ينبغي علينا أن نأخذ في الاعتبار احتياجات التنمية على المدى الطويل في لبنان بالترافق مع الاستجابة لاحتياجات الإغاثة في حالات الطوارىء، لأننا لا نستطيع فقط تجنب وقوع كارثة إنسانية مرتبطة بتدفق السوريين، إنما نساعد أيضاً على تجنب توريط لبنان في دوامة من عدم الاستقرار، التي قد تنجم عن الانهيار الاقتصادي والاضطرابات الاجتماعية نتيجة تدفق اللاجئين إليه».
وأشادت بـ «الجهود الرائدة» التي قامت بها الحكومة اللبنانية مع البنك الدولي والأمم المتحدة لتقويم الاحتياجات ووضع «خريطة الطريق» للتدخلات من أجل توجيه استجابة المجتمع الدولي.
ولفتت المسؤولة الاميركية إلى أنه في 25 أيلول (سبتمبر) خلال اجتماع مجموعة الدعم الدولي للبنان في نيويورك، أكد وزير الخارجية الأميركية جون كيري التزام الولايات المتحدة دعم لبنان عبر هذه الأزمة من خلال الإعلان عن تقديم مساعدات إضافية قدرها 30 مليون دولار.

 1،3 مليون لاجىء
في الندوة نفسها، عرض، ادوارد غابرييل، السفير الاميركي السابق لدى المغرب ونائب رئيس مجموعة الضغط الاميركية من اجل لبنان The American Task Force for Lebanon، سلسلة من الإحصاءات عن اللاجئين السوريين في لبنان، مشيراً الى انه قبل عام واحد كان عددهم 70،000 مسجلين لدى المفوضية ويقيمون في لبنان. لكن اعتباراً من نهاية تشرين الاول (اكتوبر) 2013، تم تسجيل 700،000 من السوريين. وفي مقابل 4 ملايين لبناني هناك 1،3 مليون لاجىء سوري يقيمون في لبنان. وأش
ار الى أن هذه الزيادة السريعة في نسبة اللاجئين تشكل عبئاً خطراً على الاقتصاد اللبناني، وستزيد حكماً الدين العام.
وقدّم السفير في الولايات المتحدة الاميركية انطوان شديد ما أسماه «صرخة مؤلمة نيابة عن لبنان». فأشار الى ان 30% من سكان لبنان هم من اللاجئين السوريين، واللبنانيون قلقون من ان تدفق اللاجئين سيسبب «أزمة وجودية». وقال ان لبنان لن يغلق حدوده أمام الفارين من العنف في سوريا، لكن هذا اللجوء والزيادة السكانية المفاجئة اثّرا في كل قطاعات الدولة: من الاقتصاد الى التجارة والمالية العامة والصحة والتعليم والسلامة وسوق العمل والبنية التحتية وحركة المرور وإدارة النفايات. واشار الى ان تدفق اللاجئين يشكل أيضاً خطراً على التوازن الاجتماعي الداخلي. وطلب من الدول القادرة، تقاسم الأعباء المالية لمواجهة أزمة اللاجئين السوريين.

لبنان المضياف!
وقالت ممثلة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نينيت كيلي: إن الحكومة اللبنانية والمواطنين العاديين كانوا مضيافين. وأوت العائلات اللبنانية الأسر السورية في منازلها عندما كان ذلك ممكناً. وأشارت الى ان لبنان ليس حتى في حجم ميريلاند، ومع ذلك تسجل الوكالة تدفق 11 ألفاً الى 15 الف نازح سوري اسبوعياً.
وولاية موري لانج أو ميريلاند هي إحدى ولايات الولايات المتحدة الأميركية، التي تقع عند الساحل الشرقي، عاصمتها أنابوليس. تتألف من 23 مقاطعة، واكبر مدنها بالتيمور. تقع على مساحة 32 الف كيلومتر مربع، وعدد سكانها 5،600،388.
واوضحت كيلي انه من الصعب استيعاب هذا التدفق الكبير، وغالباً ما يعيش اللاجئون في المباني المهجورة، بلا جدران أو حمامات، وفي خيام غير مكتملة، وفي الكاراجات والحظائر والمخيمات في مناطق الفيضانات. وحاولت المفوضية تحسين هذه الخيم والمباني المهجورة وعزل الخيام وإنشاء المرافق الصحية ونقل المخيمات إلى مناطق آمنة.
واكدت أن الحكومة اللبنانية تواجه قضايا استيعاب اللاجئين السوريين من حيث العلاج الطبي والمياه والتعليم. على سبيل المثال ، يمكن لنظام التعليم اللبناني ان يستوعب 100،000 من اصل 300،000 طفل لاجىء سوري. وأشارت الى أن لبنان يرحب باللاجئين السوريين، على الا تكون اقامتهم مستدامة بسبب هذه الضغوط الاقتصادية والبنية التحتية غير المتوافرة.

 القلمون
ويترقب المراقبون السياسيون ازدياد هاجس النزوح السوري، مع توقع موجة جديدة وكبيرة في غضون الأسابيع والأشهر المقبلة، في ضوء مؤشرات متزايدة الى عثرات وعقبات تعوق انطلاق «جنيف – 2» الذي يتأرجح بين التأجيل والإلغاء.
ومع انحسار التوقع باقتراب نهاية الأزمة السورية، ينتظر المراقبون جولات عنف أشد وأقسى من قبل، لأن أعنف المعارك هي التي تكون الأقرب الى النهايات والتسويات وتكون معارك تحسين الشروط والمواقع التفاوضية.
وينتظر لبنان الجولة المقبلة من القتال، المتوقع ان تتركز في المناطق السورية القريبة من الحدود، خصوصاً مع الحديث عن تحضيرات معركة القلمون. وسيؤدي اشتداد المعارك في المناطق الممتدة من درعا الى ريف دمشق، ومن القلمون الى حمص، والتي يقطن فيها 60% من سكان سوريا، الى موجة نزوح كبيرة الى لبنان الذي كان وصل هذا العام الى درجة متقدمة من الضغوط والأعباء الناجمة عن النزوح السوري العشوائي لم يعد معها قادراً على التحمل، بعدما استنفدت طاقته الاستيعابية وتجاوزت الأزمة قدراته وإمكاناته، وبدأت تنتج آثاراً وتداعيات سلبية على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة الى المستوى الديموغرافي، مع تعديل واضح في الخريطة السكانية، مما ادى الى الإخلال بالتوازنات الدقيقة الطائفية والديموغرافية.
ونُقل عن احد السياسيين خشية من المعركة في سوريا على رغم المعوقات الديبلوماسية والطبيعية، لأن ذلك سيعني أن على لبنان التحسب لاحتمال دخول آلاف المسلحين السوريين عبر الجبال والوديان والسهول. هؤلاء سيكونون قادرين على التحرك والقيام بعمليات عسكرية في لبنان وانطلاقاً منه.
ويلفت السياسي إلى أن الجيش اللبناني يسيّر بعض الدوريات على الحدود، إلا أنها لا تكفي لضبط الحركة بين البلدين. لذلك كله توصف معركة القلمون الافتراضية بأنها خطيرة ولن تكون سهلة أبداً. وتداعياتها على لبنان مخيفة.

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق