رئيسي

المديونية الاميركية: ازمة سياسية بجذور اقتصادية

هل انتهت ازمة المديونية الاميركية فعلاً؟ ام انها خضعت لحلول مؤقتة؟ او ما يسميها بعض المحللين نوعاً من الحلول «التخديرية»؟ سؤال يصر على طرحه بعض المتابعين لتفاصيل المشهد المأساوي الذي عاشته الولايات المتحدة، والذي ادى الى اغلاق مؤسسات رسمية، وابلاغ ملايين الموظفين بأن عليهم التخلي عن مواقعهم الوظيفية لاسباب مالية، وفي ضوء رفض الكونغرس اقرار الموازنة بمضامينها المطروحة، والتي تقوم على فكرة رفع سقف المديونية.

مع ان الاجابة لا تخلو من قدر كبير من التشاؤم، الا ان المتابعين لذلك المشهد يرون ان الازمة حلت مرحلياً، لكنهم يخشون تجددها في اية لحظة. وان «صفقة» رفع سقف المديونية ما هو الا حل مؤقت يفضي الى ترحيل الازمة الى موعد لاحق، بحكم انها ازمة سياسية اكثر من كونها اقتصادية. السبب في ذلك ان الحجم الحقيقي لمديونية اكبر الاقتصادات العالمية يفوق ما هو معلن بأضعاف، وان اسباب تلك المديونية لا تزال قائمة حتى اللحظة.
ويحتكم هؤلاء المتابعون الى لغة الارقام التي تؤكد ان المديونية المعلنة للولايات المتحدة هي 6، 17 تريليون دولار. بينما المديونية الحقيقية تصل الى اقل من 87 تريليون دولار بقليل.  وبحسب تقارير مؤكدة فإن حجم المديونية الحقيقية للولايات المتحدة يصل الى 86،8 تريليون دولار، وتشكل ما نسبته 550% من الناتج القومي الأميركي. وبحسب التقارير عينها التي تعلن عنها الادارة الاميركية وتتعمد اخفاء مضامينها فإن كل أميركي يعيش في الولايات المتحدة تصل حصته من المديونية الى حوالي 215 الف دولار. بينما تصل مديونية الضمان الاجتماعي الى حوالي 20،5 تريليون دولار، ما يعني ان الازمة لا يمكن ان تحل باتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين كما هو معلن. وانما باجراءات وسياسات متعددة وتمتد الى جميع المجالات.

عوامل سياسية
الخبير في الشأن الأميركي الدكتور كامل وزنة قال في تصريحات صحافية ان اصول المديونية عوامل سياسية، مشيراً الى انها تراكمت نتيجة الإدمان على الحروب خصوصاً مع بداية حرب النجوم التي قادها الرئيس رونالد ريغان. ويضيف انه في ذلك الوقت لم تتجاوز المديونية التريليون الواحد، ومع نهاية عهده تخطت الـ 3 تريليون دولار. وأضاف وزنة، انه مع بداية عهد الرئيس جورج بوش الإبن خاضت اميركا الحروب في افغانستان والعراق، وارتفعت المديونية الى حوالي 5،7 تريليون دولار، ووصلت مع نهاية عهده الى 10،3 تريليون.
أما في عهد أوباما – بحسب شهادة وزنة – فقد ورث في العام 2008 أكبر أزمة مالية إضافة إلى الحروب التي تابعها بشكل مباشر أو غير مباشر عبر حروب التجسس والطائرات بدون طيار، وكان حجم المديونية التي راكمها خلال أعوامه الخمسة ما يقارب 7 تريليون دولار مشيراً إلى أن «حجم المديونية المعلن بلغ 16،7 تريليون دولار. وان الولايات المتحدة ستحتاج الى 7 تريليون دولار لتمويل عجز الموازنات للأعوام المقبلة».
ولفت وزنة إلى أنه يجب على أميركا أن توقف انفاقها على العسكرة، وأن ترشد انفاقها، وتقوم بتوزيع أكثر عدالة للضرائب بين الأثرياء والفقراء، وان تتغير الاولويات بحيث يكون الاهتمام بالبطالة اكثر من الاهتمام بالمدمرات والسفن الحربية وحاملات الطائرات.
الى ذلك يعتقد محللون سياسيون واقتصاديون ان المواجهة حول الدين في الولايات المتحدة ادت إلى زعزعة الثقة في إدارة واشنطن المالية وفي الدولار كعملة عالمية موثوقة. لكن المحللين في آسيا يؤكدون ألا بديل عن العملة الخضراء. وانتقدت الصين واليابان أكبر مالكي سندات الخزينة الأميركية التعطيل السياسي في البرلمان وحذرتا من أن التخلف عن السداد الذي تمّ تجنّبه في اللحظة الأخيرة كان سيزعزع الاقتصاد العالمي ويهدّد استثماراتهما الكبيرة في الدين الأميركي وقيمتها 2،4 تريليون دولار.
وبينما توصل النوّاب الأميركيون إلى اتفاق مؤقت لرفع سقف الدين يجمع المتابعون على ان المواجهة السياسية القائمة نسفت مصداقية العملة الخضراء كعملة احتياط عالمية موثوقة. وسط تأكيدات بأن العملة الاميركية بدأت اشكالاتها بسبب عمليات طبع متكرّرة في إشارة إلى خطة الاحتياطي الأميركي (البنك المركزي) لشراء سندات بقيمة  85 مليون دولار شهرياً. وتلميحات بانه إذا لم تكن واشنطن قادرة على تحمل تلك الاعباء، فسيبادر آخرون إلى ملء الفراغ، في اشارة واضحة الى الصين. وفي هذا الصدد كرر بعض الصحف اشارات بأن «السلطات الصينية تتوق إلى أن تقوم عملتها بدور أكبر في سوق أسهم الاحتياط العالمية». ودعت وكالة شينخوا الرسمية الصينية إلى ما اسمته «عالم غير متأمرك» فيما انتقدت غلوبال تايمز المتحدّثة باسم الحكومة عدم القدرة على الاعتماد على الولايات المتحدة محذّرة من أن وضع البلاد كقوة عظمى بات مهدداً. وقالت غلوبال تايمز في مقالة رئيسية لها، أن الصين «تملك قدرة هائلة على الدخول في منافسة مع العم سام نظراً إلى أن هذا الحجم الهائل من الدين الوطني المتحقق على الولايات المتحدة لصالحها يعني مستوى معيناً من التأثير». وفي الوقت نفسه اتخذت الصين مبادرات لتعزيز مكانة عملتها «اليوان» في التبادلات التجارية، لكن الاشكالية التي تواجهها ان هذه العملة لا يمكن تحويلها بحرية إلى العملات الرئيسية الأخرى ما يُعرقل أي تحدٍ للدولار.

توقيع اوباما
وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما وقع مشروع قانون أقره الكونغرس الأميركي ينهي الإغلاق الجزئي لإدارات حكومية ويجنب الولايات المتحدة العجز عن سداد ديونها. وأعلن مكتب الميزانية بالبيت الأبيض أن الموظفين الحكوميين، الذين أجبروا على إجازة بدون مرتب قبل حوالي أسبوعين، عادوا الى استئناف العمل. ومُرر الاتفاق، الذي توصل إليه أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في مجلس الشيوخ سريعاً بتأييد 81 عضواً مقابل اعتراض 18 آخرين، معظمهم من الجمهوريين. وكانت معارضة الجمهوريين أشد في مجلس النواب الذي أقر الاتفاق بتأييد 285 مقابل رفض 144 آخرين. وجاء تمرير مشروع القانون قبل ساعات من الموعد النهائي لرفع سقف الدين عن المستوى الحالي البالغ 16،7 تريليون دولار، وإلا تواجه واشنطن خطر التخلف عن سداد الديون.
ويمدد الاتفاق سقف الاستدانة الفيدرالي إلى 7 شباط (فبراير) المقبل، وكذلك تمويل المؤسسات الحكومية إلى 15 كانون الثاني (يناير). كما ينص على تشكيل لجنة من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب لصياغة اتفاق طويل الأمد بخصوص الميزانية الأميركية. لكن الاتفاق يعطي حلاً مؤقتاً ولا يحل قضايا الميزانية التي كانت محل الخلاف. وعقب تصويت مجلس الشيوخ، قال الرئيس الأميركي في البيت الأبيض إنه لا يزال هناك الكثير من العمل أمامنا، بما في ذلك استعادة ثقة الشعب الأميركي.

واشنطن – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق