رئيسي

تجارة الموت على اعتاب اوروبا

الموت لا يوقف  تدفق امواج المهاجرين غير الشرعيين، عبر شواطىء جنوب ايطاليا… وبينما يتصاعد عدد الذين يموتون، غرقاً، واعياءً، و… تستمر المراكب الصغيرة، تقل التعساء والباحثين عن حياة افضل، ولو كانوا من حملة الشهادات العليا، مروراً بسواحل ايطاليا الجنوبية، عبوراً الى الشمال، من الافضل اذا كانت دول سكاندينافيا، الموتى ضحايا البحر، يعدون احياناً بالمئات. وتجار الموت لا يتوقفون عن استغلال التعاسة واليأس.

 يوم الاثنين 14 تشرين الاول (اكتوبر)، وصل منهم 600 رفعوا عدد الذين دخلو ا اوروبا بهذه الطريقة، الى 35 الفاً منذ بداية السنة، مات منهم حوالي 500، وصلوا على متن مراكب، لا تستحق ان تنقل راكباً واحداً. ايطاليا، واجهة المسرح المأساوي قررت مواجهة مأساة الذين يموتون على شواطئها، باعلان حالة طوارىء في انتظار ان يقرر الاتحاد الاوروبي المساعدة والتدخل فرفعت حجم قواتها على الساحل المواجه لافريقيا الشمالية ثلاثة اضعاف، وجهزتها بوسائل متطورة: طائرات من دون طيار، موجهة عن بعد، طوافات بعيدة المدى. تحمل انظمة تعمل بالاشعة دون الحمراء… في «مهمات عسكرية وانسانية»، لوقف  تجارة الموت، التي تستغلها جماعات بلا ضمير، يكدس افرادها اليأس على متن مراكب صغيرة، تغرق، قبل ان تصل الى الشاطىء احياناً.
وفي بداية الاسبوع، صادر الجهاز الامني الايطالي الجديد، سفينة «اما»، كانت تكدس اليائسين على متن مراكب مطاطية، تنقلهم الى الشاطىء الذي لا يصلون اليه احياناً. واعتقلت 18 منهم، ووجهت تهمة القتل الى قبطان المركب الذي تسبب بكارثة ايلول (سبتمبر)، ودعت اوروبا الى المؤازرة وتعديل كيان المكتب الاوروبي لمحاربة الهجرة غير القانونية، ومقره في بولونيا، ورئيسه فنلندي، فلا يتحسس بشؤون العالم الذي في الجنوب. فالهجرة عبر المتوسط، غير التي تهتم بها اوروبا الشمالية، حيث ان الضغط في الجنوب ينصب على ايطاليا، واحياناً اسبانيا، وضبطاً لامبيدوزا او صقلية، وعلى مالطا، مع العلم ان جزيرة لامبيدوزا مساحتها 20 كلم مربع، ويسكنها 5000 شخص، ولماذا لامبيدوزا؟؟ لانها تقع في منتصف  الطريق بين سواحل تونس؟ (113 كلم). ولماذا صقلية، لانها لا تبعد عن تونس اكثر من 205 كلم؟ «يغزوهما» المهاجرون غير الشرعيين، بواسطة من يتاجر بهم، ليلاً نهاراً، يموت بعضهم احياناً بالمئات، وبلغ عدد الموتى خلال الاسبوعين الماضيين: 401، والجدول غير نهائي، لان البحث يستمر عن 150 مفقوداً.

شكوى مالطا
واشتكت مالطا، عبر رئيس حكومتها الذي ذهب الى ليبيا يبحث عن المساعدة، مع رئيس حكومتها علي زيدان، الخارج من الخطف. وكان المركب الذي تسبب بموت 365 شخصاً، انطلق من مرفأ زواره، في ليبيا، اكثرية الذين حملهم فلسطينيون وسوريون، بين 300 و400، ولم تتمكن شرطة لامبيدوزا من انقاذ اكثر من 200، وقال 117 من الذين استجوبتهم الشرطة، انهم سوريون و27 جاءوا من فلسطين، وواحد من لبنان، وآخر من تونس.  قبطان السفينة التي اقلتهم، قال انه يمارس هذا العمل منذ عشر سنوات.
واشار مكتب الهجرات الدولية، الى ان حوالي 20 الف  شخص ماتوا خلال سعيهم الوصول الى شواطىء اوروبا، في العشرين سنة الاخيرة، واذا كانت طرقات الهجرة غير الشرعية، الى الاتحاد الاوروبي كثيرة، من المغرب الى اسبانيا، ومن اوروبا الوسطى الى البلقان، ومن ليبيا وتونس الى ايطاليا فان طريق لامبيدوزا، هي الاكثر سلوكاً، لان موقعها يجعل منها «بوابة اوروبا»، لاكثرية المهاجرين غير الشرعيين الاتين من سواحل افريقيا، والذين ازداد عددهم، في اطراد منذ فتح الحدود الليبية، وكان عددهم 8000 في السنة، قبل عشر سنوات، فاصبح اكثر من 35000، منذ بداية 2013. اكثريتهم من دول  القرن الافريقي انضم اليهم، منذ الربيع العربي المشرقي، سوريون ومصريون،  ولبنانيون، عبر الاراضي الليبية دفعوا بين 1000 و3000 دولار، للشخص، الى «تجار الموت» الذين يتولون حشدهم في عبارات لعبور طرقات بحرية، ليست سالمة دائماً، ثمن حياة يأملون ان تكون افضل، بعد ان يكونوا دفعوا كلفة الوصول الى سواحل ليبيا او تونس، من بلادهم. واللافت ان عدد الاطفال الذين «يشحنهم» اهلهم، على مراكب الموت يتزايد. ففي العام 2012، غرقت قرب مرفأ ازمير عبارة محملة بمهاجرين من الشرق الادنى، فمات 61 بينهم 31 طفلاً، من ركابها المهاجرين غير الشرعيين. وفي آخر مآسي لامبيدوزا، وضعت ام سورية، مولودها على متن احدى هذه المركبات بمساعدة 6 اطباء سوريين كذلك، ولكن زوجاً آخر سورياً كذلك، روى ان ابنه الذي كان عمره 3 سنوات، غرق مع امه، من دون ان يستطيع مساعدتهما.

 مهاجرون سوريون
وفي الاسبوع الماضي، وصل مع المهاجرين الكبار، الى مرفأ ردجيو كالامبريا، الايطالي 80 طفلاً، سورياً، عمرهم بين الثانية والثانية عشرة، مع 102 رجل و45 امرأة. وكانت حملتهم سفينة الى 150 متراً من الشاطىء، تعرف  باسم «العبارة الام»، ووضعتهم على متن مراكب مطاطية توصلهم الى الشاطىء، موتى او احياء.
والحلم هو الا يبقى البحر الابيض المتوسط، «بحر الموت»، ضحية تجار الموت، عبر محاربتهم في عقر دارهم، ومنعهم من استغلال تعاسة الناس، واغرائهم بحلم الوصول الى ارض ميعاد جديدة في دول اوروبية، او اوستراليا، كما حصل مع اللبنانيين وسائر الذين ماتوا غرقاً، في مأساة اندونيسيا.
رئيس حكومة فنلندا، بيرك كاتاينن، يشدد على اهمية مراقبة الحدود، فيقول: «نحن في فنلندا، لدينا 1200 كلم من الحدود، مع روسيا، ونعرف اهمية مراقبة الحدود». ويقول ان «على اوروبا، مراقبة حدودها، وفتح حوار مع الدول التي تأتي موجات الهجرة غير الشرعية منها، ومكافحة تجارها، لتفادي المآسي».
ردود الفعل في اوروبا الغربية على موجة الهجرات غير الشرعية، كانت موجة من التطرف  القومي، ادت مثلاً، الى دعم حزب اقصى اليمين، في فرنسا، الذي تتزعمه مارين لوبن، وفوزه بآخر انتخابات بلدية، جرت يوم الاحد الماضي، في مدينة برينيول، ولم يكن دعم الاشتراكيين لحزب الوسط اليميني كافياً، لوقف  هذا الزحف، باسم وقف الهجرة.
والخوف  من ان تكتسح هذه الحركة القومية، الساحة السياسية الفرنسية، جاء من عملية استقصاء رأي، اعطت الاكثرية لحزب  مارين لوبن، المنادي بوقف الهجرة الى فرنسا، في انتخابات البرلمان الاوروبي المقبلة.
واللافت في موجة الهجرة السورية، غير الشرعية التي وصلت الى الضفة الاوروبية من البحر الابيض المتوسط، هو ان السوريين، لا يطلبون اللجوء الى دولة مثل ايطاليا، سعياً الى بلوغ دول اوروبية اخرى، خصوصاً في الشمال السكاندينافي حيث سبقهم اقارب واصدقاء، والشرط الاساسي لعدم تسجيل مهاجرين في اول بلد اوروبي، تطأه اقدامهم، هو بصمات الاصابع، على سجلات الشرطة، بعد ان يرموا هوياتهم في البحر.

روسيا ايضاً
وفي الجانب الآخر من اوروبا، تواجه روسيا فلاديمير بوتين، مشكلة لاجئين، توجتها نفحة من الروح القومية  عسكتها حوادث مفاجئة. في حي «بيرليوفو الغربي» في جنوب موسكو، دمّر خلالها القوميون المحتجون على هجرة الاجانب، احد المحلات التجارية الكبرى، وكانت الحجة، ملاحقة مهاجر من القوقاز اشتبه بانه قتل شاباً روسياً، في الاسبوع الماضي.
شرطة التدخل، التي كانت تسارع الى التصدي، بنجاح الى تظاهرات المعارضين للحكم، برعت هذه المرة، في تلكؤها في بداية الاحداث، فلم تقمعها بداية، ولوحظ ان تلفزيون القناة «دوشه» نقل بالبث المباشر، الحوادث التي ادت الى اعتقال 300 شخص.
وكانت الاحداث بدأت بمقتل شاب روسي، وهو عائد الى منزله، بر فقة صديقة، افادت ان القاتل كان يتحدث بلهجة قوقازية او من آسيا الوسطى.
وتعتبر اكثرية الروس، ان البلاد تعيش موجة متزايدة من الهجرة. وتميل اكثرية 84 في المئة، الى اعتماد نظام صارم، لمواجهة هذه الهجرة من دول آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، التي كانت في الماضي، جزءاً من الاتحاد السو فياتي.
وفي استفتاء اجراه مركز «ليفادا»، ان اكثرية الروس، لا يميزون بين غرباء آتين من آسيا الوسطى ومن دول في القوقاز، والمواطنين الروس، في شمال القوقاز وينظر الكثيرون من ابناء موسكو، الى هؤلاء الاجانب، كيد عاملة منافسة، يسهّل تشغيلهم موظفون روس حكوميون فاسدون، ورجال اعمال جشعون، يسعون وراء اجراء رخيصي الاجر، على حساب الروس، المطالبين بأجور اعلى، فيعتبر الروس، هؤلاء الاجانب، اداة شغب، محتملة، تغذي فساد رجال الشرطة والامن.
وتدخلت الشرطة في احياء اخرى، من موسكو، يحتشد فيها المهاجرون، لمواجهة الاضطرابات التي امتدت اليها.
وفي سوق دوروغوميلوفو المركزي، القت شرطة مكافحة الشغب، القبض على ركاب سيارتي اوتوبيس، لانهم من الغرباء، وافاد بائع خضار من طاجكيستان، انه اضطر الى الهرب مع رفاقه، من السوق، خوفاً من القاء القبض عليهم.
وعمد متظاهرو يوم الاحد 13 تشرين الاول (اكتوبر)، بقيادة قوميين روس، الى الاعتداء على احد المحلات التجارية الكبرى، فدمروا محتوياته. وفي السوق  المركزية، رموا فاكهة وخضار الباعة، في الشوارع، واحرقوا عدداً من السيارات، واصطدموا بشرطة مكافحة الشغب، التي تدخلت متأخرة، فسقط 21 جريحاً، من مختلف الانتماءات، بينهم 6 من رجال الشرطة، واطلقت السلطات سراح اكثرية الـ 380 شخصاً، الذين القي القبض عليهم بتهمة المشاركة في الشغب، واحيل 70 منهم على القضاء، الذي غرّم 5 منهم بثلاثة آلاف روبل، اي اقل من 100 دولار.

التعامل مع المتظاهرين
ولفت الناشط والصحافي، نيقولاي زفانيتشه، الى الاختلاف في تعامل الشرطة مع المتظاهرين القوميين، مع تصرفهم تجاه الناشطين الاجتماعيين والمعارضين الذين اشتركوا في سنة  2012، في تظاهرات ضد الرئيس بوتين، واحالتهم على المحاكمة بتهمة «اثارة الشغب جماعياً».
ورأت سفتلانا جيانو شكينا، مديرة حركة «المساعدة المواطنية»، غير الحكومية التي تهتم بشؤون المهاجرين، «على نقيض احداث سنة 2010، ان جماعات من الناس العاديين شاركوا في التظاهرات القومية التوجه، لانهم اعتبروا ان مشاكلهم اليومية، تأتي من المهاجرين.
واعتبرت ان الحملة الانتخابية لتسمية رئيس بلدية موسكو، ساهمت في الاسابيع الاخيرة، في «انماء هذا الشعور» العنصري.
ولكن نائب رئيس بلدية موسكو، لشؤون الامن، الكساندر غوربتكو، اتهم القوميين، باحداث الاضطرابات، واشار الى ان اقارب الشاب القتيل يعارضون الدعوة الى التمييز العنصري.
وتبين ان المتهم بجريمة القتل في موسكو،  بعدما اعتقلته الشرطة هو اذربيجاني الاصل.
ولكن الذي حصل يعكس مستوى التوتر الذي يسود العلاقات بين الروس وسائر الثقافات التي تشكل الاتحاد الروسي، ولم تمنع التدابير التي اعتمدتها السلطات في مناسبة عيد الاضحى، تسللاً على موقع مجلس الافتاء في روسيا، ورسم خنزير في المناسبة.
وتقول الاحصاءات ان عدد الغرباء الذين توافدوا على روسيا (142 مليون نسمة عدد سكانها)، بلغ 1،5 مليون في سنة 2012، وحصل مليون منهم على اجازة عمل، وتأتي اكثرية المهاجرين الى روسيا من دول  جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. وجرى طرد 13500 شخص من روسيا خلال الاشهر الماضية من السنة.

جوزف  صفير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق