أبرز الأخبارسياسة عربية

دمشق: «الكيماوي» يصدع ائتلاف المعارضة ويعلق الضربة

يجمع المحللون على ان الملف السوري يتوقف الان عند منعطف على درجة عالية من الخطورة، ويجمعون على ان الملف بكل تفاصيله يخضع الى عملية مراجعة اجبارية فرضتها تطورات كثيرة ومثيرة، ابرزها تداعيات ملف الكيماوي، التي فرضت احساساً عاماً لدى المعارضة بتراجع دعمها الى مراتب متدنية.

مع ان حقيقة الامر – بحسب معلومات استخبارية وتحليلات عسكرية وسياسية – تشير الى ان الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة لم تسقط اياً من الخيارات اللازمة لحسم الملف بما في ذلك خيار القوة، الا ان فعاليات المعارضة ترى ان النتيجة المباشرة لتطورات الاتفاق الروسي – الاميركي حول «الكيماوي» ارجأت مسألة الحسم العسكري التي ساد اعتقاد بأنها كانت وشيكة. وان المسألة – ككل – تراجعت عن قرار باستخدام القوة الى جعل  «القوة» واحداً من خيارات يمكن اللجوء اليها، في الوقت الذي يمكن ان يكون مناسباً في المستقبل. وتضيف ان معطيات قائمة تدفع نحو الاعتقاد بأن اللجوء الى ذلك الخيار تراجع ضمن سلم الخيارات.
المعارضة من جهتها، تتوقف عند معلومات بعضها تحليلي، والبعض الآخر استخباري، اضافة الى ممارسات مشهودة ومعطيات قائمة في الوصول الى تلك النتيجة. ويبدو ان جل تلك المعلومات تشير الى ان المعارضة اصبحت هشة، وانها على وشك التصدع. وت
رد ذلك الى الموقف الدولي الذي بات غير متماسك في ما يخص دعم قوى المعارضة.
ويبدو ان الائتلاف المعارض اجرى تمريناً مباشراً لمعرفة واقع المعارضة وثقلها داخلياً وخارجياً قبل ان يلوذ بالصمت ويسلم بكم من الحقائق التي من ابرزها تعديل مسار النضال. وهو المشروع الذي لم يعد مستبعداً، رغم ما بدا على الائتلاف من تصدع، وما ظهرت على جسمه واطاره العام من انقسامات اسست لحالة من الضعف، قد لا يستطيع «جنيف – 2» رتق ثقوبها.

 جولات الجربا
من ذلك قيام رئيسه بزيارات الى كل من الاردن، وتركيا، وقيامه ايضاً بجولات داخلية، انتهت الى حالة من الاحباط، في ضوء ما سمعه من اجوبة على كم التساؤلات التي طرحها. وفي ضوء احساسه بتراجع الاهتمام بمسألة الحسم العسكري، لصالح الحل السياسي الذي اصبح المشروع الاساس المطروح في كل الدول، بما في ذلك تلك التي ابدت حماسة لخيار القوة في مراحل سابقة.
على سبيل المثال لم تستمر زيارة «احمد الجربا» رئيس الائتلاف الى العاصمة الاردنية سوى ساعات، اعرب في نهايتها عن خيبة امله في تغيير الموقف الرسمي الاردني في اتجاه الحل السياسي بدلاً من العسكري.
الجربا، وجد انه لا بد من التسليم بذلك التحول، وبالتالي القبول بالحل السياسي، والمشاركة في مؤتمر «جنيف – 2». لكنه اصطدم بباقي اطياف المعارضة، ومنها المجلس الوطني الذي قرر باغلبيته ان مشروع الحل السياسي يتقاطع مع ثوابت المجلس، ومع نظامه الاساسي الذي ينص صراحة على استخدام القوة  في تغيير النظام، والذي لا يقر بالعمل السياسي اساساً للحل. وبحسب ما ذهبت اليه قيادات التنظيم فإن المسار السياسي يعني الاعتراف بنظام الحكم، والاقرار بالمشاركة معه في ادارة شؤون الدولة، رافضاً ان يكون بالامكان تعديل النظام والاقرار في ذلك الحق بهذه المرحلة. لكنها تتوقف عند اعتراف ضمني بأن العالم انحاز الى النظام عندما اقر بتدمير الاسلحة الكيماوية، وتشارك مع الرئيس بشار ونظامه وجيشه في هذا المجال. وتعتقد ان العالم على وشك تصنيف النظام ضمن اطار البطولة عندما سلم بعملية تدمير ذلك السلاح وقدم كل تسهيلات ممكنه لفرق التفتيش.
وتحاول تلك القيادات غض النظر عن العامل المصلحي الذي يركز عليه بعض التحليلات، ومنها فرضية المصلحة الاميركية التي تقوم على تدمير السلاح الكيماوي والتخلص منه، وبالتالي ازالة الخطر عن المصالح الاميركية الناجم عن وجود هذا النوع من السلاح في ايدي الجيش النظامي السوري.
وبصورة اكثر تفصيلاً، تراجعت اهمية «جنيف – 2»، وتراجعت احتمالات نجاحه في الوصول الى صيغ من شأنها ان تعيد الاهتمام الدولي بملف سوريا، وبدعم المعارضة الى ما كان عليه. ورغم تأكيدات المعارضة ان الازمة السورية لا تقتصر على تطورات المو
ضوع الكيماوي، وانما تمتد الى قضية شعب يرغب بالتحرر، وباقامة نظام ديمقراطي، الا ان الامور تسير في اتجاهات تستخف بتلك الرؤية، لكنها لا تتجاهلها. وتعيد ترتيب الاولويات بما يؤدي الى تراجع عملية الدعم الى مراتب متأخرة، واقتصاره على مجالات سياسية اكثر من كونها مجالات دعم تسليحي ومادي مباشر.

تصدع المعارضة
يبدو ان تباشير التصدع في نظام المعارضة بدت واضحة، وتكشفت من خلال اعلان المجلس الوطني المعارض عدم المشاركة في مؤتمر «جنيف – 2»، والبدء بكيل الاتهامات للقائمين عليه. في حين ابدت الادارة الاميركية رغبتها في ممارسة الاقناع للمعارضة من اجل المشاركة في المؤتمر، وحثتها على التوحد ضمن اطار واحد، ووفد مشترك، ورؤية مشتركة في المؤتمر.
فقد أعلن المجلس الوطني السوري المعارض رفضه المشاركة في مؤتمر «جنيف – 2» في ظل المواقف السياسية الإقليمية والدولية التي قال عنها انها «صمتت عن معاناة الشعب السوري والمجازر الوحشية التي يرتكبها النظام وحلفاؤه الطائفيون».
وقالت مصادر متابعة: إن المجلس الوطني قرر الانسحاب من الائتلاف الوطني السوري ككتلة في حال قرر الائتلاف الذهاب الى «جنيف – 2». وأكدت المصادر أن «جنيف – 2» يعارض أهداف الثورة السورية وثوابتها التي نصت عليها وثائق المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والمحددات السياسية الصادرة عن مؤسساتهما. ونقلت المصادر، أن المجلس الوطني قرر عدم الذهاب الى اجتماع قرطبة مطلع الشهر المقبل، وهو الاجتماع الذي تنظمه وزارة الخارجية الاسبانية ضمن سلسلة من اللقاءات بين أطياف المعارضة السورية.
وعبّر المجلس  الوطني عن أسفه لعدم تمكين الشعب السوري من الدفاع عن نفسه وعدم الوفاء بوعود تسليحه ودعمه، واختزال القضية الوطنية السورية، قضية الحرية والكرامة، بمسألة نزع السلاح الكيميائي.
وبالتزامن، عقدت الأمانة العامة للمجلس الوطني السوري اجتماعها الدوري في مدينة اسطنبول والذي  خصص لبحث الأوضاع التي تشهدها سوريا على جميع الصعد الميدانية والإغاثية والسياسية.  وأجرت الأمانة اتصالات مع عدد من المسؤولين الإقليميين والدوليين حول المجازر التي قالت ان قوات طائفية عراقية ولبنانية وإيرانية ارتكبتها في  مناطق سورية عدة خصوصاً في الذيابية والحسينية في ريف دمشق. وأكدت أن فتح الأراضي السورية أمام قوى وصفتها بانها «متطرفة إجرامية يستقدمها النظام من الخارج، يضيف جريمة جديدة إلى سجله الإجرامي الحافل، ترقى إلى مرتبة الخيانة والتفريط بالسيادة الوطنية».
هنا تبرز صعوبة ذلك المطلب، بحكم تداعيات كثيرة ومتعددة الجوانب والتفاصيل، ابرزها قراءات المشهد من زاوية التطورات الداخلية والخارجية، والتي تشير الى تغير في النظرة العامة للملف، والى معطيات داخلية تسلم برجحان كفة النظام مرحلياً، والاقرار دولياً بمشاركته في قيادة المرحلة المستقبلية. وفي الوقت نفسه صعوبة التلاقي داخلياً على توافقات شكلية للمشاركة، ومضامين عميقة لجملة الاهداف والمطالب التي لا بد من السعي لتحقيقها. وطبقاً لمخرجات الحوارات والاستطلاعات الداخلية ثمة فجوة كبيرة في الرؤية، تصل الى حد تحريم التواصل مع النظام او التنسيق معه. وفي مسار آخر تكفير من يفكر بأية حلول لا تقوم على مشروع «السيف»، واقامة شرع الله من خلال الدولة الاسلامية.

«الاسبوع العربي» التي تابعت تفاصيل هذا الملف خلصت الى كم من المعلومات التي تم تداولها على نطاق ضيق بحكم انها معلومات استخبارية، يعتقد انها كانت سبباً في تغير حاد في الرؤية لمشروع الحسم السوري، وكونت صورة – قد تكون قاتمة – عن المشهد المستقبلي لهذا الملف.

محطات وقرارات
كيف؟ وماذا؟
محطات كثيرة، يتوقف عندها المتابعون لتطورات الملف السوري. وقراءات عديدة لتفاصيل المشهد باطاره العام، وصولاً الى نتائج متقاطعة يراها البعض غير مريحة، بينما يعتقد البعض الاخر منطقية تلك النتائج في ضوء حقيقة ما يجري على الارض من احداث.وبينما تتعدد القراءات، وتقترب النتائج من بعضها البعض وصولاً الى ما يقترب من حالة التوحد، يتوقف المتابعون عند مؤشرات تصدع في صفوف الائتلاف المعارض الذي اصبح المظلة الرئيسية للمعارضة، والذي تطورت ادواته لتصبح مقاومة للنظام، ووعاء سياسياً يخطط لمستقبل البلاد، ولكن من منظوره هو، وبمعزل عن نظام الرئيس بشار الاسد، الذي لا يزال يمسك بقبضته على الكثير من مفاصل الدولة، وعلى الجزء الاكبر من اراضي الدولة. ومع ان هذه الحقيقة ليست جديدة، يرى المتابعون ان الجديد يتمثل بتطورات الموقف الدولي من مفاصل الازمة. فالمعارضة كانت تتصرف من بوابة القناعة بان المجتمع الدولي سيقف الى جانبها، ويقدم لها الدعم لطرد النظام والتخلص منه، ولتمكينها من اقامة الدولة من جديد على انقاضه. بينما تسير الامور في اتجاه الحل السياسي، الذي لا يرضي المعارضة، والذي يصفه بعض اطيافها بانها تراجع دولي عن وعود قطعت، وعن مطالب قدمت. وبين هذا وذاك يعتقد البعض ان ما يجري يمكن وصفه بانه انحياز للنظام، حتى وان جاء على شكل تمديد للازمة، وتأجيل لاستحقاق يراه قادة معارضون واقعاً لا محالة، ويراه النظام ضرباً من الخيال.
من هنا، وبغض النظر عن طبيعة وتفاصيل القراءات المغلوطة وغيرها، بدا العالم وكأنه يتعاطى مع الازمة بقدر من الازدواجية. وبدت القراءات متقاطعة بعض الشيء، وفي المحصلة هناك اوراق مخلوطة تساعد في تقديم نتائج قد لا تكون واقعية ولا منطقية، امتداداً لتطور مهم قد لا تستطيع المعارضة تلمسه، ويتمثل بتغير خريطة المواقف الدولية تحت تأثير ازمة الكيماوي، وما تبع ذلك من تداعيات امتدت الى الموضوع الايراني.
وبلغة اخرى من لغات الاشارة، بدا واضحاً ان تفكير المعارضة توقف عند حدود الضربة التي كانت شبه جاهزة، والتي اعلن عنها الرئيس الاميركي باراك اوباما كرد تأديبي للنظام على السلاح الكيماوي الذي تم استخدامه في الغوطة، لتأتي القراءات اللاحقة مقتصرة على استنكار ما يوصف بانه «التراجع» الاميركي والدولي عن توجيه تلك الضربة التي ساد اعتقاد بانها ستؤدي الى شل النظام، والى تمكين المعارضة من تسلم زمام الامور وصولاً الى اقامة نظام ديمقراطي جديد على انقاضه.
بينما القراءات الواقعية تشخص القضية بصورة مختلفة، وبتفاصيل لا علاقة لها بذلك المنطق الذي حاولت اطياف المعارضة التعاطي معه كطرح وحيد.
فالقراءات الواقعية تشير الى الملف الكيماوي كعنصر ازمة كبرى بالنسبة اليها، وترى ان موافقة النظام على التخلص من السلاح الكيماوي بمثل تلك السرعة يعني ان «الضربة» حققت نتائجها قبل ان تبدأ. وبالتالي فإن الاصرار على توجيهها سيرفع من تعقيدات الموقف وصولاً الى تأسيس ازمة جديدة لا يعرف احد نهاياتها، والى تقاطعات مع ثوابت سياسية اميركية مضمونها ان مصالح واشنطن تتقدم على اية مصالح اخرى.
وبصورة اخرى – كما يشير بعض القراءات – فإن الاصرار على الضربة في ضوء ذلك يفسر بانه رغبة في «قتل الناطور» بدلاً من «الحصول على العنب»، طبقاً للمقولة الشعبية التي تشير الى هذا المضمون.

تطورات الساحة
وفي المحصلة، تتوقف القراءات عند تطورات عديدة، حدثت على الساحة السورية، وتركت اثراً تراه المعارضة سلبياً عليها، وتفسره بانه في صالح النظام. وعند مؤشرات من السهل تلمس مفاصلها التي تشير الى ان الائتلاف اصبح مهدداً بالتصدع.
ومع ان البعض يحاول قراءة المشهد من بعض نهاياته، خصوصاً اعلان المجلس الوطني المعارض مقاطعة مؤتمر جنيف، يتوقف البعض الاخر عند كم من التفاصيل غير المعلنة، وصولاً الى قراءات يعتقد انه لا يمكن التعاطي معها من زاوية مشجعة.
فكل القراءات تشير الى ان وضع المعارضة لم يعد مريحاً، بينما يبالغ المجلس الوطني الذي يشكل احد اهم اركان الائتلاف المعارض في تعظيم نظرية المؤامرة ويرى ان مجمل المعطيات تصب في خانة التنبؤ بان العالم قد تخلى عنه، أو انه على وشك التخلي عن جميع التنظيمات التي تنضوي تحت مظلة الائتلاف بشكل جماعي او فردي.
وبينما يسود اعتقاد بأن المعارضة تبالغ في نظرتها التشاؤمية تلك، وتعتقد ان من واجب العالم تلبية مطالبها طبقاً لرؤيتها هي، هناك من يتهمها بانها تحاول الغاء اية وجهة نظر اخرى تتقاطع مع اندفاعتها باتجاه الحصول على الدعم المطلق. وبالتالي فإنها تتجاهل معطيات كثيرة على الارض ابرزها تعدد المرجعيات التي تنتمي اليها المعارضة المسلحة، وبما يمكن ان يؤسس لسلسلة ازمات منتظرة، وتقاطع الفكرة الايديولوجية والمشروع السياسي لتلك التنظيمات وبما يؤسس لمواجهات داخلية بينها.
 


تنظيم موحد
من ذلك بعض التنظيمات المتطرفة التي تشير معلومات مؤكدة الى انها بدأت تبحث في مسألة توحيد نفسها وصولاً الى تأسيس تنظيم موحد ينضوي تحته اكثر من اربعين تنظيماً فرعياً، تتبع كلها الى تنظيمات متطرفة، وتسعى الى اقامة «الجيش الإسلامي الموحد» بزعامة الشيخ زهران علوش. وهو المشروع الذي – ان صحت المعلومات عنه – يعني ان حركة جديدة اشبه بحركة طالبان، او تنظيم القاعدة اصبحت في طور التأسيس الفعلي على الارض السورية، وبما يمكن ان يشكل صعوبات للتنظيمات السورية التي تتفق في ما بينها على ازاحة النظام واقامة الدولة الديمقراطية، وليس اقامة الامارة الاسلامية على انقاض دول عدة في المنطقة.
واشارت معلومات استخبارية جرى تسريبها قبل ايام قليلة الى ان العديد من التنظيمات الاسلامية المشاركة في المواجهات الدائرة في سوريا، بدأت باتخاذ اجراءات عملية لاقامة تنظيم يسمى «جيش الإسلام»، وذلك ضمن مشروع يهدف الى «اسلمة» الصراع ضد النظام السوري. والعمل على كسب تنظيمات متطرفة للكيان الجديد. وبحسب تلك المعلومات بدأت 43 منظمة قتالية عاملة في سوريا اجراءات التوحد في ما بينها من اجل اقامة تنظيم «الجيش الاسلامي» بزعامة الشيخ زهران علوش. وبحسب المعلومات اكدت سبع منظمات انضمامها الى الاطار الجديد. وبحسب معلومات مسربة فإن الهدف الآني والفوري هو انشاء جيش اسلامي يحمل – بداية – اسم «جيش محمد» هدفه الرئيس توحيد القوات المقاتلة تحت إطار قيادي واحد من أجل تنسيق الجهد القتالي ومن أجل إدارة
المنظومة البشرية ووسائل القتال والعتاد. واضافة الى الجوانب التكتيكية تشير المعلومات المتسربة الى ان الخطوة تهدف الى بناء قوة عسكرية رئيسية توطئة لمرحلة تشكيل سوريا الجديدة بعد إسقاط نظام الأسد. وتحاول تلك القوة الاستفادة من المواقع التي تسيطر عليها تنظيماتها، وبعض التنظيمات المعارضة الاخرى حيث تشير تقاريرها الى انها تسيطر حالياً على أجزاء واسعة من سوريا، وانها اصبحت تحتل مواقع تهدد العاصمة السورية، والجيب العلوي في غرب الدولة.

 توحيد الارض
وتستند الحركة الاسلامية الجديدة الموحدة الى تقديرات مفادها ان توحيد المقاتلين، يضاف اليه مشروع توحيد الارض «المحررة»، وتوحيد المرجعيات، يعني ان نظام الاسد اقترب من نهاياته، وسواء حدث تدخل عسكري غربي ام لم يحدث. وتعتمد الفرضية على ان القاعدة الرئيسية لسلطة التيار الاسلامي ستمتد الى مناطق واسعة من سوريا، وعلى الأخص في الشمال في حلب، وفي الشرق منطقة دير الزور، وفي الجنوب منطقة درعا. بينما يعكف بعض المرجعيات على وضع تصو
ر كامل وشامل لصياغة برنامج فكري للصراع. هذه المعلومات التي حصلت عليها «الاسبوع العربي» من مرجعيات متابعة، تؤشر الى بعض عناصر الازمة الداخلية في المعارضة من جهة، والى مبررات اعادة الولايات المتحدة والغرب النظر في مشروع التدخل العسكري، لجهة الخوف من ان يسهم هذا التدخل في دعم هذا التجمع المتطرف. بدلاً من دعم التيار العقلاني الذي يتمثل بالجيش الحر.
وبالتزامن، اعلنت الح
ركات الإسلامية المحسوبة على القاعدة وعلى رأسها جبهة النصرة وأحرار الإسلام والتي تشكل قوة عسكرية مستقلة وقوية عدم قبولها بالقيادة السورية التي تعيش في الخارج، وكشفت انها تعمل الآن على تطبيق الشريعة الإسلامية بنسختها المتطرفة في المناطق المحررة. واعلنت جبهة النصرة عن إقامة الدولة الإسلامية في المناطق التي تخضع لسيطرتها. وقررت تشكيل محكمة شرعية وبدأت بتطبيق الشريعة الإسلامية. واطلقت في الوقت نفسه مشروعاً اجتماعياً – اقتصادياً يتمثل بمساعدة السكان في التغلب على ظروفهم المعيشية من خلال تقديم المؤن وتصليح شبكات الكهرباء التي انهارت، واستخدام قوة من الشرطة المحلية للحفاظ على النظام العام. وطبقت مناهج تعليم خاصة للأطفال والشباب، ونظمت حملات من العلاقات العامة وغيرها.
وادى النشاط المستقل لجبهة النصرة إلى صراعات خطيرة بينها وبين المنظمات الكردية التي تخشى من الإسلام المتطرف وتطالب بالحفاظ على استقلاليتها وحكمها الذاتي في شمال سوريا، ما ادى إلى مقتل عشرات من الجانبين.
واعلنت قوة أخرى في معسكر المعارضة محسوبة على الإخوان المسلمين في سوريا العودة رسمياً قبل أشهر عدة إلى الداخل بعد أكثر من ثلاثة عقود من العيش في الخارج في محاولة لتولي دور ريادي ومحوري في مرحلة ما بعد الأسد.
من هنا يمكن القول ان جيش الإسلام يحاول أن يتبوأ مواقع ريادية ويعزز قوة الزعامة المحلية، وليس الزعامة الخارجية كممثل وحيد للشعب السوري لدى المجتمع الدولي. وتعتبر قيادة جيش الإسلام جميع المنظمات المقاتلة بما في ذلك المحسوبة على تنظيم القاعدة رفيقة في الجهاد وهي لا ترفض أي حلف محتمل معها. وبالتالي التنسيق معها في بلورة برنامج فكري سياسي يرسم رؤيتها لمستقبل سوريا، وضمن اطار يجمع بين قطب الإخوان المسلمين الذي يحاول تطبيق الشريعة تدريجياً وقطب جبهة النصرة التي تطبق وتفرض الآن مبادىء الشريعة الإسلامية.

انسحاب حزب الله
وفي الشق الاخر من المعادلة المعلوماتية التي تفسر بقدر من عدم الاطمئنان للمستقبل، تلك المعلومة التي تتردد بشأن بدء انسحاب قوات حزب الله من الارض السورية. فالمعلومة تشير الى ان حزب الله اطلق عملية سرية لسحب قواته من سوريا، ما يعني كماً من التفسيرات التي تؤشر على ان الحزب ومن قبله ايران باتا مطمئنين على وضع ومستقبل النظام. ففي عملية سرية بدأت يوم السبت 28 أيلول (سبتمبر) الفائت أقدم حزب الله على سحب قواته بعدما قام بتقسيمها إلى وحدات صغيرة. وتشير معلومات استخبارية ايضاً انه تم سحب 1500 مقاتل من بين 3500 مقاتل تواجدوا هناك في شهر ايلول (سبتمبر) الفائت. وتشير التقديرات تبعاً لذلك الى أنه في نهاية تشرين الاول (أكتوبر) وبداية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) لن تبقى في سوريا قوات تابعة لحزب الله.

وبحسب مصادر استخبارية تقرأ المعارضة هذه الخطوة من زوايا عدة، ومن دلالات بالغة الاهمية. ومنها:
– انها الإشارة الوحيدة الخارجية التي تشير إلى وجود علاقة وطيدة بين الاتفاق الأميركي – الروسي في ما يتعلق بتفكيك السلاح الكيماوي السوري والبرنامج النووي الإيراني. فالقراءة تعني ان التقدم في المفاوضات مع إيران يعني تقدماً أيضاً في سوريا.
– ان مكانة الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه وجيشه تعززت إلى حد كبير إلى حد انتفاء الحاجة إلى دعم عسكري من حزب الله إلى داخل سوريا.
– ان حزب الله يحافظ بقدر كبيرعلى سرية تشكيلة قواته العملياتية والطريقة التي يعمل بها، ويمتنع بالتالي عن بقاء قواته تحت نظر طلائع المفتشين التابعين للوكالة الدولية لتفكيك السلاح الكيماوي التي وصلت والتي يتوالى وصولها في الأيام والأسابيع المقبلة، وبالتالي فإن حزب الله يمتنع عن الكشف عن قواته تحت بصر القوات الدولية.
– ان مقاتلي حزب الله يعودون  إلى لبنان بعد أن اكتسبوا تجربة قتالية في استخدام وحدات عسكرية كبيرة في ظروف الحرب تحت قيادة إيرانية وسورية مشتركة. وسيعمل الحزب على تهيئة الساحة اللبنانية لقبول التسويات التي تحققت بين الولايات المتحدة وروسيا وإيران بالنسبة الى سوريا.

احمد الحسبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق