أبرز الأخبارعالم عربي

مصر: الازمة تدخل مرحلة الحسم الدموي وفض الاعتصامات

بعيداً عن كل التحليلات التي اعتقدت ان الحسم في مسألة الاعتصامات الاخوانية مؤجل الى حين، وضمن اطار اجراءات مبرمجة، ومرحلية، بدا واضحاً ان مسألة الحسم دخلت مرحلة التنفيذ الفعلي. وكما كان متوقعاً، فقد كان الحسم دموياً، حيث ادت عملية فض اعتصامي القاهرة الى سقوط اعداد من القتلى، لم يكن ممكناً حصرهم في بدايات الاعتصام.

الحكومة المؤقتة كانت حازمة في تلك المسألة، وبررت اجراءاتها بأن الاعتصامين اسهما في تعطيل الحياة العامة في العاصمة المصرية. واضافت ان خطط الاخوان تقوم على فكرة اطالة امد المواجهة، الامر الذي اعتبرته مبرراً لنزع فتيل الازمة وايصالها الى نقطة النهاية مبكراً.
فقد اشار بعض التقارير الى مقتل ما يزيد عن عشرين شخصاً من بين المعتصمين وسط اتهامات للجيش بإستخدام الرصاص لدى تدخل قوات الامن لفض اعتصامي انصار الرئيس الاسلامي المعزول محمد مرسي في القاهرة.
وبحسب تقارير متعددة المصادر، باشرت الشرطة فض اعتصامي مرسي باستخدام قنابل الدخان وطلقات الخرطوش. كما استخدمت الشرطة آليات ومجنزرات لاقتحام الحواجز التي أقامها المعتصمون في وقت سابق لمنع محاولات الاقتحام. في حين اكدت مصادر امنية ان ما حدث يشكل بداية لفض الاعتصام. وانه لا يشكل العملية كلها. في اشارات الى احتمال حدوث مواجهات بين الطرفين، وامتدادها الى خارج الساحات.
وقد القت قوات الامن القبض على عدد كبير من المعتصمين، وصادرت اسلحة. وكانت المواجهات قد بدأت بين الطرفين قبل ذلك، حيث قتل  شخص واصيب عشرة متظاهرين على الاقل بجروح في حي الجيزة، وفق المصدر نفسه. واستخدم الطرفان طلقات الخرطوش والحجارة في المواجهات التي وقعت في شارع فيصل بالجيزة. ميدانياً، تواصلت المواجهات في ساحتي الاعتصام، وتبادل الطرفان الاتهامات في رفع اعداد القتلى. وقالت مصادر حكومية ان المعتصمين اطلقوا النار على افراد الشرطة، وعلى بعضهم البعض بهدف الترويج لتهمة استخدام الرصاص الحي والخرطوش. وبحسب تحليلات للمشهد الدامي، هناك مؤشرات على نزول متظاهرين الى الشارع، حيث دعت جماعة الاخوان الى مليونيات في المدن احتجاجاً على ممارسات الشرطة، وتأكيداً على ان الاعتصام حق مشروع للمواطنين. غير ان الحكومة ترى في ذلك نوعاً من التحدي للاجراءات، وتمرر معلومات عن نشر الجيش والشرطة في الشوارع لضبط الاوضاع.
ولم يستبعد متابعون لجوء الحكومة الى فرض قانون الطوارىء فيما اذا تواصلت عمليات التصعيد الاخواني.
وكانت «لعبة شد الحبل» قد تواصلت على مدى الايام الفائتة، حيث بدأ المعتصمون بتجهيز البنية التحتية اللازمة لاعتصام طويل الامد، ولمواجهات تصل الى حد كسر العظم. بينما مررت الحكومة معلومة عن خطة طويلة الامد، وعن مشروع لخنق الاعتصام قبل فضه. فكيف كان الوضع قبل فض الاعتصامين؟
هل بدأت الخيارات تتبلور في اتجاه اقتحام مواقع الاعتصام وفضها بالقوة؟ وفي المقابل، ما هي خيارات الطرف الاخر؟ وهل سيسلم بالواقع، ويرفع «الراية البيضاء»؟ ام ان لديه بدائل اخرى؟ وما هي تلك البدائل إن وجدت؟
اسئلة عديدة باتت تفرض نفسها بقوة على الساحة السياسية المحلية والاقليمية والدولية، في ضوء معطيات متقاطعة، واجراءات ليست بمعزل عن التصعيد احياناً، والتهدئة احياناً اخرى. وتقارير تتحدث عن تطورات محلية واقليمية ودولية بعضها غائم، والبعض الاخر قاطعاً في اتجاهات متناقضة.
 الصورة بإطارها العام، تؤشر على رغبة متبادلة في تجاوز الازمة سلمياً بحكم ارتفاع ثمنها، ولكن دون تقديم تنازلات تذكر. وبحيث تقتصر تلك التنازلات على نواح يعتبرها الفريق المضاد شكلية، بينما يراها هو نفسه انها جوهرية، وانها تمثل اقصى ما يمكن تقديمه. ذلك ان الخيارات المطلوبة تمس جوهر عملية التغيير.
بصورة اكثر وضوحاً، الحكومة ترى ان على مرسي وانصاره التنازل عن الحكم والتسليم بالاجراءات التي تمت، مقابل «التنازل عن محاكمة رموز تلك الحقبة». اما انصار مرسي فيصرون على ان تتراجع الحكومة المؤقتة، والمؤسسة العسكرية عن «ثورتها» وتعيد تسليم الحكم لمرسي وجماعته، لكنها تزيد على ذلك بالتأكيد على محاكمة من ارتكبوا ما تسميه «الجريمة»، واتهامهم بأنهم السبب في تعطيل العملية الديمقراطية.
اذاً، المطالب متقاطعة، وتمثل الحد الاعلى الذي ينسف مشروع الطرف الاخر، الامر الذي يرفع من منسوب التعقيدات ضمن ذلك الملف، ويفرغ مشروع المصالحة من مضمونه.
اما محاولات المصالحة، فليست بعيدة عن هذا الاطار، بحكم تعنت المواقف بين الطرفين الرئيسيين، مع زيادة ترفع منسوب الصعوبة حيث الطرف الرئيس في الحديث عن المصالحة هو الازهر، والذي يتهمه انصار مرسي بانه طرف في الانقلاب، وانه منحاز الى جانب الجيش والحكومة المؤقتة، وترفض وساطته.

 

 


الثقل العسكري
في تلك الاثناء بدا واضحاً ان كل طرف من طرفي الازمة يرمي بكل ثقله في المواجهة. فالحكومة المؤقتة تستند الى الثقل العسكري في فرض الامر الواقع. وترى انه لا بد من حسم الخلاف بشتى الوسائل المتاحة مهما كلف ذلك من ثمن، لكنها تعطي الاولوية للحل السياسي وترى ان عامل القوة يمكن ان يكون الخيار الاخير.
في المقابل تواصل المجموعة الاخرى المناصرة لمرسي، والتي ترى انها تمثل الشرعية، استعداداتها، وتعمل على تأمين جميع المستلزمات التي تمكنها من الصمود اطول فترة ممكنة. كما تواصل تجهيز نفسها بالمعدات اللازمة للمواجهة.
في هذا السياق، أكد رئيس الوزراء المصري حازم الببلاوي أن الحكومة المصرية تريد اعطاء فرصة للمعتصمين في ميداني رابعة والنهضة وخصوصاً العقلاء منهم للتصالح والانصات الى صوت العقل، موضحاً أن الأمور تكاد تقترب من اللحظات التي «اتمنى الا نصل اليها». وشدد الببلاوي في حوار مع التلفزيون المصري على ان «البلد للمصريين جميعاً ونحن حريصون على الأمن المصري أينما كان وأنه لا تصالح مع العنف ولا تفاوض مع السلاح».
وقال: «ان الأمن هو اللبنة الأولى لأي بناء مجتمعي وأن الأمن يسبق كل شيء. مضيفاً أن هناك تكليفاً واضحاً لوزير الداخلية بإستعادة الأمن والاستقرار. واكد أن الحكومة تولي ملف الأمن أهمية خاصة
وهي ملتزمة ومصرة على اعادة الأمن الى الشارع المصري، مشدداً على أهمية أن يشعر المواطن بالأمن على حياته وحياة أولاده وممتلكاته وحريته في التعبير. وأشار الى أن حشوداً ضخمة خرجت يوم 30 حزيران (يونيو)، للتعبير عن آرائها وأن الجماهير قد فرضت ارادتها في خريطة الطريق التي صاغتها قوى الشعب.
وعن تكرار زيارات الوفود الأجنبية وما وصف بأنه تدخل بعض الدول الأجنبية في شؤون مصر الداخلية رفض رئيس الوزراء هذا الأمر، مؤكداً انه لا يجوز لأي دولة مهما كانت أن تتدخل في شأن دولة مثل مصر لها سيادة، واتاحة الفرصة للآخرين ليعرفوا الحقيقة لا تعني أن يفرضوا رأيهم.
في تلك الاثناء، يتوقف المتابعون عند تطورات الحالة من زاوية التصعيد الاخواني، المقابل لعملية التهدئة الحكومية، والتي توصف بانها «تهدئة مبرمجة»، عنوانها التأني في حسم الموقف، واللجوء
الى خيارات طويلة النفس تهربا ًمن دفع الثمن الذي يجمع الخبراء على انه سيكون باهظاً. وانه عبارة عن دم غزير بحكم استماتة الطرف الاخر في التشبث بموقعه اولاً، وبمطالبه ثانياً. والترويج للمشروع من زاوية نضالية ترتقي الى مستوى «الشهادة». ففي الوقت الذي ابدت الحكومة تراجعاً مبرمجاً عن موعد فض الاعتصام بالقوة، وسع انصار مرسي من دائرة حراكهم، وصولاً الى تنظيم التظاهرات، والدعوة الى «مليونيات» تضغط على الحكومة بهدف القبول بمتطلبات «الثورة المضادة».

  خطة فض الاعتصام
الى ذلك، كشفت وكالة فرانس برس نقلاً عن مسؤولين امنيين لم تسمهم، تفاصيل الخطة التي سيتم من خلالها فض الاعتصام. حيث اكدت ان قوات الامن ستعمد في البداية الى تطويق موقعي الاعتصامين الكبيرين في رابعة العدوية بمدينة نصر، شمال شرق القاهرة، وفي ميدان النهضة في الجيزة، جنوب العاصمة حتى تفسح في المجال لمن يرغب في المغادرة وللحؤول دون دخول احد. الا ان الوكالة لم تحدد موعد بدء العملية، ما يعني احتمال تنفيذ الخطة في اي وقت، وبحيث تكون هناك مجموعة من التحركات التدريجية التي ستعلن تباعاً. وبحسب التقارير، رد المعتصمون على ذلك بالدعوة الى احتلال جميع الميادين في العاصمة والمدن الاخرى. وفي مؤشر على تصاعد التوتر والاعتقاد بأن تدخل الشرطة بات وشيكاً، اثار انقطاع للتيار الكهربائي في احدى الليالي بداية الاسبوع الفائت موجة هلع اعتقادا بأن ذلك يمكن ان يكون بداية الهجوم.
في هذه الاثناء يدور جدل حول مجريات الموقف والتطورات المحتملة وسط تساؤلات مضمونها:
كيف؟ وما هو شكل الحراك لدى كلا الطرفين؟
والى اين تسير الامور؟
فهناك كم من التساؤلات التي قد لا يجد بعضها الجواب الشافي. ويتلمس البعض منها مشاريع طرق تؤشر الى صعوبة الوضع، وعلى سوداوية قد تمتد تأثيراتها الى نطاقات واسعة.
فبصورة او بأخرى، يتحول الاعتصام الذي ينفذه الاخوان المسلمون وانصارهم من مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي ف
ي ميدان رابعة العدوية ومواقع اخرى، الى صيغة اخرى مختلفة. فما يجري هناك يمكن ان يكون اكبر من اعتصام، واعمق من حراك احتجاجي. الا ان التطورات التي كانت متسارعة، مالت الى البطء التدريجي تحت تأثير«طبخات» تجمع ما بين السياسة والتكتيك، والتعاطي مع المستجدات بما يؤسس لحالة يبدي المتابعون خشيتهم من تفاصيلها، ورعبهم من تبعاتها.
الملف بمجمله، دخل مرحلة المد والجزر، بدءاً من تصريحات بدت وكأنها حاسمة، اطلقتها الحكومة وهي تؤشر الى قرب حسم الملف، وانهاء ما اطلق عليه الاعتصام المناصر للرئيس المعزول. وانتهاء بتراجع في
«التكتيك» تمثل بخيارات اخرى بديلة، اتضح انها اقل حدة من تلك التي اطلقت في البدايات. واشارت آخرها الى احتمال اللجوء الى محاصرة المعتصمين والتضييق عليهم، واللجوء الى «خنق» الاعتصام، ودفع المشاركين فيه الى انهائه.
محللون، ومتابعون لتلك التطورات لم يأخذوا تلك المواقف بحرفيتها، وانما وظفوها في اطار مختلف بعض الشيء. حيث جرى توظيف المضمون في مجالات تحليلية يمكن ان تؤشر الى حقيقة ما يجري اولاً، وحقيقة الخيارات التي قد يتم اللجوء اليها ثانياً.
وهنا يمكن استشراف بديلين: اولهما ان انصا
ر مرسي عموماً، وجماعة الاخوان خصوصاً نجحوا في تحوير الحالة وتحويلها من اعتصام احتجاجي الى مشروع «ثورة مضادة». كما نجحوا في تحويل مواقع الاعتصام الى اماكن ذات بنية تحتية تمكنهم من البقاء فترة اطول. وتزويدها بوسائل معينة تسهم في رفع منسوب الحماية اللازمة، وبما يمكنهم من الصمود فترة اطول.
وفي مسار مواز، نجح المعتصمون في التأسيس لحالة من شأنها ان ترفع من كلفة اية اجراءات امنية لاقتحام المواقع. وبما يتجاوز الكلفة المادية واللوجستية الى كلفة اضافية من الارواح، الامر الذي دفع بالمعنيين الى مراجعة خياراتهم اكثر من مرة، والتأني في اتخاذ القرار.

ازمة طويلة
من هنا يعتقد البعض ان ما يجري في مصر يمكن ان يحتاج الى وقت طويل حتى ينضج، والى اجراءات معقدة قبل الدخول في مرحلة الحسم، خصوصاً وان العملية قد تحولت الى ما يطلق عليه «معركة عض الاصابع».  وبحيث يراهن كل طرف على موقف الاخر، وعلى مدى تحمله لتبعات الحالة التي يمر بها. ومدى قدرته على استخدام الاوراق التي يملكها، والتي يمكن ان تكون رابحة، وذات تأثير في المواجهة التي تتراوح ما بين الصامتة احياناً، والصاخبة احياناً اخرى.
في هذا السياق، بدا واضحاً ان جملة من العوامل الداخلية، والكثير من العناصر الخارجية اثرت على الملف، وتركت بصماتها عليه. وصولاً الى تغييرات وتعديلات في المواقف، ومن ثم الى الحالة الراهنة.
وفي المجال الخارجي، بدا واضحاً ان الموقف الدولي من التطورات لم يكن حاسماً، ولم يصل الى مستوى النضج الذي يشجع اي طرف على حسم موقفه في اي من الاتجاهين: التهدئة، او التصعيد. فالطرفان يبديان تذمرهما من «ميوعة» الموقف الدولي، الذي ما زال يحمل نوعاً من الانحياز الى بعض الثوابت الديمقراطية، والذي يؤشر على قدر من الادانة، او – على الاقل – عدم الارتياح لخطوة الجيش بتنحية مرسي، والقيام ببعض الممارسات التي تعتبرها مخالفة للثوابت الديمقراطية.
من ذلك تأكيدات غربية عموماً، واميركية خصوصاً بالتحفظ على مواصلة ما اسمته «الاعتقالات السياسية». وفي الوقت نفسه تواصل تلك الجهات ارسال الرسائل التي تستنكر ما حدث، ولكن بأساليب خجولة، وبطرق يمكن وصفها بأنها «امساك بالعصا من منتصفها». فقد دعت الولايات المتحدة الحكومة المصرية المؤقتة الى وضع حد لكل «الاعتقالات السياسية» من دون ان تشير علناً الى حالة الرئيس المعزول محمد مرسي. وقالت مساعدة المتحدثة باسم الخارجية الاميركية ماري هارف ان الموقف الاميركي لم يتبدل. وان واشنطن ستستمر في الدعوة الى انهاء كل «التوقيفات والاعتقالات ذات الدوافع السياسية». وشددت هارف على ان تلك الاعتقالات لا تساعد مصر على تجاوز ازمتها. وكانت المتحدثة ترد على سؤال حول قرار اتخذه القضاء المصري بتمديد حبس مرسي 15 يوماً على ذمة التحقيق. وكانت الدبلوماسية الاميركية دعت من قبل الى انهاء توقيف مسؤولي النظام السابق ولكن من دون ان تسمي الرئيس المصري المعزول.
ورأت هارف ان استمرار اعتقال الاشخاص في السجون واحدة من المشكلات التي يجب ان تحلها مصر بنفسها اذا كانت ترغب بتجاوز الاضطرابات السياسية التي شهدتها في الاسابيع الستة الماضية. لكنها قالت في الوقت نفسه انه «يعود الى الشعب المصري ان يقرر ما هو شكل حكومته المقبلة».
الى ذلك شددت هارف على ضرورة ان يحترم القادة المصريون حق الناس في التجمع السلمي. واكدت ان بلادها لا تنحاز الى احد ولن تقرر ما يجب ان يكون عليه مستقبل حكومة مصر. لكنها اعربت عن «القلق البالغ» لبلادها من احتمال اندلاع عنف في مصر بين مؤيدي مرسي ومناهضيه. ودعت الى حوار بين كل الاطراف يقود الى «ديموقراطية دائمة». وكتأكيد على تلك الحالة يتمسك الطرفان المتخاصمان بما يعتقدان انها شهادات لصالحهما. فكل طرف يعتقد انه يحظى بدعم الغرب، وفي الوقت نفسه يعتقد كل طرف بوجود تقاطعات مع موقفه، ما يعني ان الغرب عموماً لم يصل الى مرحلة حسم موقفه المعلن، وان يواصل توجيه الرسائل الخجولة في كل الاتجاهات.
فعلى الرغم من اجماع جميع التحليلات على ارتياح الغرب للتطور الذي شهده الملف المصري، وخصوصاً خطوة اطاحة نظام مرسي وجماعة الاخوان، الا ان اياً من تلك الاطراف لم تجرؤ على اتخاذ موقف واضح ومعلن في هذا الاتجاه، خشية ان يفسر بأنه تناقض في الموقف الغربي.

تطورات داخلية
اما في البعد الداخلي، فهناك كم كبير من التطورات التي تصب ضمن اطار التغييرات في المواقف وصولاً الى الحالة الراهنة.
ففي ما يتعلق بجماعة الاخوان، بدا واضحاً ان الدوائر المعنية في الجماعة اتخذت قراراً بمواصلة الاعتصام الى «ما لا نهاية». وانهم نجحوا في توفير البنية التحتية اللازمة لادامة حراكهم الاحتجاجي، وتطويره الى ما يشبه «الثورة المضادة».
وفي هذا الصدد، يمكن الاسترسال في بعض التفاصيل المتعلقة بإجراءات الجماعة، وفي مقدمتها الاعداد لحالة ثورية قوامها توفير المتطلبات الاساسية للصمود اطول فترة ممكنة، اضافةً الى توفير المتطلبات الامنية اللازمة لحماية المعتصمين، والذين تحول وصفهم الى «ثوار».
فالتقارير الواردة من ميدان رابعة العدوية تشير الى ان الجماعة بنت خطتها الطويلة الاجل على توفير جميع عناصر البقاء لفترة اطول. من ذلك ـ على سبيل المثال ـ بناء مجموعة من الخيم وربطها بشبكة الصرف الصحي، لتكون بمثابة مرافق صحية داخل الميدان. واستئجار عشرات العمارات المحيطة لاستخدامها في المجالات الحياتية كافة بما في ذلك تحويلها الى اماكن اقامة للنساء، وتحويل بعضها الى اماكن لـ «الخلوة الاسرية».
وبموازاة ذلك فقد تم توفير مواقع وادوات خاصة لتأمين الغذاء اللازم للمعتصمين، وتكليف النساء بمهمة تجهيز الطعام والحلويات اللازمة للقيادات المعتصمة.
كما تم تعليم السيدات على بعض الاعمال الخاصة بالاسعاف، بحيث تكون هناك جهوزية عالية للتعامل مع اي مستجد يتعلق بإقتحام الموقع، اضافة الى مجموعة من الاطباء تعمل على معالجة الحالات المرضية العادية في عمارة مقابلة للموقع، وفي خيمة داخل الساحة بحيث تكون مركزاً للاسعاف الفوري.
وكنوع من الاجراءات الامنية فقد تم تجهيز الموقع بأسوار ووسائل حماية (اكياس رملية) وبما يؤدي الى اعاقة اي تقدم من قبل قوات الامن في حال قررت اقتحام المواقع. وعلى الصعيد عينه، فقد عملت على عسكرة الاعتصام من خلال تدريب المعتصمين على فنون الدفاع عن النفس، وكذلك على استخدام بعض انواع السلاح. واكثر من ذلك فقد سربت الجماعة تقارير عن تجهيز مجموعة من الانتحاريين لاستخدامهم عند الضرورة، وفي مراحل متأخرة من المواجهة.
بإختصار، سربت الجماعة كماً كبيراً من الرسائل التي تؤشر الى حجم الاستعدادات، بعضها حقيقي، والبعض الآخر غير ذلك. وكان آخرها تأكيد وجود طائرة استطلاع بدون طيار من تصميم بعض اعضاء الجماعة تم اطلاقها فوق موقع الاعتصام، هدفها امني بالدرجة الاولى، بحيث تكون بمثابة وسيلة لاطلاق انذار مبكر في حال كانت هناك اية تحركات تستهدف الاعتصام. وفي الوقت نفسه تسجيل اية تحركات مشبوهة داخل الموقع. وتوفير كميات من الاسلحة والذخائر التي يمكن ان تستخدم عند الضرورة.

ثورة مضادة
فالرسائل بمجملها تؤكد عزم الجماعة على تحويل الاعتصام الى ثورة مضادة في الوقت المناسب. وكذلك التأكيد على ان المعتصمين كيفوا انفسهم للبقاء اطول فترة ممكنة، وسط اصرار على مطلبهم بإعادة الرئيس المعزول الى موقعه، والافراج عنه فوراً.
وبينما تبدي الحكومة المؤقتة اصراراً على موقفها، وتأكيداً على ان ما حصل لا رجعة عنه، وان الاجراءات التي اتخذت تشكل استجابة من قبل الجيش لمطالب الشارع، وانها تستند الى شرعية المطالب الشعبية، تتسرب معلومات عن حوارات داخلية ووساطات هدفها انهاء الازمة والخروج منها بحلول وسطية.
ابرز ما يجري التعاطي معه – اعلامياً – طروحات تتحدث عن مشاريع وساطة مضمونها الافراج عن مرسي وباقي المعتقلين، مقابل السماح لهم بمغادرة البلاد. وهناك صيغة اخرى يجري الترويج لها وتتمثل بتقديم مرسي لإستقالته من الرئاسة مقابل التوافق على اجراءات سريعة من بينها اجراء استفتاء عام على خطوة الجيش، واجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ضمن برنامج متفق عليه وضمانات دولية بنزاهة تلك الاجراءات والانتخابات. ومن بين الصيغ التي تطرح ايضاً، ان يعود الرئيس مرسي الى الحكم لساعات يعلن خلالها التوجه لاجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ويسلم السلطة الى هيئة مؤقتة تتولى ادارة تلك المرحلة. هذه الطروحات يجري التعاطي معها اعلامياً على نطاق واسع، بينما تؤكد جماعة الاخوان، ومصادر الاعتصام في «رابعة العدوية» انه لا صحة لها، وانها مجرد تسريبات لا علاقة لها بالواقع.
وبالتوازي، يجري الحديث عن تنسيق خارجي لتقديم الدعم السياسي والمادي للجماعة، وبما يمكنها من ادامة حراكها «الثوري»، وصولاً الى تحقيق الاهداف التي يعتقد انها تحولت الى اهداف اخوانية على نطاق واسع.
ومن ابرز العناوين التي يجري التعاطي معها، ادامة الحراك داخلياً، وبحيث تتواصل التظاهرات بشكل يومي، والاعداد الى تظاهرات مليونية بين الحين والاخر. وفي الوقت نفسه ابقاء الازمة قائمة خارجياً، بحيث يواصل انصار مرسي والمتعاطفون معه حراكهم في مختلف الدول، وبما يؤدي الى وضع القضية ضمن اطارها العربي والاسلامي.
الى ذلك، تشير التقارير الواردة من العاصمة المصرية القاهرة، ومن دوائر التحليل السياسي لمجريات ذلك الحدث، الى تراجع خيارات استخدام القوة في فض الاعتصام. وفي هذا السياق اكدت مصادر رئاسية مصرية، إن اجتماع مجلس الأمن القومي، الذي ترأسه الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور، انتهى في ساعة متأخرة من ليل «الاثنين – الثلاثاء»، بعد مناقشة آخر التطورات بشأن اعتصامات مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي ومستجدات سيناء، التي تشهد مواجهات بين قوى غير معروفة، والجيش المصري.
وبحسب تلك المصادر، لم يتم الاستقرار على قرار محدد بشأن التعاطي مع تلك الاعتصامات، وان المو
ضوع ما زال محل مشاورات بين  جميع الأطراف الحكومية. وأضافت أن الاتجاه المرجح هو محاصرة الاعتصامين في رابعة العدوية والنهضة وخنقهما بدلاً من التدخل الأمني بفضهما خشية وقوع المزيد من الضحايا.
وكان «التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب» المؤيد للرئيس المصري المقال محمد مرسي، قد سرب معلومة تشير الى انه سيعلن خلال 48 ساعة عن خطة العصيان المدني الشامل بهدف اجبار ما اسماه «المعسكر الإنقلابي» على الخروج من المشهد السياسي تماماً، على حد تقديره.

  العصيان المدني
وبحسب تصريحات لأحد قياديي التحالف سيتم الكشف عن كامل التفاصيل الخاصة بالعصيان المدني. الامر الذي يعني خطوة تصعيدية جديدة من قبل أنصار مرسي.
وبحسب تصريحات لقياديين من التحالف، فإن الهدف من هذا العصيان حصر خيارات الحكومة المؤقتة، المدعومة من قبل الجيش بخيارين فقط: الاول، العودة عن الانقلاب واعلان فشله، والثاني اللجوء الى محاكمات ثورية بتهمة الخيانة العظمى التي سيقدم فيها كل قادة الانقلاب الى محاكمات دون استثناء.
وتوقع التحالف ان يكون رد الفعل المتوقع من الحكومة المؤقتة تجاه هذه الخطة التصعيدية عصبياً، وسط تسريبات تتحدث عن انقسامات في  الرأي بين من تصفهم بأنهم «مكونات الانقلاب»، الامر الذي تنفيه الحكومة وتؤكد تماسكها التام.
الحكومة من جهتها، واصلت توجيه الرسائل التي تؤكد تمسكها بموقفها، وتأكيدها على ان قرار السير في الاجراءات امر نهائي. فقد اعلنت عن تعيين مجموعة من المحافظين الجدد بدلاً من المحافظين الذين سبق ان اعلنت حكومة مرسي عن تعيينهم.
وتشمل القائمة الجديدة 28 محافظاً بينهم 7 جدد. واعلنت القائمة من مقر رئاسة الجمهورية في قصر الاتحادية، وبحسب مصادر حكومية، تضم محافظين من القوات المسلحة ومن السلك القضائي ومن أصحاب الكفاءات والخبرة في العمل العام والاجتماعي وخدمة المواطنين وأيضاً من الوزراء والمحافظين السابقين.
المتابع للشأن المصري يتوقف عند تفاصيل متقاطعة تؤشر على طول الازمة، لكنه يتوقف ايضاً عن معلومات تجعل من الممكن ان يصار الى تنفيذ عملية اقتحام لموقعي الاعتصام وفضه في اي وقت، خصوصاً ان الجانب الاكثر اهمية في «الملف» يجري التعاطي معه بقدر من السرية.

احمد الحسبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق