دولياترئيسي

روحاني: مصالحة مع الاصلاحيين وانتقاد لاذع لنجاد

خلال الاسبوع المقبل، وبالتحديد في 3 اب (اغسطس)، تدخل ايران، الجمهورية المثيرة للجدال والاهتمام عهداً رئاسياً سياسياً جديداً، اذ سيعتلي الرئيس المنتخب الشيخ حسن روحاني سدة الرئاسة في طهران، خلفاً لسلفه الرئيس محمود احمدي نجاد الذي امضى كما هو معلوم ولايتين رئاسيتين كاملتين، اي ثماني سنوات.

كما كان انتخاب روحاني لهذا المنصب من خارج كل التوقعات والحسابات، نظراً الى شخصيته الملتبسة ونظراً الى حرص المرشد الاعلى للثورة الايرانية علي خامنئي على عدم تكرار تجربة انتخابات عام 2009، والتي انتهت الى ما يشبه الانتفاضة التي هددت استقرار النظام الايراني الذي اضطر لبذل جهود جبارة وضع المرشد فيها كل ثقله المادي والمعنوي بغية ايقافها ومنع توسعها وامتدادها، فإن اللافت ان روحاني يسعى الى ان يكون دخوله الى مقر الرئاسة الاولى في العاصمة الايرانية حدثاً نوعياً جاذباً لعنصر الاثارة والجدال.
الآتي من صلب المؤسسة الامنية والقوية والوازنة في ايران، والسياسي المخضرم القادم من تجربة عميقة في خفايا اللعبة السياسية الايرانية وتعقيداتها منذ صيرورتها جمهورية اسلامية في بدايات العقد الثامن من القرن الماضي، يملك ولا ريب طموحاً معلناً ومضمراً للقيام بتجربة حكم جديدة ومميزة عن سلفيه اي نجاد ومحمد خاتمي في جمهورية يعدها الكثيرون تراوح في لجة ازمة عميقة بفعل طموحاتها في حجز مكانة رحبة لها في المعادلات الاقليمية والدولية.

حدث نادر
وفي هذه الحالة يصبح هذا الطموح امراً مشروعاً ومطلوباً بالنسبة الى روحاني. فالرجل خرق بانتخابه كل التوقعات والرهانات والحسابات. ولم يكن محسوباً عملياً على اي معسكر من المعسكرين المتنافسين الى حد التصارع في طهران اي الاصلاحيين والمحافظين، ومع ذلك فإن انتخابه بنسبة عالية من الاصوات ضمن فوزه من الدورة الاولى وهو حدث نادر في تاريخ الانتخابات الرئاسية الايرانية، ومع ذلك فإن الاصلاحيين ابدوا ارتياحهم لهذا الفوز المبين وتفاؤلهم بتداعياته ونتائجه في المستقبل، في حين ان المحافظين عبروا عن ابتهاجهم بفوز روحاني كون الرجل هو ابن المؤسسة الدينية المتجذرة والعريقة في ايران، فضلاً عن كونه ابن تجربة دينية – سياسية معروفة بميولها المحافظة.
وفي الوقت عينه، سارع المرشد العام للجمهورية الايرانية علي خامنئي لاحتضان روحاني ومباركة انتخابه، وابداء الاستعداد التام لدعمه في مسيرته للاعوام الاربعة المقبلة. وعبر روحاني اخيراً عن سعادته بهذا الدور الذي اضطلع به في عملية انتخابه، اذ قال في تصريح لافت ادلى به قبل ايام، ان خصومه المرشحين شعروا بالنصر في قلوبهم.
واضاف: «لم يشعر فرد او جناح بأنه خاسر في انتخابه، اذ كنت قريباً في الرأي من معتدلي الجناحين (الاصولي والاصلاحي) بحيث ان كلاهما شعر بالنصر».
وهكذا بدا ان انتخاب روحاني مثّل صدمة ايجابية كبرى كانت الحالة السياسية في طهران على اختلاف اطيافها بحاجة ماسة اليها. فانتخابه امتص الى حد كبير تناقضات عاصفة كانت تعتمل داخل الاجتماع السياسي الايراني. فلقد كان التيار الاصلاحي يجد نفسه في وضع المحاصر والمقصي والمقموع، لا سيما مع استمرار فرض الاقامة الجبرية على ابرز رمزين من رموز هذا التيار، وهما المرشحان الخاسران في انتخابات عام 2009، اي مير حسين موسوي والشيخ مهدي كروبي، ومعهما مئات الرموز الاخرى المعتقلة والذي ترافق عملياً مع تجميد انشطة كل القوى والتيارات الاصلاحية وحل بعضها رسمياً.

تناقضات وصراعات
وفي المقابل، برزت داخل معسكر المحافظين نفسه جملة تناقضات وصراعات ظهرت الى العلن مراراً وتكراراً، لدرجة ان الرئيس المنتهية ولايته نجاد، عاش خلال النصف الثاني من ولايته الثانية يراوح في ازمة صدامات متعددة مع قوى اساسية في المجتمع السياسي الايراني لعل ابرزها صراعه الخفي مع المرشد خامنئي، اضافة الى صراعاته مع مجلس الشورى الايراني وصداماته مع العديد من رموز الدولة، مما «فرمل» في محطات ومناسبات عدة اندفاعاته، ولا سيما عندما كان يسعى لتكريس مساعديه والمقربين منه والمحسوبين عليه في مناصب حساسة في رأس هرم السلطة، وهو امر قوبل بمعارضة من المرشد وباعتراض من مجلس الشورى، فضلاً عن تصدعات اقتصادية واجتماعية فعلت فعلها في عمق المجتمع الايراني، لا سيما بعدما اتخذت حكومة نجاد قرارات وخطوات غير شعبية.
وبمعنى اخر، انهى نجاد تجربته في رئاسة الجمهورية بسمعة غير عطرة، او بصورة يمكن وضعها بكل بساطة على طاولة التشريح والانتقاد والمساءلة تمهيداً لاخضاعها للمحاكمة لاحقاً.
وعليه، فإن بعض مراقبي الشأن الايراني من بات يتخوف من ان يأتي حين من الدهر ويصير نجاد «كبش فداء» لمرحلة حساسة في تاريخ ايران المعاصر، انطوت صفحتها اخيراً وفي طياتها حزمة اسرار واشكالات وخصوصاً ان نجاد لم يترك «حائط عمار» مع الكثيرين، اذ دخل معهم في اختبار قوة ومنافسة وحسابات معقدة بمن فيهم رأس الهرم في الدولة الايرانية اي المرشد.
وبناء على كل هذه المعطيات لم يكن غريباً ان يوجه الرئيس الايراني الجديد وهو على بعد ايام قليلة من دخوله الى قصر الرئاسة في طهران انتقادات صريحة ولاذعة لسلفه نجاد، لافتاً الى تلاعب حكومته باحصاءات رسمية تتعلق بالدولة وبانجازات هذه الحكومة.
واكثر من ذلك، عزف روحاني على الوتر الحساس بالنسبة الى نجاد وهو وتر نزاعه المرير مع البرلمان الايراني ورئيسه علي لاريجاني طوال فترة طويلة من ولايته الرئاسية الثانية، وهو نزاع غير مسبوق في تاريخ الجمهورية الاسلامية الايرانية، وخصوصاً انه ترك تداعيات وتأثيرات سلبية على اداء حكومة نجاد وعلى مشاريعها وخططها التنموية.

انتقاد نجاد
واللافت ان انتقاد روحاني لاداء حكومة نجاد جاء بعد ساعات على امتداح المرشد الايراني خامنئي حكومة نجاد، معتبراً انها «بذلت جهوداً جبارة» وقدمت «خدمات جليلة لايران».
واذا كان كلام المرشح عن حكومة نجاد بمثابة رسالة الوداع لهذه الحكومة التي باتت على وشك الرحيل، فإن اللافت كان ان يبدأ روحاني عهده الرئاسي بانتقاد حكومة سلفه انتقاداً مباشراً وجارحاً، وهو في رأي مراقبي الوضع الايراني رسالة مزدوجة الاهداف الى من يعنيهم الامر داخل حدود ايران وخارجها.
فروحاني يريد ان يؤكد للايرانيين ولسواهم انه يسير سيراً مخالفاً لسلفه في السياسة والاقتصاد والانماء وما الى ذلك، بدليل انه يعترض سلفه على كل مرحلة الرئاسة السابقة، سواء على مستوى الحكم او على مستوى العلاقة مع مجلس الشورى. ويذهب روحاني الى ابعد من ذلك في معرض تمايزه عن سلفه من خلال التعهد بفتح صفحة جديدة مع البرلمان، وسيشكل حكومة «قوية ومقتدرة»، لتكون الى جانب مجلس «قوي ومقتدر»، انطلاقاً من اعتبار ان «الحكومة والمجلس ركنان اساسيان لتطور البلاد»، على الا تفكر الحكومة المقبلة في مواجهة مع البرلمان ولا في خداعه من خلال تقديم احصاءات غير دقيقة له.
ومن البديهي لمن يعرف ما تعانيه ايران في الفترة الاخيرة على المستوى الاقتصادي وتعثر المشاريع والتشكيك بنزاهة الحكومة، ان يدرك تمام الادراك ان رفع شعار الانتقام من اداء حكومة نجاد وممارساتها، والرغبة بالسير بخلافها امر جاذب لشريحة واسعة من الشعب الايراني، وخصوصاً بعدما بادرت حكومته الى تمرير خطة طبقتها لرفع الدعم الحكومي عن سلع اساسية في حياة المواطن الايراني.
ولعل المدخل الاعرض الذي فتحه روحاني للولوج منه الى الحكم، هو كشفه عن اتفاق مع السلطات المختصة لانهاء الاقامة الجبرية التي يخضع لها مير حسين الموسوي ومهدي كروبي.
واكثر من ذلك، فإن الاتفاق المذكور تضمن ايضاً بنوداً وترتيبات لمعاودة نشاط الحزب الذي يتزعمه كروبي والمسمى حزب «اعتماد ملي»،  فضلاً عن اطلاق سراح معتقلين، وخصوصاً من قادة «جبهة المشاركة الاسلامية» و«جبهة مجاهدي الثورة الاسلامية». وهما ابرز حزبين اصلاحيين كانت محكمة قد اصدرت حكماً بحلهما.

اطلاق موسوي وكروبي
بالطبع فإن موعد خروج موسوي وكروبي من اسر الاقامة الجبرية يحتاج الى المزيد من الوقت والمزيد من التسويات. ووفق المعلومات فإن مجرد فتح ابواب الحديث عن هذا الموضوع البالغ الحساسية وعلى عتبة بدء عهد رئاسي جديد، هو لفتة ذكية وخطوة حكيمة من جانب روحاني تنم عن رغبة حقيقية في بداية مميزة، بغية استيعاب تداعيات مرحلة تعتبر سوداء في تاريخ الجمهورية الاسلامية ساهمت في تعميق التصدع والشرخ داخل المجتمع الايراني، وهي مرحلة انتخابات عام 2009، وما تلاها مما صار يعرف بـ «الثورة الخضراء».
ولا ريب في ان المرشد خامنئي بذل خلال الاعوام الاربعة الماضية جهوداً جبارة لاستيعاب تداعيات ذلك الحدث، ولاعادة الاستقرار والتوازن الى اللعبة السياسية في الساحة الايرانية، الا ان الاكيد ان الحدث برمته ترك ذيولاً ونتائج سلبية ما زالت تلقي بثقلها على الداخل الايراني رغم مضي اربعة اعوام عليها.
وعليه، فإن تلك «الفاتحة» لعهده من شأنها ان تقوي موقع روحاني، وتعزز المعلومات والوقائع التي نسجت حوله لحظة انتخابه رئيساً لايران، فحواها انه الرجل «الاستثنائي» الذي اتى في لحظة استثنائية من تاريخ ايران بغية اعادة لم شمل الداخل الايراني، وبغية بعث حيوية جديدة في المجتمع الايراني وفي الحياة السياسية الايرانية، واستطراداً لاعادة بعث دينامية جديدة في الثورة الاسلامية في ايران، وهو كلام ترددت اصداؤه في مطابخ القرار في طهران.
وثمة رسائل اخرى بعث بها روحاني الى الخارج حول مستقبل سياسته الخارجية تمثلت في اعتباره اسرائيل «دولة مهزوزة» او سخرية من تهديدات وتصريحات كان اطلقها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو عن بلاده، اضافة الى رسالة مميزة وجهها الى الرئيس السوري بشار الاسد.

ابرهيم بيرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق