سياسة عربية

مصر: ظاهرة جديدة… اقتناء السلاح

محمد مرسي، لن يطلق سراحه، في الوقت الحاضر، بالرغم من الضغوط الشارعية التي يمارسها الاخوان في ساحات مصر، وعلى الاقل، ليس قبل ان يقول الادعاء العام في القاهرة، رأيه، في الاتهامات الخطيرة، الموجهة اليه: اثارة الفتنة والدعوة الى العنف، وتلاحق اتهامات مماثلة قيادات اخوانية، وضع خمسة منهم في سجن تورا، الذي يستقبل الرئيس المخلوع الآخر، حسني مبارك.

بينما لا تتوقف الضغوط الشارعية الاخوانية، تستمر «مصر الجديدة» مصر الرئيس بالوكالة، عدلي منصور، ونائب الرئيس محمد البرادعي، ورئيس الحكومة حازم الببلاوي، والجنرال عبد الفتاح السيسي، «الرجل القوي» الجديد، في الاستعداد لمواجهة الغد، والبدء بالامساك بـ «خريطة الطريق»، التي جرى التفاوض حولها مع العسكر، لاجراء انتخابات، خلال 6 اشهر.
ويسعى المسؤولون الجدد، في نوع خاص، لاخراج مصر من اصعب ازمة اقتصادية تواجهها، في تاريخها. وفي هذه الاثناء، تستعد صناديق مصر، لاستقبال 12 مليار دولار، تكرمت بها السعودية، ودولة الكويت والامارات، تكفي لطمأنة الميزانية المصرية، لستة اشهر مقبلة على الاقل.
ولكن الاوضاع الامنية، هي التي تشغل مصر والعالم. فالعنف، لا يتوقف في سيناء، وجرى اعتقال مئات من الناشطين الاخوانيين، وفي حوزتهم اسلحة متنوعة. ورب قائل، ان شهوة «تمرد» بدأت تستهوي، المجموعات الاصولية، الاكثر تطرفاً، وقد تجر مصر الى دوامة مدمرة، على شكل ما عرفته الجزائر، في الامس، وتعيشه سوريا اليوم، بعد وقوف الداعية يوسف القرضاوي، الى جانب اخوان محمد مرسي، في مواجهة الازهر والسلفيين، والمسيحيين والعلمانيين والعسكر.

انصار الشريعة
ومما زاد في توتر الاجواء، الاعلان عن تأسيس جماعة «انصار الشرعية» في سيناء، لدعم محمد مرسي والدعوة الى انشاء نظام الشريعة، واثارة الفوضى والتوتر، حتى اخراج محمد مرسي من الاعتقال. وفي الانتظار، كانت شبه جزيرة سيناء، في الايام الاخيرة، مسرحاً لعبث عصابات اصولية، تعتدي على حواجز ونقاط تفتيش عسكرية، ومخافر للشرطة، وعلى دوائر حكومية. وسقط في الاسبوع الماضي، خمسة قتلى في المواجهات، بين العصابات وقوى الامن. وارسل الجيش المصري قوات دعم، بعد ان طلب تعليق العمل، مؤقتاً ببند اتفاقية كامب دايفيد، التي تمنع ارسال الدبابات والطائرات الى سيناء. ولكن المتمردين المسلحين، يتجولون على متن سيارات صحراوية سريعة.
وكانت العريش، مدينة الصيادين الصغيرة، التي حولوها الى قلعة للاجرام المنظم، ومرتعاً جهادياً، شهدت احداثاً امنية في نهاية الاسبوع الماضي، وكذلك، رفح، على الحدود مع قطاع غزة، حيث تتهم حماس بارتباطات اخوانية. وكانت معابر التهريب شهدت خلال الايام الاخيرة، عبور عشرات الجهاديين، من القطاع الى سيناء، للمشاركة في الاعتداءات على قوى الامن والمؤسسات المصرية. وكشف الجنرال احمد وصفي، قائد الجيش المصري في سيناء، عن ان قواته فككت خلايا اجرامية عديدة، واعتقلت اعداداً من عناصر مقاتلة من حماس، ثم اعلنت السلطات المصرية عن فتح المعابر الى غزة، جزئياً، ولمدة 4 ساعات في اليوم، حتى لا يدفع كل ابناء غزة الثمن في شهر رمضان.
وكانت الاعتداءات الاصولية، الاسلامية، ادت منذ سقوط محمد مرسي، الى مقتل خمسة جنود مصريين، ورجل دين قبطي، والى نسف خط الانابيب الذي ينقل الغاز الى الاردن. واعلنت القاهرة، عن اعتقال فلسطيني من غزة، متهم بالضلوع بالعملية، التي هي الاعتداء الحادي عشر، على خط انابيب، منذ سقوط حسني مبارك. وهاجم مقاتلون، اربعة مواقع عسكرية، في شيخ زبيد، الواقعة على الحدود مع اسرائيل وقطاع غزة، لم يعلن احد مسؤوليته عنها، مباشرة، بينما تحدث منشور لـ «مجلس شورى المجاهدين» – الذي ادعى في نيسان (ابريل) الماضي، مسؤوليته عن اطلاق صواريخ على مرفأ ايلات الاسرائيلي، عن اعمال انتقامية من «الممارسات الردعية»، التي تقوم بها القوات المصرية.

تحالف متطرفين
والخوف، هو ان يقود استمرار اعمال العنف، الى قيام تحالف بين مجموعات اسلامية، من الاخوان المسلمين، وبعض السلفيين، والمجموعات القاعدية ومجموعات من حماس الفلسطينية المرتبطين بالاخوان عقائدياً، وينظرون الى خطرها، بجدية، في الاردن واسرائيل، وفلسطين، وفي الغرب، حيث يعتبرون الاستقرار في سيناء، عنصراً ضرورياً، لاتفاقيات السلام الموقعة بين مصر واسرائيل في سنة 1978. من هنا التعاون العسكري الضروري، بين مصر واسرائيل، في المنطقة عند ضرورات فرضتها الاحداث التي وقعت في سيناء، في عهد محمد مرسي، واليوم، بعد سقوطه.
ان تحصين سيناء، هو في مصلحة الجميع، بما فيه الغرب، حيث يشرف 4 آلاف جندي ومراقب دوليين، على تطبيق اتفاقية السلام، مند سنة 1981، ويشارك في هذه القوة، اوروبيون، واميركيون، واوستراليون، ونيوزيلنديون، وكنديون، وطليان. بقوات بحرية وجوية وبرية. والخطر هو ان تجد هذه القوات نفسها، في مواجهة اضطرابات تقع في سيناء، خارجة عن السلطة. وقد تواجه عمليات خطف، كما حصل مع القوة الدولية، في الجولان السوري مؤخراً.
ويخشى ان يكون لعدم الاستقرار في سيناء، انعكاسات استراتيجية واقتصادية، على حرية المرور، وسلامته، في قناة السويس، حيث لا يتوقع اية انعكاسات حتى الآن. واكدت السلطات العسكرية هناك، على ذلك، الا اذا تدهورت الحالة الامنية، حقيقة في سيناء. فان من شأن تدمير سفينة تعبر، ان يجمد الملاحة في القناة، زمناً طويلاً، لان ضيقها يجعل من المستحيل عبور سفينتين، في وقت واحد، بالاتجاهين، اضافة، الى ان القناة تشكل مع السياحة المعطلة منذ سنتين، المصدر الرئيسي لمداخيل مصر، من العملة الصعبة. وكان احتياطي البنك المركزي المصري، انخفض في شهر حزيران (يونيو) الى 14،92 مليار دولار، فتدنى 1،12 مليار، في انتظار المعونات العربية. وتحدث تقرير للبنك المركزي عن «حالة خطر» تواجه المؤسسات العامة. وكان تقرير لميريل لانش، ان مصر ستصبح عاجزة، بعد ستة اشهر، عن دفع ديونها ومشترياتها الداخلية والخارجية.
والاهمية الستراتيجية الاخرى، لسيناء، هي انها تشكل المدخل الى الصحراء الافريقية، من مصر. فاكثر من 200 كلم من الكثبان، «المرصعة» بصخور بيضاء كلسية، تفصلها عن الحدود الليبية، ما مجموعه 2500 كلم مربع، من الاراضي الجميلة على وحشيتها، اي كل ما يحتاج اليه، المهربون، والذين استفادوا من سقوط العقيد معمر القذافي، وكانوا وراء ازدهار تهريب كل انواع السلاح، وهو النشاط الذي تحول موضوعاً كلاسيكياً للصحف المصرية.

الوجود الامني
وليس لقوى الامن المصرية، بين هذه الواحة، وواحة سيوا، التي  تقع على مسافة حوالي 300 كلم، شمالاً، سوى بضعة مراكز للجيش، بالكاد تسيطر على محيط كيلومترات معدودة، تحوط بها. ولكن هناك طوافة، تقوم بمراقبة الحدود، بين البحر والسودان، مما يجعل اعمال التهريب، وليس السلاح وحده عملية في غاية السهولة.
ومن الحدود بين البلدين، يعبر كل شيء. بضائع غذائية آتية من المغرب بما فيها السيارات، وكانت عمليات التهريب، مورد ربح كبير للقبائل في عهد القذافي، الذي كانت مداخيله النفطية، تساعده على عدم فرض رسوم غير مباشرة، كانت مرتفعة في مصر، حيث كان ثمن السيارة مثلاً يوازي ضعف سعرها في ليبيا، بينما حول سقوط العقيد والاضطرابات التي تواصلت في ليبيا، ثم في مصر، صحراء سيناء الى مرتع لعمليات التهريب الاقليمية. واشارت مصادر مخابراتية الى ان الوجهة الاخيرة للسلاح المهرب عبر سيناء هي غزة وسوريا. ويقول الجنرال المصري المتقاعد، الذي يدير قسم الامن القومي، في مركز الاهرام للدراسات الستراتيجية، قدري سعيد علي، «ان هذا الدفق الذي يشمل صواريخ قصيرة المدى، جاء يدعم عمليات التهريب، التي كانت تأتي من السودان».
ولكن الذي يحصل اليوم، هو ان هذه الاسلحة لم تعد تعبر الحدود المصرية. فالاوضاع وحالة اللاامن، نفختا سوق السلاح المحلية، في شكل مثير، حيث يلاحظ قدري سعيد علي، ان لا احصاءات رسمية، وان الكثيرين من ابناء الشعب يشعرون بأنهم في امان اكثر، اذا كانوا يملكون قطعة سلاح، وان لم يكونوا يجيدون استعماله.
وادى انتشار الاسلحة بين الناس الى جعل اضطرابات الاشهر الاخيرة، اكثر دموية كما حصل في كانون الاول (ديسمبر) امام قصر الاتحادية. وفي كانون الثاني (يناير) في بورسعيد، وفي المواجهات الطائفية، خصوصاً تلك التي سجل فيها سقوط ضحايا برصاص مدنيين، وليس برصاص القوات المسلحة. ويخشى المراقبون ان يؤدي انتشار الاسلحة الى تصاعد العنف في الشارع وليس لاسباب سياسية، فحسب.

مجموعات مسلحة
وتحدثت مصادر سياسية وصحافية عن انشاء مجموعات مسلحة، وان سقوط حسني مبارك، لم يكف لوقف الحديث عن المؤامرات، بل بالعكس وآخر هذه الشائعات تقول، ان الاخوان يتسلحون وانهم انشأوا ميليشيا خاصة بهم، تضم الآلاف. وازداد هذا الاقتناع بعد ان عمدت مجموعات اسلامية الى اعتقال متظاهرين علمانيين، وتعذيبهم، في تظاهرات الاتحادية. ويؤكد القائد الاخواني السابق، ثروت الخرباوي، في كتاب نشره مؤخراً، ان لحركة الاخوان، ذراعاً عسكرياً سرياً، ولكن الاخوان ينفون ذلك، ويقول عبد المنعم عبد الفتوح، الذي طرد من الحركة في العام 2011 ان ليس لديه اي دليل على ذلك.
وتتفاوت اسعار السلاح المهرب من ليبيا، حسب مصدر الانتاج، فان سعر مسدس «جيد»، يوازي 400 يورو، بينما لا يزيد ثمن المسدس الصيني الصنع على 150 ام 200 يورو. اما ثمن الكلاشينكوف الروسي، فانه يصل الى 2500 يورو. اما ثمن الرشاش فال فهو 15 الفاً.
وتعتبر جماعة السنوسي المافيا الاقوى، ومقرها مرسى مطروح، وهي تربط بين فروعها، صلات الدم والقربى وتتمدد قبائل بدوية حتى السودان وليبيا، مثل قبيلة الرشايدة، التي «تسيطر» على منطقة تمتد حتى شمال السودان.
والمعروف ان التهريب نشاط تمارسه القبائل البدوية، في تلك المنطقة، منذ دائماً، في صحارى تعرف اسرارها، شبراً شبراً، واصبح نشاطها اليوم، اكثر سهولة، نتيجة ضعف الدولة والتكنولوجيات الجديدة، فرجالها يعتمدون مثلاً انظمة «جي بي اس» للتوجه والتحرك في الصحراء.
ومن اجل ان يتمكنوا من نقل كميات اضافية من البضاعة، يعمد المهربون الى طمر كميات من البنزين والماء، في اماكن معينة من الصحراء.
اما الخطر الاكبر الذي يلاحقهم، ويؤدي الى القبض عليهم فهو تهريب المخدرات – اكثر من السلاح – التي عقابها الاعدام..
وفي هذه الاثناء تستمر العمليات الارهابية المرتبطة بالحالة السياسية، ففي فجر يوم الاحد 14 تموز (يوليو) وقعت اعتداءات على ثلاثة مواقع عسكرية في صحراء سيناء.

ج. ص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق