الاقتصادمفكرة الأسبوع

نهر النيل يعكّر الجيرة بين مصر واثيوبيا

عندما نتحدث عن حروب المياه كبديل او رديف لحروب النفط نقسم الدول قسمين: دول تطمع بمياه جارها، أو جيرانها، ودول تتنازع على المياه المشتركة كما هي الحال راهناً بين مصر من جهة واثيوبيا ومعها دول المنبع الافريقية من جهة اخرى، فهل يتحول النزاع التاريخي حول مياه نهر النيل الى نزاع مسلح؟

بدأت طبول الحرب تقرع في الاسابيع القليلة الماضية عبر وسائل الاعلام المرئي والمقروء بين مصر واثيوبيا على خلفية السد الذي تبنيه اثيوبيا على نهر النيل لتوليد الكهرباء، وكادت تسمع قرقعة الدبابات والشاحنات العسكرية المتجهة صوب المحور الساخن بين ثاني وثالث اكبر بلدين في افريقيا من حيث عدد السكان، لكن صوت العقل عاد ليطغى على صوت المدافع وهدير الدبابات، فاستبدل الطرفان لغة التهديد والوعيد بلغة الحوار والتفاوض.

غيّمت ولم تمطر
كان الرئيس المصري محمد مرسي قال في العاشر من حزيران (يونيو) الماضي انه لا يريد حرباً، لكنه سيبقي كل الخيارات مفتوحة، مما دفع اثيوبيا الى القول بلسان احد كبار مسؤوليها انها مستعدة للدفاع عن مشروع سد «النهضة»، الذي تقيمه بالقرب من حدودها مع السودان، وبكلفة 4،7 مليارات دولار. وذهبت اثيوبيا الى حد استدعاء سفير مصر بعدما ظهر سياسيون مصريون في القاهرة على شاشات التلفزيون وهم يتحدثون عن تأييد متمردين في اثيوبيا والقيام بعمل عسكري. لكن هذا التهويل ما لبث ان تحول الى ابتسامات واضحة في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو ونظيره الاثيوبي تادروس ادهانوم في العاصمة الاثيوبية، والذي كانت الغاية منه صب الماء على النار، بدليل قول عمرو رداً على سؤال حول التصريحات الشديدة اللهجة: «ان الجانب الاثيوبي يعرف المشاعر الحقيقية للشعب المصري، وان مصر تعرف المشاعر الحقيقية للشعب الاثيوبي. واذا خرجت كلمة من هنا او هناك في لحظة معينة او بسبب الانفعال يتعين القاؤها خلف ظهورنا».
وذهب وزيرا خارجية البلدين الى ابعد من ذلك فشددا على علاقات «الاخوة» التي تربط بين البلدين، فيما اعترف وزير الخارجية المصري ان التصريحات المصرية الاخيرة صدرت «بصورة متسرعة»، بينما قال نظيره الاثيوبي: «لدينا خياران، اما ان نعوم معاً او نغرق معاً. اظن ان اثيوبيا ستختار مثل مصر الخيار الاول».
وكان البرلمان الاثيوبي قد صادق على معاهدة مثيرة للجدل تضمن لاديس ابابا احقية استخدام مياه النيل، وتحل محل المعاهدة التي تعود الى الحقبة الاستعمارية التي تمنح مصر والسودان الاولوية في حقوق استغلال مياه النهر. وتمنح المعاهدة الجديدة دول المنبع حق تنفيذ مشاريع ري وكهرباء من دول الحصول على موافقة مصر المسبقة.
ولم توقع مصر والسودان على اتفاق الاطار التعاوني لحوض النيل الذي وقعته ست من دول المنبع هي، اضافة الى اثيوبيا، بوروندي، كينيا، اوغندا، روندا وتانزانيا.
ويبدو ان المسألة اكبر من ان تحل في اجتماع واحد او مؤتمر صحافي ايجابي، لذلك ارتُئي عقد جولات اخرى من المحادثات على مستوى الوزراء والخبراء، ولا سيما لجنة الخبراء الدولية الثلاثية التي تضم اثيوبيا ومصر والسودان لدراسة مدى تأثيرات سد «النهضة» على دولتي المصب «على ان تنتهي في وقت قريب معقول».

ما هو السد؟
بدأ التفكير في سد «النهضة» الاثيوبي منذ نحو 50 سنة ضمن مقترحات بانشاء السدود في اثيوبيا، وتحديداً بدأ الاقتراح عام 1964 بسعة تخزينية من المياه قدرها نحو 11 مليار متر مكعب الى 14،5 مليار متر مكعب. والآن تم تطوير التصاميم لتصل القدرة التخزينية الى اكثر من 70 مليار متر مكعب.
ويقول الخبير المائي احمد علي سليمان انه من المتوقع ان يستمر بناء السد لمدة اربع سنوات على الاقل بعدما انجز منه حتى الآن نحو 21٪، ويبعد السد 20 الى 30 كيلومتراً عن حدود السودان الجنوبية «على ارض غير مؤهلة لبناء سدود ضخمة»، على حد قول سليمان،الذي يقول ايضاً «ان السد سيخزن، اضافة الى المياه 240 مليون متر مكعب من الطمي سنوياً، وفي حالة انهيار السد سيتعرض السد العالي في مصر لخلل قد يؤدي الى اغراق بعض المدن المصرية في الجنوب والوسط».
ومعلوم ان القدر الاكبر من مياه النيل يأتي من منابع الهضبة الاستوائية ذات المصادر الثلاثة، اكبرها فرع النيل الازرق الذي يأتي منه 52 مليار متر مكعب في السنة، ثم حوض نهر السوباط ونهر العطبرة والاثنان يضخان كميات اقل من المياه على سطحيهما، لكنهما يساهمان بشكل كبير في المقدار الاجمالي لكمية المياه الاجمالية، اذ يبلغ حجم المصادر الثلاثة نحو 72 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، اضافة الى فروع اخرى تصب في منابع النيل من الجنوب والغرب.
ومن المهم الاشارة الى ان اثيوبيا قدمت اقتراحات بانشاء 34 سداً بمعرفة مكتب الاصلاح الاميركي – وهو هيئة حكومية – بقصد تنمية اثيوبيا بشكل اجمالي، منها سدود لتوليد الكهرباء، كسد النهضة، واخرى للري والزراعة. بينها سدود كبيرة واخرى صغيرة نفذت اثيوبيا منها حتى الآن 13 سداً، ويعتبر سد النهضة الرابع عشر في اللائحة.

تحفظات مصر
يتحدث عدد من السياسيين والخبراء المصريين عن «مؤامرة» اسرائيلية وراء بناء سد النهضة، مثل قول اللواء يحيى مازن «مستشار الشؤون العسكرية في اكاديمية مصر، «ان السد مؤامرة اسرائيلية لتجويع المصريين والسيطرة على الشرق»، وهو امر تنفيه عادة الحكومتان الاثيوبية والاسرائيلية لكنه لا ينفي قلق القاهرة الرسمي والشعبي من تأثير السد.
ويحرص المسؤولون الرسميون المصريون على تأكيد حق دول حوض النيل في اقامة مشاريع تنموية بشرط «عدم الاضرار»، لكن الحكومة لا تخفي اتهامها لتقرير شاركت فيه كل من السودان واثيوبيا بشأن السد، بالقصور في الجانب الخاص بالدراسات التي قدمتها اديس ابابا للجنة ويتعلق هذا الامر، على حد قول رئيس الوزراء المصري هشام قنديل، بالسد الاضافي الخاص برفع قدرة سد النهضة التخزينية من 14،5 مليار متر مكعب الى 74 مليار متر مكعب، وما يمكن  ان يحدث في حالة انهيار السد من ضرر بالسد العالي واغراق بعض المدن المصرية في الجنوب والوسط بالمياه والطمي.
ويقول احد الخبراء انه اذا كانت اثيوبيا ستخزن 74 مليار متر مكعب خلال 15 سنة، فان التأثير على مصر لن يكون كبيراً. التخوف هو ان تقوم اثيوبيا بتخزين هذه الكمية بصورة سريعة كأربع سنوات مثلاً، وهذا ما يفقد مصر ما بين 9 و12 مليار متر مكعب بحيث لا يتبقى لها سوى 40 مليار متر مكعب تقريباً. وستضطر مصر لتعويض هذا النقص الى اللجوء الى تحلية مياه البحر، التي تبلغ كلفة المتر المكعب منها 5 جنيهات (نحو 70 سنتاً) وهذا يعني ان مصر ستحتاج الى 50 مليار جنيه سنوياً للتحلية، بما يعادل 12٪ من موازنة مصر.
ويرى احد الخبراء ان السد الاثيوبي سيؤثر على توليد الكهرباء في السد العالي مما يؤدي الى تعتيم 3 محافظات مصرية على الاقل، فضلاً عن بوار 3 ملايين فدان وتشريد نحو 4 الى 5 ملايين فلاح مصري.

 

حق النقض المصري
كانت مصر تضمن التدفق الآمن من نهر النيل من منابعه حتى مصبه في البحر المتوسط وفقاً لاتفاقية 1929 الموقعة في زمن الاستعمار، والمفترض انها تطورت الى «اتفاقية 1959» التي تم توقيعها بين مصر والسودان عقب انشاء السد العالي. وقبل هذا الانجاز كان هناك نحو ملياري متر مكعب من المياه تصب في البحر شمالاً تم تقاسمها بعد السد بين مصر والسودان. وبموجب اتفاقية 1959 ألغي بند السيطرة المصرية تماماً من اتفاقية 1929، وهو حق النقض الذي كانت تتمتع به مصر. وفي العام 1964 ارسل جوليوس نيريري، رئيس تانزانيا في ذلك الوقت، رسالة الى نظيره المصري جمال عبد الناصر اخبره فيها ان بلاده لم تعد تعترف بالاتفاقات الموقعة خلال فترة الاستعمار وتدعو الى عقد اتفاق جديد بين مصر ودول المنابع، او تانزانيا على وجه التحديد. وحذت حذو تانزانيا بعض الدول الاخرى مثل بوروندي واوغندا وكينيا وغيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق