أبرز الأخبارملف

لعنة النازحات السوريات في لبنان: «هربنا من الموت لنعيش بالذل»

في حكاياتهن وجع، وفي صمتهن صرخات قد لا يسمعها ولا يتحسسها الا من ذاق وجع النزوح والخوف من وحشية الانسان في زمن الحروب. قد يصح القول بأن للحرب قوانينها، لكن الثابت أنه في هذه الحرب تدفع النساء السوريات الثمن أكثر من غيرهن: اغتصاب، تحرش، عنف معنوي أو جسدي، لا فرق… والمأساة لا تقف عند هذا الحد. فزواج القاصرات السوريات وتحول الغالبية الى مهنة البغاء والدعارة بهدف تأمين لقمة عيش لأولادهن وعائلاتهن صارا سمة النازحات اللواتي ما عدن يأبهن  الا الى سقف يأويهن مع عائلاتهن ورغيف خبز طري مساء. هي فصول من حكايات النازحات السوريات على لسان جمعيات تكفلت مساندتهن في انتظار الآتي… عساه لا يكون أعظم.

كانوا يظنون انه من طينة البشر ذاك «الانسان» الذي اتصل ذات صباح بعائلة سورية نازحة مؤلفة من 11 شخصاً، ومن رقم مجهول، طالباً خدمات احدى السيدات لتنظيف منزله. عندما حضر المتصل الى الموعد، كان رب العائلة الذي تلقى المكالمة في انتظاره ومعه بناته الثلاث. لكن الرجل رفض ان يصطحبهن، على اعتبار انه لا يحتاج سوى الى خادمة واحدة منهن للتنظيف. وهكذا أقنع الرجل الخمسيني رب البيت، بانه متزوج ويحتاج الى سيدة تهتم في تنظيف المنزل في غياب الزوجة الموظفة كما قال.
في الطريق نحو البيت خلع الوحش قناع الانسان، واقتاد الفتاة في اتجاه ضهور زحلة، وهددها بمسدس في حال قاومته أو عمدت إلى الصراخ. اغتصبها، وتركها بعد ساعة عند جسر الفيضة، لتعود بسيارة أجرة إلى منزلها. واصطحبها قريبها الى المخفر حيث تقدمت بشكوى،
وخضعت لكشف الطبيب الشرعي الذي اكد على تعرض الفتاة للإغتصاب. بعد ذلك قصدت الضحية مع قريبها مديرية امن الدولة حيث أودعا إفادتهما.

ذل وعار
يبكي الرجل السوري، وهو يخبر قصة ابنته. يقتله الشعور بالذنب، ويقول نقلاً عن إحدى المسؤولات في جمعية تعنى بالنازحات السوريات: «ذقنا المذلة في بلادنا لنلاقي ما هو أكثر ذلاً في لجوئنا». اليوم كل العائلة تشعر بالعار، ومن حينه حرم الأب بناته وزوجتيه الخروج من المنزل. لكن المشكلة تكمن في كيفية تسديد العائلة مبلغ  460 ألف ليرة بدل إيجار الشقة المستحق عليها في نهاية الشهر تحت طائلة إخلائها. ويستطرد «لا خيار أمامنا سوى بيع قسائم الغذاء التي منحتنا إياها منظمة اللاجئين في الأمم المتحدة لتسديد الإيجار». ولكن ماذا عن الشهر التالي والأشهر الآتية ربما؟

هي واحدة من بين آلاف القصص التي ترويها نازحات سوريات، دفعتهن ويلات الحرب للمجيء إلى لبنان وهن محملات بنصيبهن من الأسى والمحن، على أمل إيجاد ملجأ آمن. لكن الصدمة كانت في مواجهتهن أشكالاً أخرى من العنف:  إكراه على الزواج وإتجار مقنع بالبشر. وتشير الإحصاءات إلى تعرض أكثر من «أربعة آلاف إمرأة سورية للقتل، وتعرض الآلاف لجرائم اغتصاب واستغلال جنسي وزواج قاصرات وفتاوى نكاح شاذة وإرهاب». وتنطبق هذه المعاناة على سوريات نازحات إلى لبنان والأردن وتركيا ومصر، وغيرها من الدول التي تستقبل الفارين من الجحيم السوري الحالي. وأظهرت دراسة أعدتها مؤسسة «أبعاد» بالتعاون مع لجنة الإنقاذ الدولية، أن العديد من النساء السوريات تعرضن للاغتصاب في بلادهن، إضافة إلى التهديد أو التشويه أمام أزواجهن أو أولادهن، مما دفعهن إلى اللجوء إلى لبنان، حيث واجهن أنواعاً من التمييز الظاهر والمبطن وكذلك العنصرية والحرمان من أبسط الحقوق.

اتجار بالنازحات القاصرات
مسؤولة برنامج المساواة بين الجنسين في مؤسسة «أبعاد» رولا المصري أوضحت «ان بعض النازحات واجهن في لبنان أشكالاً من العنف الظاهر من خلال إرغامهن على الزواج، من قبل أهلهن، بحكم الضائقة الاقتصادية». وردت تفشي هذه الظاهرة التي تندرج في إطار العنف المعنوي إلى طبيعة الثقافة المحلية، حيث تبدو المرأة هي العنصر الأضعف. وتضيف: «ان بعض الرجال، في مخيم الزعتري في الأردن  يعلن عن رغبته في الزواج من فتيات تراوح أعمارهن بين التاسعة والحادية عشرة. فيوافق الأهل تحت ضغط الأعباء الاقتصادية، ويقوم هؤلاء الرجال بإرسال الفتيات إلى الخارج والمتاجرة بهن، وإرغامهن على تجارة الجنس وهذا ما يندرج في إطار جريمة الإتجار بالبشر.
ومما لا شك فيه ان واقع اللجوء يفرض «أشكالاً من التفنن في العنف ضد النساء» لكن الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني استدركا الأمر ونفذا مهمات مضادة لمساندة المرأة لكنها تبقى خجولة أمام فداحة ما يحصل. واللافت أن خطة التعاون بين المجتمع المدني اللبناني والسوري تقوم على محاولة مساعدة النازحات السوريات، ضمن الامكانيات المحدودة، فيما تهتم الأمم المتحدة بتوفير الحاجات الأساسية للنازحين السوريين.
لكن التفنن في العنف ليس حصرياً في لبنان أو البلد الذي فتح ذراعيه وشرع حدوده أمام النازحين السوريين. فالدراسات التي تستند إلى شهادات تؤكد تعرض عدد كبير من النازحات السوريات للعنف الجنسي والاغتصاب بشكل خاص في بلدهن  سوريا. أما في لبنان فلم تظهر الدراسات وجود هذا الشكل من أشكال العنف لكنها تظهر وجود نوع آخر من العنف بحكم واقع
اللجوء، حيث تدفع النساء إلى الزواج المبكر واتخاذه كذريعة للإتجار بهن. ويوافق الأهل على تزويج الفتاة بمهر لا يتعدى 15 أو 20 ألف ليرة لبنانية (ما يعادل حوالي 10 أو 18 دولاراً أميركياً) للتخلص من مسؤوليتهم تجاهها، وتُترك الفتاة (التي يراوح عمرها بين 9 و 11 سنة) لقدرها مع الزوج المفترض، ويضاف إلى هذا الواقع المزري الذي تتعرض له اللاجئات السوريات في لبنان، الشحن المذهبي والطائفي والعنصري تجاه اللاجئين السوريين بشكل عام ، من قبل شرائح من المجتمع اللبناني.

يجبرن على الانتحار
معالجة نفسية في إحدى جمعيات المجتمع المدني أوضحت أن «هناك حالات من الصدمة تسود بين النساء السوريات النازحات في لبنان، لافتة إلى  ضرورة الحاجة  الى المعالجة النفسية لتلك النساء»، وأشارت إلى «أنهن لا يتحدثن عن تجاربهن بشكل مباشر إنما عن قصص على شكل «سمعنا قصة» خوفاً من
افتضاح أمرهن».
وتشير معلومات إلى تنامي جرائم الشرف في حق من تم اغتصابهن خلال الحرب في سوريا، حيث تجبر الفتاة على الانتحار، أو يتم قتلها لـ «غسل العار» الذي تسببت به بعد اغتصابها. وأظهرت الدراسة التي قامت بها مؤسسة «أبعاد» بالتعاون مع لجنة الإنقاذ الدولية، والتي شملت نحو مئة امرأة، أن «عدداً كبيراً من النساء تعرضن للاغتصاب داخل الأراضي السورية وذلك لإذلال الرجال، واعتمد اغتصاب النساء كإحدى وسائل الضغط على الرجال أوحلقة من مسلسل الحرب البشعة. مما شكل الدافع الأساس للنزوح إلى لبنان». وكشفت الدراسة عن «مشاكل الحماية العديدة التي واجهتها النساء والفتيات قبل مغادرتهن سوريا وبعد وصولهن الى لبنان، وعن تعرض النساء والفتيات السوريات القادمات إلى لبنان، وبشكل متصاعد، إلى أشكال عدة من العنف نتيجة لانعدام الأمن والمعوقات المتعددة التي تزيد من صعوبة الوصول إلى خدمات الدعم. وتضيف: إن النساء والفتيات السوريات النازحات «لا يملكن الحد الأدنى من المقومات الاقتصادية والاجتماعية، ويعانين من الاستغلال من أجل حصولهن على الخدمات، إضافة إلى مشاكل الاكتظاظ، والجو السياسي غير الآمن. والثابت أن هناك عدداً كبيراً من النساء والفتيات اللواتي نزحن إلى لبنان قد عايشن أشكالاً متعددة من العنف، بما فيها الاغتصاب.

الحلقة الأضعف
ليست المرة الأولى التي يعيش فيها السوريون أجواء النزوح. ففي حرب العام 2006 استضافوا العائلات اللبنانية التي نزحت إلى سوريا بسبب القصف الإسرائيلي. اليوم يردون الزيارة لكن قسراً، ويطرقون بيوت أشخاص سبق أن استضافوهم في حرب 2006، أو يلجأون إلى أماكن عمل أبنائهم في لبنان. إلا أن كثافة عدد النازحين خلقت مشاكل اجتماعية. وبحسب المراقبين لم تقم وزارة الشؤون الاجتماعية في لبنان بتهيئة أماكن مخصصة لاستيعاب اللاجئين في مراكز تأهيل أو إيواء متخصصة، مما خلق واقعاً تحكمه الفوضى على هذا الصعيد. وعلى رغم محاولة بعض الجمعيات المحلية والعالمية تقديم المساعدة، إلا أن الأزمة التي خلقها واقع النزوح هي أكبر من إمكانية الجمعيات. ويرى أحد رجال القانون أن «ما يسببه واقع اللجوءمن عنف وذل واكتظاظ وفقدان أمان وخصوصية، وعنف اجتماعي واقتصادي ونفسي وانحلال قيم وتسرب فوضى أخلاقية، يصيب النساء والأطفال أكثر من غيرهم باعتبارهم الفئة الاجتماعية الأضعف».
«عندما غادرنا سوريا، كنا ننام في الشارع» تقول مايا وهي نازحة سورية لم تتجاوز سن الـ 14 عاماً. مايا اليوم مخطوبة إلى رجل لبناني يتمتع بالثراء الفاحش. لكنها تعبر عن خوفها لأن شريكها يفوق عمرها أضعافاً. ويشير تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة أن 78  في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان هم من النساء والأطفال، بسبب ارتفاع عدد الضحايا بين الذكور، وتولي الرجال عمليات القتال في سوريا. وهذا ما أدى الى تفشي ظاهرة التحرش الجنسي والإعتداء على النساء والفتيات، من قبل السوريين أحياناً، وغالباً من اللبنانيين  والأردنيين والمصريين. وثبت علمياً أن العنف الجنسي والفقر المدقع يؤديان الى ارتفاع نسبة زواج القاصرات بين اللاجئين السوريين. لكن وبغض النظر عن الدوافع الاقتصادية، يساهم الزواج المبكر في حماية الفتاة، وبذلك تكون أقل عرضة لخطر التعرض لاعتداء.

 

 

الهدف الاول: تأمين لقمة العيش
المساعدة الإجتماعية والمسؤولة عن مركز الإستماع والإرشاد في جمعية «كفى» ريما أبي نادر أوضحت أن هناك العديد من الجمعيات والجهات المحلية والعالمية التي تتولى موضوع النازحات السوريات وهي تتوزع في مناطق البقاع والشمال من خلال عمليات توزيع أدوار. وبالنسبة إلى جمعية «كفى» فهي تتولى مسألة تأمين الخدمات النفسية والقانونية والإجتماعية  من خلال إقامة حلقات نقاش وتوعية  تتم نزولاً عند رغبة النازحات. وتتركز مواضيع النقاش على العنف في كل وجوهه والزواج المبكر والتمييز الجندري (أي كل ما له علاقة بالعنف). إضافة إلى مواضيع تتعلق بكيفية تقبل اللبناني للنازح السوري وقبول الأخير بواقعه المستجد والتأقلم، معه خصوصاً أنه ما من فترة زمنية محددة لفترة النزوح.
النقاش الجماعي لا يسمح بإدلاء شهادات خاصة نظراً إلى دقة المواضيع «لكننا نطرح النقاش حول مسألة التحرش الجنسي أو الإغتصاب عموماً، ومنهن من طرقن أبواب الجمعية وتتولى الجهات المعنية متابعة حالاتهن». ولفتت أبي نادر إلى أن نسبة اكتظاظ النازحين في مناطق البقاع والشمال رفعت من معدل حالات التحرش والزواج المبكر والعنف المعنوي والجسدي والهدف تأمين لقمة العيش والسقف الآمن.
وتحدد أبي نادر أنواع العنف بالآتي: «هناك أولاً مسألة الإنسلاخ عن البيت والأرض والوطن والتي تشكل ضرراً معنوياً للمرأة السورية، ويترتب عليها كل أنواع العنف المعنوي. ثانياً مشاهد القتل والأساليب الوحشية التي تستعمل في الحرب، إضافة إلى الجوع وافتقاد غالبية العائلات إلى لقمة عيش هانئة. وتضيف أبي نادر: إن كلام النازحات السوريات عن العنف الجسدي قليل بسبب الخوف من الفضيحة وغالباً ما يضعونها في آخر ترتيب أولوياتهم على اعتبار ان تأمين المأكل والملبس والادوية والمسكن اهم. وقد يكون الإستغلال الجنسي لتوفير هذه الأولويات.
البسمة التي ترسمها النازحات السوريات بعد كل حلقة نقاش وتوعية تؤكد للمجموعات المنظمة أن الرسالة وصلت «ويكفي ان نسمع إحداهن تقول بأن هذه الحلقات تشكل مساحة لتنفيس مشاكلهن والتكلم عنها حتى يزيد إصرارنا على متابعة مهام المساندة للمرأة النازحة السورية». وتختم أبي نادر انه لولا وجود الدعم المادي من قبل المنظمات العالمية والامم المتحدة والإتحاد الأوروبي لكان موضوع مساندة النازحة السورية مجرد امنية.
«هربنا من الموت لنعيش بالذل» عبارة تختصر معاناة النازحات من سوريا إلى لبنان، لتتحول لاحقاً الى عنوان دراسة أعدتها لجنة الانقاذ الدولية بالتعاون مع مؤسسة «أبعاد» لرصد أشكال العنف الذي تعانيه النازحات، من الزواج ضد الارادة والاتجار بهن وارغامهن على الدعارة، ومبادلة المساعدات الصحية والاجتماعية مقابل الجنس، عدا عن واقع كونهن لاجئات إلى أجل غير مسمى!.

جومانا نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق