سياسة لبنانية

«توافق المصلحة» لادارة الازمة

من التدخل المطّرد في السياق السوري الى تعطّل الحوار المحلي واقتصاره على توافق القوى المتناحرة على ادارة الازمة خلال الاشهر الـ 17 المقبلة، تتفاعل الاحداث المتشظية والمتناثرة لبنانياً، في وقت تخشى بعثات ديبلوماسية من ان يؤدي هذا التشظي الى تفلّت غير مسبوق، يؤدي الى انهيار آخر اعمدة الاستقرار الهش.

يبدي تقويم بحثي صادر عن مؤسسة بحثية دولية، خشية من ان «ينجرف لبنان من دون فرامل الى مزالق الصراع في سوريا بفعل التقارير عن ان مقاتلي حزب الله يقودون العملية ضد الثوار السوريين في مدينة القصير قرب الحدود مع لبنان». ويوضح انه في الفترة الاخيرة، أطلق الثوار صواريخ على القرى الحدودية، مما أسفر عن مقتل لبنانيين. وقد ندد ائتلاف قوى الرابع عشر من  آذار (مارس) وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بما سمّياه «تورط» حزب الله في الصراع السوري. ينفي الحزب، معلناً أنه يحمي اللبنانيين في عدد من القرى السورية ضد هجمات الثوار، في الوقت الذي اعلن زعيم الحزب السيد حسن نصرالله ان «أصدقاء سوريا الحقيقيين» في المنطقة لن يدعوا نظام الرئيس السوري بشار الاسد يسقط. بينما هددت مجموعة جبهة النصرة الجهادية السورية بمهاجمة بيروت اذا لم يوقف رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ما سمته تورط حزب الله في سوريا، بالتزامن مع اعلان الشيخين احمد الاسير واسامة الرفاعي الجهاد في سوريا وفتح الباب امام الراغبين للانخراط في القتال.
في السياق عينه، يشير تقرير ديبلوماسي الى ان «لبنان الذي اختبر حروباً اهلية، بينها اثنتان كبيرتان، يشهد راهناً توتراً ملحوظاً، وعدداً لا يحصى من الانقسامات، وربما التحولات في التحالفات. ولا يزال شبح العنف بالنسبة الى اللبنانيين الاكثر اثارة للأرق والقلق على رغم مرور 24 عاماً على اتفاق الطائف الذي انهى حرباً اهلية طاحنة، وارسى دعائم نظام سياسي قام على انقاض ميثاق العام 1943 الذي قسّم السلطة بين الموارنة والسنة، وجعل باقي المجموعات الدينية – السياسية مجرد ملحقات. وباتت عبارة كارل فون كلاوزفيتز «الحرب امتداد للسياسة بوسائل أخرى»، حقيقة بديهية للبنانيين الذين واجهوا مستويات مختلفة من العنف الداخلي تحت عناوين القضايا السياسية. وقد يتوقف هذا إلى حد كبير على شدة الجمود داخل مجلس النواب اللبناني وعلى استعداد الأحزاب السياسية للاستعانة بالأجنحة المسلحة بغية إحداث تحول في ميزان القوى».

انهيار
ويلفت الى ان اللبنانيين يواجهون مرة جديدة إمكان الانهيار التام للنظام السياسي في البلاد والانتقال إلى العنف، لا سيما في ضوء حال الشلل الذي تواجهه المؤسسات الدستورية، من استقالة حكومة نجيب ميقاتي وتعذر تشكيل حكومة جديدة على رغم تكليف النائب تمام سلام تأليفها، الى ما يحيط التمديد لمجلس النواب من اشكالات وتداعيات وتحفظات محلية ودولية، في وقت كان لبنان حتى الامس القريب واحة ديمقراطية تتميز بتداول السلطة في منطقة تقوم انظمتها على الشمولية والتوتاليتارية، على رغم ان النظام السياسي في لبنان هو احد تلك الانظمة التي يتم فيها حشد الناخبين حول الهوية الدينية وليس البرامج السياسية.
ويرى التقرير انه نتيجة هذه التعقيدات زاد الانقسام السياسي اللبناني، وبات كل من السنة والشيعة يجدون أنفسهم على طرفي نقيض من الطيف السياسي، في حين يتوزع المسيحيون على مساحة هذا النقيض، بين ائتلاف قوى الرابع عشر من آذار (مارس) الموالي للغرب، وائتلاف قوى الثامن من آذار (مارس) المؤيد لسوريا. وهذا ما جعل حتى الآن من تشكيل حكومة جديدة بقيادة النائب تمام سلام امراً واهياً، نتيجة هذا الصراع المحلي ذي الامتداد الدولي الواضح.
ويوضح التقرير ان حكومة ميقاتي لا تزال تملأ الفراغ في السلطة التنفيذية بفعل تعذر تشكيل الحكومة الجديدة، في حين يُخشى من الذهاب نحو الكارثة بفعل انهيار سياسة النأي بالنفس التي اتبعها ميقاتي طوال 22 شهراً، وتعطُّل اعلان بعبدا الذي سبق وكرس هذه السياسة بتوافق معلن بين فريقي 8 و14 آذار (مارس) على ابقاء لبنان بعيداً عن سياسة الصراعات الإقليمية والدولية وتجنيبه التداعيات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية. وعلى رغم ان سياسة النأي بالنفس شهدت سابقاً خروقاً عدة من مختلف الافرقاء اللبنانيين المتورطين في الاحداث السورية، غير ان استقالة حكومة ميقاتي ادت الى تفكك هذه السياسة وتشظيها نهائياً، وبات التدخل اللبناني في السياق السوري معلناً اكثر من اي وقت سابق، مما يتهدد بإستجلاب الحرب السورية الى لبنان، مع وجود مجموعات جهادية او متطرفة في سوريا راغبة في الانتقال الى اللعب في الملعب اللبناني، رداً على ما تعتبره تدخلاً للحزب في الحرب السورية.

المنطق الشخصي
ويشير الى انه من أجل فهم المنطق السياسي اللبناني الذي هو شخصياً على الاغلب وعلى الأرجح، لا بد من نظرة على الوضع السياسي الراهن في النظام. اذ ان معظم عوامل عدم الاستقرار المتكرر ناتج عن طبيعة النظام السياسي المرهون لمصالح خارجية. فالمآزق شائعة في نظام اساس نموذجه التوافق في الآراء، في مقابل مكتسبات لمجموعات سياسية – طائفية سبق ان اخذتها بالمجان، وتسببت بدءاً من السبعينيات بانهيار حكومات واغتيالات سياسية ومن ثم بحرب أهلية شاملة.
ويلفت المصدر الى ان الازمة الراهنة لا تتعلق فقط بالانتخابات البرلمانية، بل على نحو أدق، بالقوانين الانتخابية التي ستحكم هذه العملية، في بلد لم يشهد تعداداً حقيقياً وواقعياً للسكان منذ العام 1932. ويُعتقد على نطاق واسع أن الشيعة هم أكبر جماعة دينية، نظراً الى نسبة المواليد وتوافر الاموال وتعدد مصادرها.
ويوضح ان النقاش في شأن قانون الانتخاب بدأ قبل اكثر من 8 اشهر، الا انه انتهى الى فشل ذريع بفعل رغبة كل من فريقي الصراع الاتيان بقانون يتوافق ومصلحته التي تعني فعلياً فوزه بالغالبية النيابية، وهو ما لا يمكن لاي فريق ان يسلم به للفريق الخصم. وادى هذا الفشل الى «توافق المصلحة» بين الفريقين المتصارعين – بإستثناء رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر الذي يقوده العماد ميشال عون، ولكل منهما دوافعه واسبابه – لتمديد ولاية المجلس النيابي نحو سنة ونيّف.

الموقف الدولي
ويذكّر التقرير بأن كلاً من بريطانيا وفرنسا، من خلال ممثليهما الدبلوماسيين، سبق ان دعتا كلا الائتلافين إلى وضع خلافاتهما جانباً والمضي قدماً في الانتخابات التي كانت مقررة في منتصف حزيران (يونيو)، وخصوصاً في وقت يعتقد كثيرون بأن لبنان بات متورطاً في الأزمة السورية. كذلك فعلت الديبلوماسية الاميركية، في حين كان الرئيس باراك اوباما واضحاً في اتصاله الاخير بالرئيس اللبناني في العشرين من ايار (مايو) الماضي، اذ اكد اهمية «تشكيل حكومة جديدة في لبنان وإجراء الانتخابات في مواعيدها (لأنها) تشكل رسالة قوية حول ممارسة التراث الديموقراطي»، وأن ذلك «يسهم في ترسيخ الاستقرار الداخلي في شتى المجالات». ويترقب اللبنانيون ما سيكون عليه الموقف الغربي – الدولي من التمديد للمجلس النيابي، وتالياً الاخلال بالتوجه الدولي الراغب في اجراء الانتخابات النيابية، على رغم ان الكثير من المراقبين اللبنانيين يعتقدون بأن هذا التمديد ما كان ليحصل لولا حصول مختلف الافرقاء المعنيين على غطاء دولي – عربي، او اقلّه عدم ممانعة.

عتب
في هذا السياق، ذكرت تقارير اعلامية ان بعض المسؤولين اللبنانيين تبلغوا عتباً دبلوماسياً أميركياً وأوروبياً لم يتوقعوه في ظل الاستعدادات التي كانت جارية للاتفاق على قانون انتخاب جديد. وأضافت أن الدبلوماسيين الغربيين لم يتفهموا بعد الأسباب الموجبة التي دفعت الى التمديد لفترة وصفوها بالطويلة، ورأوا أن عدم تفاهم اللبنانيين على قانون انتخاب جديد في الفترة السابقة لا يؤشر الى إمكان التفاهم عليه في الفترة المقبلة، لأن الأسباب والظروف لم تتغيّر وإن كان الوضع السوري ابرزها.
واشارت تقارير اخرى الى ان مرحلة ما بعد التمديد للمجلس النيابي ستجعل لبنان يواجه فتوراً دولياً في التعاطي معه. واوضحت أن واشنطن وافقت في اللحظة الأخيرة على التمديد مع إبداء ملاحظة مفادها انها لا تغطيه سياسياً وانها باتت تميل الى فشل الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان مع تسجيل تقديرها لمواقف الرئيس سليمان.
وسبق لمسؤول في الإدارة الأميركية أن اشار – قبل التوافق اللبناني على التمديد – الى ان الولايات المتحدة تتابع منذ اشهر تطورات الجدل الانتخابي في لبنان، وأن عدم نجاح الأفرقاء في ايجاد أرضية مشتركة أمر مخيب للأمل، خصوصاً مع توجه هذا البلد نحو حالة خطيرة من عدم الاستقرار. وقال إن لدى الإدارة الأميركية قلقاً من تمديد طويل لولاية المجلس النيابي اللبناني، مشيراً الى أن واشنطن تتعاطف مع موقف الرئيس سليمان الداعي الى تمديد تقني لمدة قصيرة، بما يسمح بإجراء الانتخابات خلال اشهر. ورأى ان واشنطن تأمل بأن تلتزم الأطراف المسؤولة روح الدستور اللبناني وتقليده الديمقراطي، وإجراء الانتخابات خلال فترة زمنية معقولة.

الحكومة
يتوقع مراقبون أن ينصرف المجتمع الدولي، بعد التمديد، الى الضغط على لبنان لعدم إشراك حزب الله في الحكومة العتيدة، في ضوء توافر معطيات عن أن عدداً من المسؤولين اللبنانيين، من بينهم قياديون في قوى الرابع عشر من آذار (مارس)، أبلغ الى سفراء الدول الكبرى، ولا سيما منها الولايات المتحدة الأميركية، عدم معارضة استبعاد حزب الله من الحكومة مقابل ضمانات دولية بحماية لبنان في حال حصول حوادث أمنية فيه على نطاق واسع أو تكرار احداث السابع من أيار (مايو) ٢٠٠٨. لكن الجواب كان بأن ثمة استحالة لتحقيق هذه الحماية، وهذه الاستحالة هي لوجستية قبل ان تكون سياسية.
وكان تردد على نطاق ضيق ان جهات لبنانية فاعلة حاولت تسويق فكرة ان يتمثل «حزب الله» في الحكومة بشخصيات غير حزبية محسوبة على حركة «امل» او قريبة منها، تفادياً لاي اصطدام مع الرغبة الدولية بإقصاء الحزب، لكن الثنائي الشيعي رفض بالمطلق البحث في هذه الفكرة.

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق