افتتاحية

التشكيك سيد الموقف

مع ان مصطلح «الازمة» ليس جديداً على ما يجري في مصر، الا ان المدقق في التفاصيل يتوقف عند حالة جديدة من الازمة، تجاوزت حالة انعدام الثقة، ودخلت في متاهة البحث عن اية معطيات يمكن استخدامها في الدفع بعدم شرعية الآخر، وفي عدم قدرته على تمثيل الشارع، والتعاطي مع متطلباته.
التفاصيل واضحة، وتكشف عن عمق الفجوة بين طرفي المعادلة – على افتراض انها تقتصر على طرفين فقط -. فمن جهة، تتمسك المعارضة برفض ممارسات الحكم الاخواني، وتقرأ تفاصيلها باتهام الرئيس مرسي بالعمل على «اخونة» الدولة، وصولاً الى الجيش، وقبل ذلك فريق المحافظين الذين يملكون من الصلاحيات الادارية ما يمكنهم من الدخول في ادق تفاصيل الحياة اليومية، واتخاذ كل ما يمكن من القرارات الادارية والامنية، وهو عالم جديد بالنسبة الى «الاخوان»، كانوا بعيدين عنه ابان عهد الرئيس مبارك. وهناك تفاصيل كثيرة يترجمها المعارضون الى اتهامات موجهة ضد نظام الحكم الاخواني.
في المقابل هناك كم كبير من التحفظات التي يبديها الرئيس مرسي وحاشيته على المعارضة، تصب كلها ضمن اطار التشكيك في شرعية تمثيل هؤلاء للشارع المصري، ما يعني ان الحرب الدائرة هناك يمكن وصفها بانها «حرب تشكيك»، ومحاولات لسحب غطاء الشرعية من قبل كل فريق عن الفريق الاخر.
الا ان الخطورة في هذا الامر تكمن في تمسك كل فريق بموقفه، وعدم التسليم باحتمال ان يكون لدى الطرف الاخر طروحات صائبة. او بعبارة اخرى يصر كل فريق على احتكار الحقيقة، والبناء على تلك الفرضية في التحشيد لدى الشارع.
وفي الوقت نفسه بدا واضحاً ان الحكومة والرئاسة باعتبارهما السلطة، المكلفة قانوناً ودستوراً بان تفتح قنوات الحوار، تصر على فرضية سلامة موقفها. وان الحوار يعني ان تسلم في النهاية «بقراراتي». والدليل على ذلك ان كل المحاولات التي تمت لم تفلح في تغيير اية قرارات رئاسية او حكومية، باستثناء قرار واحد هو تغيير موعد الانتخابات بحيث يتم تقديمه اسبوعاً نظراً لتزامنه مع احتفالات عيد الفصح بالنسبة الى المسيحيين القبطيين.
ويمكن التوصل الى صورة واضحة من خلال استعراض مجمل القضايا الخلافية، ومنها – على سبيل المثال – الاصرار على بقاء الحكومة، مع ان العرف الدستوري ينص على تشكيل حكومة انتقالية تكون مهمتها اجراء الانتخابات، واحالة التعديلات التي ادخلت على قانون الانتخاب الى المحكمة الدستورية وهو المطلب الذي ترفضه الرئاسة، وتأجيل موعد الانتخابات الى ان تصبح الظروف مهيأة لمثل تلك العملية، وبحجة ان حالة التظاهر والاعتصام والاحتجاج والعصيان المدني ستؤثر سلباً على مجريات العملية الانتخابية. بينما ترفض الرئاسة هذا المطلب وتشكك بنوايا من يقترحونه.
باختصار، ثمة امور كثيرة تراها المعارضة مطالب ملحة، بينما تراها الرئاسة مطالب مغرضة، ما يعني ان التشكيك هو سيد الموقف. وهو الذي يدفع بالحالة نحو العصيان المدني، والتي تعتبر اسوأ انواع الفوضى، والتي يمكن ان تؤسس الى ثورة جديدة، والى حرب اهلية وقودها التحشيد الذي تمارسه الحكومة من جهتها، ومن خلال غض النظر عن ممارسات يقوم بها مدنيون محسوبون على النظام. وهي العملية التي كانت تشكل اهم المآخذ المسجلة على النظام القديم، نظام حسني مبارك، الذي اطاحته ثورة شعبية عارمة نجحت جماعة الاخوان في توظيفها لصالحها باعتبارها التنظيم الاكبر والاكثر تنظيماً، والذي خطط للوصول الى ذلك الوضع.   

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق