افتتاحية

ماتت العدالة ومشى اوباما في جنازتها

ماتت العدالة ومشى اوباما في جنازتها
في الوقت الذي كانت محطات التلفزة العربية والعالمية تبث صور الجريمة البشعة التي ارتكبها تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) بذبح الصحافي الاميركي جيمس فولي، وفي الوقت الذي كان الذهول يعم العالم من فظاعة هذا العمل الوحشي، انصرف الرئيس الاميركي باراك اوباما الى ممارسة هواياته الرياضية وكأن شيئاً لم يحدث، متجاهلاً ان قتل الصحافي الاميركي يستهدفه شخصياً ويستهدف ادارته ويستهدف سياسته الضعيفة المتراخية، ويلحق بسمعة الولايات المتحدة اسوأ النعوت.
ان رئيساً كهذا لا يبالي باغتيال مواطن اميركي بريء، لا لسبب سوى انه اميركي، كيف يمكن لشعوب العالم ان تعلق الآمال عليه لينقذها مما تتعرض له من تهديدات وقتل وتشريد؟
هذه هي سياسة الولايات المتحدة منذ عقود. تنشىء التنظيمات الارهابية لاستغلالها في قضية معينة، وسرعان ما تنقلب هذه التنظيمات عليها، وتتحول الى العدو الاول لها فتلحق بها اوسع الاضرار.
اليست الولايات المتحدة هي من انشأ تنظيم «القاعدة» بزعامة اسامة بن لادن لتحارب الاتحاد السوفياتي السابق، فاذا بالاتحاد يتملص من المشكلة بمهارة دون ان يصاب باضرار كبيرة، واذا بالقاعدة تتحول الى محاربة الولايات المتحدة فتكبدها خسائر لم تكن لتتصورها، وابرزها احداث ايلول (سبتمبر) 2001، التي قضت على البرجين الشامخين فانهارا ركاماً ومعهما سقطت هيبة الولايات المتحدة كلها. وحتى الساعة لا تزال تعاني من ارهاب تنظيم القاعدة، فانطبق عليها القول «طابخ السم آكله».
ثم من كان وراء ظهور تنظيم «داعش»؟ اليست الولايات المتحدة نفسها؟ انشأته لغاية محددة، فاذا بالتنظيم ينقلب على الجميع بمن فيهم السنة فيقتل ويدمر ويتوسع حتى غدا دولة يحسب لها حساب، فكيف ستواجهه الولايات المتحدة وكيف ستوقف زحفه؟
لقد حلت بسكان مناطق عديدة الويلات من هجوم داعش وخصوصاً مسيحيي الموصل الذين طردوا من منازلهم وشردوا بعد ان هددوا بالقتل، وكان املهم ان يهب الغرب على رأسه الولايات المتحدة فيدافع عنهم ويوقف تنظيم الدولة الاسلامية عند حده، ويعيدهم الى ديارهم. فماذا كانت النتيجة؟
اكتفت الولايات المتحدة بشن غارات وصفها العالم كله بانها ليست الوسيلة الكافية التي تمنع تنظيم داعش من التمدد والاستمرار في جرائمه المستنكرة، ثم ان هذه الغارات لم تكن لا دفاعاً عن المسيحيين ولا عن السنة ولا عن الشيعة، بل عن حفنة صغيرة من الخبراء الاميركيين ورجال الاستخبارات المتواجدين في المنطقة. وامعاناً في الهزيمة عمدت واشنطن الى ارسال المعونات الانسانية الى المشردين فكان ذلك ايذاناً بالعجز الاميركي. وهكذا بقي المسيحيون مشردين بعيدين عن ديارهم وهم ينتظرون ساعة الفرج ولكن من اين سيأتي؟ ثم كيف كان موقف الغرب؟
اكتفت الدول الغربية باصدار بيانات الاستنكار والتنديد وهي لا تغني ولا تسمن. وكان الحل في نظر فرنسا دعوة المسيحيين للهجرة اليها. فكأن هناك مخططاً غربياً لتفريغ الشرق الاوسط من مسيحييه. افلا يعلم الغرب ان هذا الخطر الداهم اذا لم يواجه بحزم وبقوة اليوم وليس غداً فسيدق ابوابه وستكون الكارثة اضخم مما يتصوره الكثيرون؟
ومن النماذج التي لا تحصى ولا تعد حول السياسة الاميركية، الموقف من ارهاب اسرائيل ضد قطاع غزة. اكثر من الفي قتيل واكثر من عشرة آلاف جريح و16 الف منزل مدمر، كل هذا لم يهز مشاعر اوباما ولا ادارته، بل سقوط بضعة صواريخ على الدولة العبرية هو الذي كان موضع استنكار وسخط.
لقد عرف عن رؤساء اميركا ورجال الكونغرس الاميركي بأنهم واقعون تحت سيطرة الصهيونية العالمية، لا يتجرأون على مخالفة امر لها فكيف يمكنهم ان يتدخلوا لانهاء العدوان الشرس على قطاع غزة ووقف مسلسل القتل؟ ان ما تفعله اسرائيل هو الصواب في نظرهم او في نظر مصالحهم وكل الباقي لا يهم. فبئس هذه العدالة العالمية التي افرغت من معناها ولم يبق منها الا الاسم.

«الاسبوع العربي»

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق