افتتاحية

حتى المياه اصبحت من الكماليات

في الدول الديمقراطية التي تحترم القوانين وتعمل بموجبها، تشكل حكومات يتم اختيار وزرائها وفق الكفاءة والخبرة والنزاهة، فتعمل وفق مصلحة مواطنيها وبلدانها. اما في لبنان فيتم اختيار الوزراء وفق انتماءاتهم السياسية، بعيداً عن الخبرة والاختصاص، فتأتي قراراتها عشوائية، تخدم مصلحة الجهات السياسية الممثلة في الحكومة على حساب الشعب والبلد. لذلك نرى الدول المحيطة تتقدم، ونحن نسير الى الخلف حتى بلغنا مرحلة الفقر والجوع.
ونظراً لعدم مراعاة الخبرة في اختيار الوزراء، فقد صدرت في الاونة الاخيرة قرارات عن بعض الوزراء اساءت الى الشعب برمته، في غياب تام للمجلس النيابي المفترض فيه، ان يراقب ويحاسب، ويصون مصلحة الناخبين، وهذا ما لا نشهده، ولم نشهده سابقاً في لبنان. فالنواب ما ان تعلن نتائج الانتخابات، ويطمئنون الى دخولهم نعيم السلطة، حتى يبتعدوا عن ناخبيهم، ويولوا كل اهتمامهم لمصلحة الجهات السياسية التي تبنت ترشيحهم، وعملت على ايصالهم الى الندوة البرلمانية.
قبل ايام ارسل رئيىس الحكومة كتاباً الى وزير المال يطلب منه اعتماد سعر 20 الف ليرة للدولار الجمركي، دون دراسة عن تداعيات ذلك على الاقتصاد اللبناني، وعلى المواطنين بصورة خاصة. اما الهدف من هذا القرار العشوائي المدمر، فهو تمويل الخزينة التي افرغتها المنظومة وبددتها من خلال صفقات مشبوهة، بعيداً عن اي مراقبة او محاسبة، ولم تفكر الحكومة لدى اتخاذ هذا القرار بمدى تأثيره على حياة المواطنين وعلى السوق ككل. فكان طليعة قراراتها العشوائية.
وقبل ان يعلن وزير المال القرار رسمياً، وفور انتشار التسريبات حوله هبت الاسعار كلها، وارتفع معها سعر الدولار حتى لامس الخمسة والثلاثين الف ليرة، وهو مستمر في الصعود. وعبثاً حاول وزير الاقتصاد التخفيف من وطأة هذا القرار، واعداً بمراقبة الاسعار وضبطها. لقد اثبتت الاحداث في الفترة الاخيرة ان مثل هذه الوعود بالونات تطير في الهواء دون ان يكون لها اي مفعول. فكم من المرات تلاعب التجار والمافيات والمستوردون وغيرهم بالاسعار، وهددت وزارة الاقتصاد وتوعدت، ولكنها عند التنفيذ وقفت عاجزة، او متواطئة، كما حصل مؤخراً في توزيع القمح والطحين وحرمان المواطنين من لقمة العيش.
المتلاعبون بالاسعار وبالسوق ككل، رفعوا اسعارهم قبل صدور القرار، وباتوا يحتسبون قالب الجبنة من الكماليات وايضاً اللحوم والدجاج والبيض وغيرها وغيرها، غير عابئين بتصريحات المسؤولين وتهديداتهم، لانهم يعلمون انها بلا مفعول. حتى المياه المعبأة احتسبت تسعيرتها بالدولار الاميركي فارتفع سعرها. وراحت الحكومة تبحث عن سلع اخرى ترفع اسعارها، فلم تجد امامها سوى الهواء ولما عجزت عن فرض تسعيره عليه لوثته بتراكم النفايات. المهم عندها ان توصل المواطن الى جهنم.
والخطير في الامر ان الحكومة، لم تفكر بهذا كله، بل كان همها تمويل الخزينة. وبدل ان تفكر في وسائل منتجة لا تضر بالمواطنين وبحياتهم اليومية، التي وصلت الى اسوأ الدرجات، اختارت الطريق الاسهل، ومدت يدها الى جيوب المواطنين المثقوبة، تبحث في زواياها عن اخر ليرة يمكن ان تكون باقية فيها. ونحن لا نتجنى عليها في قول ذلك، فنائب رئيس الحكومة سعاده الشامي قال ان سعر 20 الف ليرة للدولار الجمركي يمول الخزينة ويعطي القطاع العام ما يطلبه، ولا فائدة اذا كان السعر اقل. وهذا دليل قاطع على هدف الحكومة من القرار.
والاغرب ان القطاع العام الذي بات يعلم ان الدولة تريد ان تأخذ منه لتعطيه، يسير معها، تماماً كما حصل بالنسبة الى سلسلة الرتب والرواتب وعندما يتبين لهم سوء ما فعلوه يتملكهم الندم حيث لا يعود ينفع.
هذه هي نتائج رفع سعر الدولار الجمركي الى 20 الف ليرة، فاحذروا ايها المواطنون، فالحكومة تبحث عن مصالحها وتعمل على حماية كراسيها، وانتم ومصالحكم في اخر همومها، فعسى ان يظهر منقذ، يضع حداً لكل هذه الجرائم التي ترتكب بحق الشعب اللبناني.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق