تحقيق

العالم يستقبل منتحراً كل 40 ثانية… ولبنان كل ثلاثة ايام!

في اليوم العالمي لمنع الانتحار الموافق في 10 ايلول (سبتمبر) من كل عام، تهزنا من لبنان ومن كل انحاء العالم، ارقام صادمة، قاسية: ينتحر شخص كل 40 ثانية حول العالم، وفي لبنان ينتحر شخص واحد كل ثلاثة ايام، وفي المحصلة  800 ألف شخص يموتون سنوياً انتحاراً بوسائل مختلفة اكثرها تداولاً: شرب المبيدات الحشرية، الشنق أو إطلاق النار، ومنظمة الصحة العالمية تدق ناقوس الخطر: الانتحار يحصد أرواح أشخاص أكثر مما تحصده النزاعات العسكرية والكوارث الطبيعية!

لبنان ايضاً شارك امس في اليوم العالمي لمنع الانتحار، فاحصاءاته تؤكد انه ليس بعيداً عن اورشليم، لا بل هو في عين العاصفة، وان كانت إحصاءات منظمة الصحة العالمية، بشأن الانتحار حول العالم «صادمة»، يؤكد وزير الصحة اللبناني وائل أبو فاعور أن الصدمة قائمة  ايضا في ما يخص أرقام الانتحار في لبنان.
«تقع حالة انتحار في لبنان كلّ ثلاثة أيام»، حقيقة مروعة يكشفها الوزير الشاب مستنداً الى دراسة إحصائية قامت بها جمعية «إيمبرايس» بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت.
واكثر من ذلك، يلفت أبو فاعور بأسف شديد الى «طمس الكثير من حالات الانتحار، نتيجة بنيتنا الثقافية، وتركيبتنا الاجتماعية، وبعض الموروثات».

اطلاق حملة «اكيد رح فيق»
وكلام ابو فاعور جاء في مناسبة اطلاق قسم الطب النفسي وصندوق جمعية Embrace التابع للمركز الطبي في الجامعة الاميركية في بيروت اول حملة توعوية وطنية للوقاية من الانتحار، حيث ارتدت الحملة أهمية خاصة مع إظهار إحصاء قامت به Embrace مع الجامعة الأميركية في بيروت، أن شخصاً يموت في لبنان كل ثلاثة أيام عن طريق الإنتحار.

وتتضمن الحملة إعلاناً تلفزيونياً شعاره «أكيد رح فيق» يضم وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور، ومسيرة في الروشة لذكرى الأشخاص الذين فقدوا حياتهم بسبب الإنتحار في الخامسة من صباح الأحد الواقع في الحادي والعشرين من أيلول (سبتمبر) الجاري، تحت عنوان: «مع طلوع فجر يوم جديد». ويهدف شعار الحملة الإعلانية «أكيد رح فيق» إلى تحفيز الناس للصحو باكراً للإنضمام إلى المسيرة  والى جهود الوقاية من الإنتحار.
وسيتم استخدام التبرعات التي تجمع من المسيرة من أجل تمويل الخط الساخن للمساعدة على عدم الإنتحار وهو خدمة ضرورية غير موجودة حاليا في لبنان.

نحاس: ارقام مقلقة
رئيس قسم الطب النفسي في المركز الطبي في الجامعة الاميركية في بيروت الدكتور زياد نحاس الذي تحدث عن تجربة شخصية قائلاً ان شقيق زوجته انتحر في التاسعة عشرة من عمره، بعدما قام بحبس نفسه في سيارته حتى الاختناق. وبعد مضي سنوات عديدة، لا تزال لوفاته آثار كبيرة على العائلة، شكلت الحافز لهذا التحرك الهادف الى الوقاية من الانتحار.
وتابع الدكتور نحاس انه في لبنان، يموت شخص عن طريق الانتحار كل ثلاثة ايام، واصفاً هذا الرقم بالصادم لأن لبنان بلد صغير. ورغم ذلك، لاحظ نحاس ان هذا المعدل الصادم لا يمثل الواقع الحقيقي لأن الجوانب الاجتماعية والدينية والقانونية لثقافتنا تحد من الابلاغ عن حالات الانتحار. واضاف ان التحقيقات تظهر اتجاهاً مقلقاً في الفترة الاخيرة وتشير التوقعات لعام 2014 الى ارتفاع بمعدل 25 في المئة في حالات الانتحار عن السنوات السابقة. وقال: اذا كانت هذه التوقعات صحيحة، فيجب اعتبار انه في كل يومين وليس ثلاثة ايام، يموت شخص عن طريق الإنتحار.
وقال نحاس: «ليس صحيحاً أن كل من يقدم على الإنتحار يريد فعلاً أن يموت. فبالحقيقة كل ما يريده هو التخلص من الألم الذي يعانيه. ومن غير الصحيح أن الناس الذين يحاولون الإنتحار هم ضعفاء، أنانيون أو يحاولون مجرد الحصول على الإهتمام. فالحقيقة أن تسعين في المئة من حالات الإنتحار هي نتيجة شكل من أشكال المرض النفسي مثل الإكتئاب أو الإدمان على الكحول أو المخدرات أو مرض الفصام. وقد أطلقنا Embrace لأننا شعرنا أنه حان الوقت لأن نوصل الحديث عن الصحة النفسية والأمراض النفسية إلى جمهور أوسع».
وشدد نحاس على «أننا بحاجة طارئة لخطة عمل لتغيير مسار مرضانا. ويتحقق الأمل بالحد من الوفيات الناجمة عن الإضطرابات العقلية الخطرة من خلال الإنتحار وتعاطي المخدرات ومضاعفات الأمراض الطبية، من خلال إدراك أنه كما هي الحال مع الأمراض الطبية الأخرى، يجب تشخيص واستباق المرض النفسي قبل أن تصبح أعراضه مزمنة. لذلك يجب التدخل بوقت مبكر، كما يتم مع السرطان وأمراض القلب».

هاجس عالمي
ولبنان ليس وحده في الميدان، فهاجس الانتحار بات يقض مضجع العالم بأسره، اذ كشفت منظمة الصحة العالمية ان أكثر من 800 ألف شخص ينتحرون سنوياً على مستوى العالم، أي بمعدل شخص واحد كل أربعين ثانية، ويلجأ كثير منهم لاستخدام المبيدات الحشرية السامة  أو الشنق أو إطلاق النار لإنهاء حياتهم.
وفي أول تقرير دولي لوضع حد للانتحار، قالت المنظمة التابعة للأمم المتحدة، إن نحو 75 في المئة من حالات الانتحار تحدث بين أشخاص من دول فقيرة أو متوسطة الدخل، ودعت لبذل مزيد من الجهود لتقليل فرص الوصول إلى الأدوات الشائعة للانتحار.
وكشف التقرير أن حالات الانتحار تحدث في كل أنحاء العالم وفي أي فئة عمرية تقريباً. وأفاد أن الفئة العمرية الأكثر تسجيلاً للانتحار هي لمن تخطوا سن السبعين والشباب ما بين 15 و29 سنة.

الرجال اكثر انتحاراً
وافاد التقرير إلى أن معدلات الانتحار بين الرجال بوجه عام أعلى منها بين النساء. وفي الدول الثرية يبلغ عدد الرجال الذين ينتحرون ثلاثة أضعاف عدد النساء اللواتي يقدمن على ذلك.
وقالت مديرة المنظمة مارغريت تشان إن التقرير هو «دعوة للتحرك من أجل معالجة مشكلة كبيرة للصحة العامة اعتبرت من المحرمات لفترة أطول مما ينبغي».
وذكرت المنظمة إن الانتحار يحصد أرواح أشخاص أكثر من النزاعات العسكرية والكوارث الطبيعية.

انتحار المشاهير
وانتقدت المنظمة التغطيات الإعلامية المكثفة لحوادث انتحار المشاهير، موضحة أن ذلك يقدم الانتحار كحل للهروب من المشاكل التى يعانيها الشخص مما يشجع الفئات الهشة على الإقدام عليه.
كما وجهت ألكسندرا فليشمان، التى ساهمت فى تحرير التقرير، انتقاداً لاذعاً للطريقة التى يغطى بها الإعلام حوادث انتحار بعض المشاهير، والذين كان آخرهم الممثل الأميركي الشهير روبين ويليامز، وذكرت رئيسة الجمعية الدولية للوقاية من الانتحار إيلا أرنسمان أن خمسة أشخاص نجوا من حوادث انتحار فى السابق أكدوا أنهم عاودوا التفكير فى الأمر بعد مشاهدتهم للتغطية الخاصة بحادثة انتحار الممثل ويليامز.
وهذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها المنظمة الدولية تقريرا كهذا، إذ قامت بتحليل بيانات أشخاص أقدموا على الانتحار من 172 دولة لمدة عشر سنوات.
وحول هذه الظاهرة، قالت المنظمة العالمية إن الانتحار هو مشكلة صحية ونفسية لا علاج لها، وأكدت عجز الهيئات الصحية العالمية عن مناقشتها وإيجاد حل لها، مؤكدة ضرورة خفض الانتحار حول العالم بنسبة 10 في المائة بحلول عام 2020.
وطالبت المنظمة دول العالم بوضع استراتيجيات وطنية للوقاية من الانتحار،مبينة أن 28 دولة فقط من دول العالم لديها تلك الاستراتيجيات.

أعلى الدول تسجيلاً للانتحار

ووفقًا للتقرير، وجدت بعض أعلى معدلات الانتحار في وسط وشرق أوروبا وأسيا، مع وقوع 25% من الحالات في الدول الغنية.
ويبلغ المعدل الدولي 11،4 حالة انتحار على كل 100 ألف شخص، وتتقدمها قارة آسيا بمعدل 17،7. كما أن نسبة الانتحار في الدول المتقدمة (12،7) يعد أعلى من نسبة الدول الفقيرة (11،2). وفي ما يتعلق بالدول العربية حلت السودان بنسبة عالية جدا تقارب النسبة الآسيوية حيث أنها تعدّ من أعلى الدول تسجيلا للانتحار بـ 17،2 حالة على كل 100 ألف.
وفي آخر ترتيب للدول العربية وأقلها تسجيلاً لظاهرة الانتحار تأتي متساويتين كل من السعودية وسوريا. وإليكم الترتيب والنسبة من الأعلى حتى الأقل (النسبة لكل 100 ألف شخص):
السودان: 17،2، المغرب: 5،3، قطر: 4،6، اليمن: 3،7، الإمارات: 3،2، موريتانيا: 2،9، تونس: 2،4، الأردن: 2، الجزائر: 1،9، ليبيا: 1،8، مصر: 1،7، العراق: 1،7، عمان: 1، لبنان 0،9، سوريا: 0،4، السعودية: 0،4.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق