افتتاحية

قوانين تؤسس لثورة شعبية

يبدو ان نواب الامة الكرام، وبعد نوم عميق استمر اكثر من سنة، (ويا ليته استمر اكثر) بسبب جدول اعمال وضعه رئيس المجلس نبيه بري وصف بالفضفاض، فرفضته قوى 14 اذار لانه مخالف للقانون في ظل حكومة مستقيلة – ان النواب نسوا التشريع والقوانين، فما ان استأنف المجلس اعماله وعقد جلسات تشريعية، حتى اصدروا سلسلة قوانين جاءت في معظمها ناقصة او مخالفة او غامضة او بعيدة عن الواقع، لا يقرها عقل او منطق، فلم ترضِ احداً من المواطنين وخصوصاً اولئك الذين تتناولهم، لأنها جاءت جوائز ترضية لجهات محددة. فكتّاب العدل الذين يطالبون بالتثبيت سبق لبعضهم ان تقدموا لمباراة ولم يحالفهم الحظ لانهم نالوا علامات متدنية فجاء القانون الذي اقره مجلس النواب يعطيهم الحق الذي سقط منهم قانوناً. افليس هذا هتك للدستور وتجاوز للقانون؟ فكيف يجوز لمجلس ان يصدق على قانون يعطي من رسبوا سابقاً في مباراة الدخول الى مهنة كتّاب العدل، حق الدخول في مباراة محصورة؟
والحال لا يختلف كثيراً في قانون حماية المرأة من العنف الاسري، فانتفضت الجمعيات والهيئات المعنية رافضة القانون الذي اقره مجلس النواب وطالبوا رئيس الجمهورية بعدم التوقيع عليه واعادته الى المجلس، كما طالبوا رئيس المجلس باستعادة هذا القانون وتصحيحه.
اما مهزلة المهازل فتمثلت في قانون الايجارات. فبعد اكثر من اربعين سنة من الجدال العنيف تارة والهادىء احياناً، صدر قانون اقل ما يوصف به هو انه يمهد لمجزرة انسانية تطاول اكثر من ثمانمئة الف نسمة، اصبحوا مهددين في ان يلقى بهم في الشارع بعد سنوات قليلة دون اي تعويض يذكر، مع العلم ان معظم مستأجري الاملاك القديمة هم من كبار السن ولم يعودوا قادرين لا على الاقتراض ولا على شراء شقة لا حتى ولا على استئجارها، فالى اين يذهبون، خصوصاً وان في البلد اليوم اكثر من مليون ونصف المليون لاجىء سوري، ونصف مليون فلسطيني وكلهم ينافسون اللبناني على لقمة عيشه؟
واغرب ما في القانون الاسود انه لحظ انشاء صندوق لمساعدة اصحاب الدخل المحدود، اي الذين يقل معاشهم الشهري عن ثلاثة اضعاف الحد الادنى للاجور. وبحسابات بسيطة يتبين ان القانون يفرض على الدولة من خلال هذا الصندوق اعباء ضخمة اجمع الخبراء على القول، لا بل على التأكيد، بان الخزانة اعجز من ان تنفذ ما يتوجب عليها. فمن اين سيأتي التمويل لهذا الصندوق والدولة اصلاً واقعة تحت مبالغ طائلة من الديون فاقت الـ 65 مليار دولار؟
هل تفكر الدولة في فرض ضرائب جديدة تجمعها من جيوب المواطنين لدفع ما يوجبه القانون الاسود عليها؟ وهل ان اللبناني قادر في ظل هذا الركود الاقتصادي الذي لم يسبق للبنان ان شهد مثله على دفع المزيد من الضرائب؟ وماذا تقدم الدولة للمواطنين مقابل هذه الضرائب؟ لا شيء طبعاً. وهنا لا بد من الاشارة الى ان تمويل سلسلة الرتب والرواتب الموضوعة على نار حامية سيكون عبر فرض ضرائب جديدة لعل ابرزها رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة TVA من 10 الى 15 بالمئة ورفع رسوم الكهرباء واسعار المحروقات، على الاقل هذا ما تداولته وسائل الاعلام، وكلنا يعلم انه عندما ترتفع اسعار المحروقات ترتفع اسعار جميع المواد الغذائية فاي مجزرة يرتكبها النواب بحق ناخيبهم كرمى لسواد عيون كبار الملاكين واصحاب المشاريع الضخمة؟
ان الهدف من هذا القانون هو تفريغ بيروت الكبرى من الطبقة المتوسطة وما دون وقصرها على طبقة الاغنياء، فيبنون الابراج العالية والشقق الفخمة بعد ان يهدموا المنازل القديمة التي تكون قد فرغت من سكانها، اليس هذا هو المقصود؟
ايها المواطنون ويا ايها الناخبون، غداً سيحل موعد الانتخابات النيابية لتكوين مجلس جديد يخلف هذا المجلس الذي مدد لنفسه دون اي تفويض من الشعب صاحب الحق الشرعي، فهل حفظتم الاشخاص الذين عملوا على تشريدكم وتهجيركم، فتقطعون ايدكم قبل ان تسقطوا ورقتهم في صندوق الاقتراع؟
ان التحرك سيكون واسعاً في الايام القليلة المقبلة ضد هذا القانون الاسود وضد الذين اقروه والامل في ان يعيده رئيس الجمهورية اليهم لتصحيحه وانقاذ البلاد من مجزرة انسانية محتمة.
وفي الختام اين الخطة الاسكانية الواضحة التي وضعتها الدولة وبدأت بتطبيقها لتأمين سقف يأوي اليه المواطن، قبل ان يقصف بقوانين ظالمة ليس فيها شيء من الانسانية؟ باختصار يا ليت هذا المجلس بقي معطلاً لكان الضرر اقل بكثير على المواطنين. لان القوانين التي اقرت تؤسس لثورة شعبية لا يعرف مداها.

«الاسبوع العربي»

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق