سياسة لبنانية

لبنان يثقل كاهل اي انخراط اميركي في سوريا!

وسط الفوضى التي يشهدها الاقليم منذ عامين، وفي خضم النقاش الاميركي عن مدى القدرة على الانخراط العسكري في الحرب السورية، اطلّ في واشنطن من يدعو الى الركون الى التجربة الاميركية في لبنان، زمن الثمانينيات، قبل اتخاذ اي قرار بالانخراط العسكري المباشر في سوريا.

يقدّم تقرير بحثي اميركي مقاربة سلبية حيال امكان مشاركة الولايات المتحدة في الحرب السورية، طارحاً استنتاجات واستخلاصات من المشاركة الاميركية في الحرب اللبنانية في العام 1983، زمن القوات المتعددة الجنسيات. ويحض التقرير الادارة في واشنطن على استخلاص العبر من قرار الرئيس الراحل رونالد ريغان المشاركة في الفوضى اللبنانية، وما ترتب عليه لما وصفه التقرير «هزيمة الولايات المتحدة في مواجهة حزب الله».
ويشير الى ان «التعبير عن القلق على سوريا، استُتبع في واشنطن بقلق من نوع آخر يتمثل في امكان انتقال الحرب الأهلية السورية إلى الدول المجاورة، ولبنان، لأسباب جغرافية مادية وعرقية، غالباً ما يتم ذكره باعتباره قابلاً لهذا الانتشار. لكن من التكهنات المفيدة حول ما يمكن ان تؤدي اليه الحرب الأهلية السورية بلبنان، التفكير والنظر في احتمال ان تنتج الأحداث الجارية في سوريا حرباً أهلية مفترضة في لبنان. ولا شك في ان واشنطن سبق ان مرّت بالمشهد اللبناني ذاته، قبل ثلاثين عاماً، زمن رئاسة رونالد ريغان».

ظواهر
ويلفت الى انه «في بداية ثمانينيات القرن العشرين، كان لبنان يعاني من ظواهر القتال بين الميليشيات الطائفية، عاكساً بذلك الخلاف بين الطوائف حول عدالة اتفاقات تقاسم السلطة بين مجموعاتها. وكان الغزو الاسرائيلي للبنان في العام 1982، بمثابة المحفّز للوعاء الطائفي المضطرب. حينها كانت الأهداف الإسرائيلية الرئيسية المعلنة، على الأقل، التصدي لمقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية التي جعلت لبنان مقراً لها منذ طردها من الأردن قبل عقد من الزمن، اثر خسارتها المواجهة مع الملك حسين، في ما عرف حينها بايلول الاسود. في ذلك الوقت، في آب (اغسطس) 1982، دخلت الى لبنان قوة صغيرة متعددة الجنسيات من الجيوش الاميركية والفرنسية والإيطالية، وأشرفت على اخراج منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس من خلال ترحيلها عبر السفن في البحر الأبيض المتوسط. لكن الأهداف الإسرائيلية لم تقتصر فقط على اخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان. مع ذلك، ظلت القوات الإسرائيلية عالقة في شرك القتال الطائفي، مع حصارها بيروت. وكانت لرئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن أفكار من نوع محاولة الحفاظ على دولة في الشمال تحكمها حكومة او سلطة حليفة لها».

المحفّز
يضيف التقرير: «حفّزت الاحداث اللبنانية والفوضى التي لحقت اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل، إدارة ريغان على تنظيم قوة جديدة متعددة الجنسيات شملت في نهاية المطاف 1800 من مشاة البحرية الاميركية اضافة الى القوات الفرنسية والإيطالية. وحققت القوة المتعددة، في البداية، بعض النجاح، وعملت على تشكيل منطقة عازلة بين المجموعات المتصارعة والمتنافسة. لكن التدخل أصبح لاحقاً مثالاً نموذجياً يحتذى عن مخاطر استدراج واشنطن إلى التزامات ومساع ذات تكلفة كبيرة، في مساحة فوضوية، كما حال لبنان في ذلك الوقت. وشملت قواعد الاشتباك العسكري للولايات المتحدة، ليس فقط مشاة البحرية، لكن أيضاً القتال بين الطائرات الاميركية المحمولة بحراً والقوات السورية التي دخلت أصلاً لبنان كجزء من قوة حفظ السلام التابعة لجامعة الدول العربية. حتى انه في مرحلة معينة، استخدمت المدافع ذات الـ 16 بوصة المحمولة على متن البارجة الحربية نيو جيرسي، وادخلت في مسار الحرب. غير ان استخدام كل هذه المعدات العسكرية المتطورة والشديدة البأس، لم يكن ذا جدوى. اذ انه في نيسان (أبريل) 1983 فجر انتحاريون شاحنة مفخخة في السفارة الاميركية في بيروت، مما أسفر عن مقتل 63 شخصاً. بعد ستة أشهر، استُخدمت شاحنة مفخخة أخرى ضد مساكن القوات الاميركية المنتشرة في ثكناتها، بالتزامن مع هجوم متطابق ضد القوات الفرنسية. قتل 241 جندياً أميركياً في أعنف هجوم إرهابي ضد مواطني الولايات المتحدة حتى الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001. حينها زادت ضغوط الكونغرس على الإدارة للانسحاب من لبنان، حتى غادرته القوات الاميركية بعد اشهر من التفجيرات، في شباط (فبراير) 1984. واستمرت الحرب الأهلية هناك اعواماً عدة حتى تسببت بإنهاك الجماعات المتقاتلة، مما اتاح الوصول لاحقاً إلى اتفاق سياسي جديد (اتفاق الطائف) توسطت فيه المملكة العربية السعودية وسوريا».

الشبه
يتحدث التقرير البحثي الاميركي عن «بعض أوجه الشبه بين التجربة الاميركية السيئة في لبنان والوضع الراهن في سوريا، وهو تشابه واضح جداً. اذ هناك التعقيد الشامل للصراع. وهناك أيضاً إسرائيل المستفيدة من الحرب الأهلية القائمة في الدولة المجاورة لها، والساعية الى تحقيق أهداف خاصة بها، سواء أكانت تحطيم الجيش السوري أو اعتراض خطوط إمداد «حزب الله» بالاسلحة والدعم العسكري، بصرف النظر عن مقدار اسهام الاعمال والافعال الاسرائيلية في تصعيد الحرب. وإذا كان الكثير من الحبر قد سال في واشنطن حول سوريا منذ الهجمات الإسرائيلية (المفترضة) على سوريا، يظهر مرة أخرى هذا النمط من الإجراءات الإسرائيلية الذي من شأنه ان يزيد فرص الولايات المتحدة بالتورط في الفوضى».

ويأمل «أن يكون أولئك المسؤولون الاميركيون الذين يتطلعون للوصول الى الفوضى، اكثر فطنة من مسؤولي العام 1982 لناحية استخراجهم واستخلاصهم ما ستنتهي اليه الحرب السورية والتورط فيها. علاوة على ذلك، يجب على أولئك الذين يتحدثون عن الأضرار التي لحقت بهيبة الولايات المتحدة أو مصداقيتها، أن يستحضروا التجربة الاميركية في لبنان. اذ ان سحب القوات الاميركية من بيروت في العام 1984، وهو كان الشيء الأقل سوءاً التي قامت به إدارة ريغان، شكّل هزيمة للولايات المتحدة في مواجهة «حزب الله». ولا توجد وسيلة لتلطيف هذا الاستنتاج. كان الانسحاب مجرد نوع من انواع الرضوخ إلى الأشرار، الامر الذي كثيراً ما سمعنا أننا في حاجة إلى تجنبه. كان من الممكن تجنب هذه الهزيمة في لبنان لو ان الولايات المتحدة لم تقرر، في المقام الأول، ومن ثم لو لم تشارك في الفوضى اللبنانية، أو حتى لو ان اسرائيل لم تزد طينة هذه الفوضى بلة، في سياق سعيها العقيم الى تأمين امنها المطلق».

مجدداً في بيروت
بالتزامن مع هذا القلق الاميركي، تكثف واشنطن الرسمية حضورها السياسي والديبلوماسي في بيروت. وكان لافتاً الاتصال الذي اجراه وزير الخارجية جون كيري برئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، في السابع والعشرين من حزيران (يونيو). وفي البيان الاميركي الرسمي ان كيري، ناقش مع سليمان «التطورات الأخيرة في لبنان والمنطقة. وشكر له قيادته، وشدد على أن الولايات المتحدة ملتزمة تماماً دعم جهود الرئيس للحفاظ على أمن لبنان وسيادته. كما بحث الرئيس سليمان والوزير كيري الحوادث الأمنية الأخيرة في لبنان. ودان الوزير الهجمات ضد القوات المسلحة اللبنانية (الجيش اللبناني) في صيدا في 23-24 حزيران (يونيو) وقدم تعازيه عن الـ 17 جندياً الذين قتلوا في أعمال العنف. وأكد الوزير كيري التزام الولايات المتحدة تقديم المساعدة المستمرة للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي. كما شكر الرئيس على كرم الشعب اللبناني في استضافة مئات الآلاف من اللاجئين، وأكد أن الولايات المتحدة ستواصل دعم الأمم المتحدة وغيرها من الجهود لرعاية اللاجئين.
وناقش الوزير والرئيس سليمان أيضاً الزيادة الأخيرة في الحوادث عبر الحدود مع سوريا، واتفقا على أنه يتحتم على كل الأطراف في المنطقة الامتناع عن أي عمل من شأنه أن يجرّ لبنان الى الصراع في سوريا. وأشار كيري الى أن الولايات المتحدة ستتخذ كل الخطوات اللازمة لتشجيع المجتمع الدولي على مواصلة تعزيز – بقوة – حماية سيادة لبنان واستقلاله والأمن».
يأتي هذا الاتصال الاميركي، الذي تزامن مع زيارة نائب وزير الخارجية وليم بيرنز على رأس وفد رفيع، وقبله بيومين مساعدة وزير الخارجية لشؤون اللاجئين والهجرة آن ريتشارد، بعيد الاعلان عن تعيين الادارة الاميركية الديبلوماسي ديفيد هيل سفيراً في بيروت، خلفاً للسفيرة مورا كونيللي، والذي سيتسلم مهامه خلال الصيف فور موافقة الكونغرس.
ويعتقد محللون ان هذا السلوك الرئاسي الاميركي بتفعيل الحضور الديبلوماسي «ينطوي على تبدّل في سلوك واشنطن تجاه لبنان، ويرتبط حكماً بما تحضّر له في سوريا، اثر مؤتمر الاصدقاء الذي انتهى الى مقررات دعم علني وسري للمعارضة، اذ ان الادارة الاميركية، بلا ادنى ريب، تسعى الى تحضير الارضية الملائمة لمواكبة اي انخراط لها في الاحداث السورية، حفظاً للجوار من التداعيات المحتملة. كما انها من دون شك تحتاج الى خبير ديبلوماسي لمواكبة اي قرار مغاير بالابتعاد تدريجاً عن الملعب السوري. لذا كان تعيين هيل المتبحّر في الشأنين اللبناني والسوري، زمن عمله في بيروت في تسعينيات القرن العشرين، والقادر على مواكبة اي قرار اميركي والتحضير له، من ضمن الحفاظ قدر الامكان على الاستقرار اللبناني، او ما بقي منه، نظراً الى معرفته الشخصية بمروحة واسعة من السياسيين اللبنانيين، في كلا فريقي الصراع، وادراكه الكثير من خبايا السياسة اللبنانية وزواريبها».
ويتوقع المحللون دعماً اميركياً استثنائياً ومتدرجاً لرئاسة الجمهورية ولمؤسسة الجيش اللبناني، بإعتبارهما الضنينين على استقرار الحد الادنى، إن من خلال التزام افرقاء الصراع اللبناني باعلان بعبدا القاضي بتحييد لبنان عن الصراع في سوريا، او عبر تعزيز دور الجيش وتسريع وتيرة دعمه بالامدادات والتجهيزات العسكرية اللازمة بإعتباره ضامناً للامن والاستقرار.
وثمة من يذهب الى حد تشبيه المرحلة التي تنتظر هيل في بيروت، بالمرحلة التي واكبها السفير جيفري فيلتمان، والتي شهَدت في العام 2005 انسحاب الجيش السوري والتغييرات الكثيرة التي لحقت بلبنان بين العامين 2004 و2008.

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق