رئيسي

ما الذي يجعل كيري يتحدث بثقة عن حل فلسطيني – اسرائيلي من الآن وحتى نيسان؟

حطت طائرة وزير الخارجية الاميركي جون كيري مجدداً في اسرائيل، خلال الاسبوع الماضي، واجرى جولة محادثات مع المسؤولين الاسرائيليين ومع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في محاولة جديدة منه بغية اعطاء المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية دفعة جديدة.

 هذا الامر ليس جديداً، فزيارة كيري الى الاراضي المحتلة هي السادسة من نوعها، لكن الجديد هذه المرة ان يختتم رئيس الديبلوماسية الاميركية زيارته للمنطقة بالاعراب عن امله في التوصل الى اتفاق سلام بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني في حلول نهاية شهر نيسان (ابريل) المقبل.
لذا، فإن السؤال المطروح بإلحاح هو: ما هي العوامل الخفية والمعلنة التي تجعل من كيري على هذه الدرجة من الثقة بالنفس، لكي يحدد موعداً زمنياً ثابتاً، ربما للمرة الاولى في تاريخ عمليات التفاوض الطويلة المستمرة منذ اكثر من نحو ثلاثة عقود بين الاسرائيليين من جهة، والفلسطينيين من جهة اخرى برعاية اميركية؟
اللافت ان الجانب الفلسطيني حرص بعد وقت قصير جداً على كلام كيري التفاؤلي، ان يعلن على لسان اكثر من مسؤول في السلطة صراحة بأن آخر لقاء بين كيري والرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يحقق اي اختراق، وان الهوة بين الجانبين الاميركي والفلسطيني ما زالت «واسعة وكبيرة»، اذ ان الطرف الفلسطيني استمر على رفضه المطلق للشق الامني من خطة يعتزم كيري تقديمها في نهاية الشهر الجاري والتي صار معلوماً انها تقوم على اساس بقاء السيطرة العسكرية الاسرائيلية على المواقع الحساسة وعلى الحدود في الضفة الغربية لمدة عشر سنوات.

ماذا تخبىء اميركا؟
وعليه، فإن السؤال يظل متمحوراً حول: ماذا تخبىء الادارة الاميركية في جعبتها من مفاجآت لكي يكون وزير خارجيتها على هذا المستوى من الثقة بالمستقبل القريب (اي بعد نحو اربعة اشهر) والذي سيحمل خاتمة سعيدة للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي من خلال اقرار اتفاق سلام طال انتظاره الى درجة ان الكثيرين توقعوا سلفاً الا يبصر النور اطلاقاً؟
قد لا يصح في هذا السياق ان يتم تطبيق  قصة «جحا والملك والحمار» الشهيرة، فالرهان هو اشهر لا تتجاوز عدد الاصابع الخمسة والذي يحدد المهلة هو زعيم الديبلوماسية في اكبر دولة في العالم، اخذت على عاتقها مهمة الاشراف على مسار مفاوضات لأعقد قضية في العصر الحالي ولأطول صراع خلال القرنين الماضيين.
لذا فإن الكلام الاميركي الجديد حول الحل في خلال فترة زمنية قصيرة، امر يستحق التوقف عنده والبحث في خفاياه وسبر اغواره ليبنى على الشيء مقتضاه في الاشهر المقبلة.
لا بد لأي مراقب ان يتوقف استهلالاً بإعجاب امام هذه المتابعة الاميركية الدؤوبة لمسار مفاوضات  الجولة الاخيرة الفلسطينية – الاسرائيلية، وامام هذا الحرص الاميركي الذي تم الالتزام به بإبقاء نتائج هذه المفاوضات بعيدة عن اضواء وعدسات الاعلام حتى لا يكون هناك مجال امام المتفاوضين لكي يفشوا الاسرار، وينقلوا التفاوض الجاري الى صفحات الاعلام، فيجعلوه تراشقاً وسجالات كلامية تبدد الايجابيات التي يمكن ان تظهر من جهة، وتعمق التناقضات والتباينات من جهة اخرى.

اصرار اميركي
ويضاف الى ذلك العنصر المستجد، وهو حرص واشنطن عبر كيري على ضخ الروح في هذه المفاوضات كلما شعر المعنيون بأن الطرفين المعنيين يكادان يخرجان عن شرط التزامهما بالصمت، وبالتالي يخرجان الى الملأ ليعلنا ان الامور ما زالت تراوح في مكانها، وانه من العبث بمكان البقاء على طاولة التفاوض.
وبناء على هاتين الواقعتين يبدو جلياً لأي متابع عن كثب لمسار التفاوض الاسرائيلي – الفلسطيني منذ ان انطلق قطاره، اصرار ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما على تحقيق «الانجاز التاريخي» انفاذاً لوعده التاريخي الذي اطلقه للعرب والمسلمين في ولايته الرئاسية الاولى عندما زار القاهرة، واعلن انه عازم على تحقيق ما عجز عنه اسلافه منذ مطلع العقد التاسع من القرن الماضي على تحقيقه، وهو اتفاق سلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين يضمن للشعب الفلسطيني دولة في اراضي الضفة الغربية التي احتلتها القوات الاسرائيلية في حرب حزيران (يونيو) من عام 1967.
آنذاك استبشر البعض من كلام اوباما، في ما رآه البعض الاخر انه مجرد وعد سيظل حبراً على ورق، بانياً تشاؤمه هذا على امر اساسي يكاد يكون مسلمة بالنسبة الى كل العرب والمسلمين وهو ان اي ادارة اميركية ستكون اعجز من ان تفرض على تل ابيب الالتزام بموجبات اي اتفاق مع الفلسطينيين بما يعنيه ذلك من تنازلات.
ولم تكن تجربة جولات المفاوضات التي حصلت قبل ثلاث سنوات الا واقعاً يعزز تشاؤم المتشائمين، فإسرائيل لم تلتزم بوقف عمليات الاستيطان الا لبعض الوقت، ثم عادت سيرتها الاولى ضاربة بعرض الحائط كل تمنيات الراعي الاميركي.

انتظار وتريث
وفي كل الاحوال، ثمة من يرى ان تصرفات كيري وسلوكه والاصرار الذي يبديه لدفع الامور في اتجاه فتح آفاق الحل المنشود في الموعد المعطى نهاية جولة المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية الحالية انما هي تنطلق من اسس راسخة وقواعد ثابتة، وعليه لا بد من الانتظار والتريث في اطلاق الاحكام.
ومما يدعم هذه الوجهة، ان الادارة الاميركية الحالية وضعت نفسها في الآونة الاخيرة امام تحديين كبيرين على مستوى الشرق الاوسط الاول على اتصال بالاتفاق حول الملف النووي مع طهران والذي خضع اخيراً لاختبار قاس بعد القرار الاخير للكونغرس الاميركي بفرض المزيد من العقوبات على شركات واشخاص ايرانيين، والثاني التفاهم مع روسيا حول مآل الوضع في الساحة السورية في ضوء التفاهم الذي جرى لحل ملف الاسلحة الكيماوية السورية.
وثمة من يذهب بعيداً في الاعتقاد عندما يستنتج ان هذه الملفات الثلاثة هي تقريباً متكاملة لا يمكن الا ان تسير معاً، او تتوقف معاً، واستطراداً لا يمكن ان يتوقف ملف وتسير الملفات الاخرى، وخصوصاً ملف التفاوض الفلسطيني – الاسرائيلي الذي صار بإعتراف الجميع المحور الاساس للملفين الاخرين.

معطيات
ولا ريب في ان الادارة الاميركية تجد الفرصة الذهبية في هذا التوقيت بالذات لتمرير اتفاق السلام المنتظر بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وذلك لجملة اعتبارات ومعطيات فرضت نفسها في الاعوام الثلاثة الماضية، ابرزها:
– ان العواصم والقوى التي يمكن لها ان تؤثر سلباً على بلوغ المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية مرحلة الحل هي الان مستغرقة في مشاكلها وغير قادرة على رسم حالة اعتراض كما في الاعوام السابقة على مسار هذه المفاوضات.
فإيران، قررت اخيراً وتحت وطأة تصاعد العقوبات الاقتصادية الغربية عليها، ان تنخرط في تسوية مع الدول الكبرى وان تعيد النظر في كثير من خياراتها وحساباتها وعلاقاتها السابقة.
وبمعنى آخر، تعرف طهران اكثر من سواها انها الان تحت المجهر الغربي وان اي حراك تصعيدي من الان فصاعداً سينسحب عليها، وسيكون نقطة سلبية في ملف التسوية بينها وبين الدول الكبرى ذات الصلة بملفها النووي.
اما سوريا، فهي منذ نحو ثلاثة اعوام في حالة انعدام وزن، بعدما اشتعلت فيها نيران المواجهات مع المجموعات المسلحة المعارضة وليس في الافق ما يدل على ان نهاية مأساتها ونزيفها قريبة، فضلاً عن انها فقدت اوراق قوتها على المستوى الفلسطيني، وبالتحديد بعد خروج حركة «حماس» من يدها ونقل قيادتها من دمشق الى مكان آخر.
اما حركة «حماس» التي كانت في الاعوام السابقة يُحسب لاعتراضها على مسار المفاوضات حساب كبير، فهي الان تعيش في اسوأ مراحلها حيث ان قيادتها في غزة محاصرة ، وحيث انها فقدت العديد من مصادر الدعم وخف ألقها وحضورها الذي كان في السابق بارزاً وحاسماً، وباتت في موقع الدفاع عن النفس، وخصوصاً عند سقوط نظام الرئيس المصري المعزول محمد مرسي.

حزب الله
اما «حزب الله» فهو ما زال قوياً ولكنه يظل جزءاً من المحور، وليس اساساً في هذا المحور وهو بالتالي لا يستطيع اللعب بمفرده اذا كانت بقية حلقات المحور في حالة استغراق وانشغال، او على الاقل في حالة دفاع عن النفس، وليس في موقع القادر على اخذ المبادرة والهجوم او في حال القدرة على رسم خط اعتراض على مسار تفاوضي تجد فيه ما يخدم توجهاتها ومصالحها.
وفي الوقت عينه، فإن حليف واشنطن الاول وهو اسرائيل، لم تعد في الموقع السابق عينه حيث كان في مقدورها فرض شروطها واملاءاتها على الراعي الاميركي.
واللافت انه في كل مرة تقرع في العاصمة الاميركية اجراس انذار لاسرائيل من مخاطر يخبئها لها المستقبل وليس في مستطاع واشنطن ان تفعل لها شيئاً، يكون ذلك رداً على تعنت اسرائيل في مجال المفاوضات مع الجانب الفلسطيني.
ومع كل هذه المعطيات والوقائع التي صارت ثابتة وراسخة يظل من الصعب على الكثير من المراقبين ان يثقوا بكلام كيري في ان الربيع المقبل هو ربيع الوعد بحل سلمي للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، اذ ان الامر ما زال يحتاج الى كثير من الاختبارات ويحتاج اولاً وقبل كل شيء الى ايجابية من الجانب الفلسطيني، تقول من خلالها القيادة الفلسطينية التاريخية، اي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، بأن سنابل السلام اينعت، واللافت ان هذه القيادة ما زالت تعتصم بالصمت وتقلل من اهمية الكلام الاميركي الكبير.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق