لبنان برسم الاستملاك السياسي
يتساءل الكثيرون لماذا لبنان بلا رئيس منذ حوالي السنة ونصف السنة، وليس في الافق ما يوحي بانه مقبل في القريب المنظور الى انهاء الشغور؟
الجواب بات معروفاً لدى الداخل والخارج. هذا البلد سيطرت عليه طبقة سياسية، بعيدة جداً عن المصلحة الوطنية، راح كل طرف منها يعمل من اجل مصالحه الخاصة، على حساب الوطن والشعب. فقسمت البلد الى حصص برسم الاستملاك السياسي، اكبرها رئاسة الجمهورية، حتى اصبحنا في السنوات الاخيرة نشهد معارك سياسية طاحنة من اجل السيطرة على هذه الحصة الدسمة، فكأن الرئيس بات جزءاً من هذه الحصة، يخضع للاستملاك، دون ان يكون له رأي في ما يجري. وهذا واقع اذا كان الشخص المرشح للرئاسة «مستقتلاً» للوصول، همه الوحيد ليس الحكم وادارة البلد وجعله قبلة الانظار يقصده الجميع ويحلم اي انسان بالعيش فيه كما كان قبل تحكم هذه المنظومة، وقيل «هنيئاً لمن له مرقد عنزة في لبنان»، اذا كان اقصى طموحه هو ان يحمل لقب «صاحب الفخامة»، عندها يسهل الامر على داعميه فيجلس في بعبدا، ويتخلى عن كل شيء لصالح الذين كان لهم الفضل في ايصاله الى حيث ما هو. وبذلك تخسر الرئاسة هيبتها وتتحول الى سلعة تسهل المتاجرة بها. هذه السياسة التي اتبعتها المنظومة على مدى عقود، دمرت البلد وافقرته وجوعت شعبه، ودفعته الى الهجرة. فاللبناني اعتاد على العز، وهو كريم النفس ابي، يرفض ان يعيش في الذل. لذلك ساهمت الهجرة في افراغ البلد من قدراته الهائلة وبدل ان يستفيد هو منها، توزعت على دول الانتشار فلمعت الكفاءات اللبنانية في عدد كبير من دول العالم، واحتلت اعلى المراكز في السياسة والعلوم والطب والثقافة، وفي شتى الميادين. وهكذا تحول لبنان من «سويسرا الشرق» الى ساحة مستباحة لكل عابر سبيل، ومن «جامعة العرب ومستشفاهم ومصرفهم» الى مراتع للجهل والتبعية، والى دولة يموت ابناؤها على ابواب المستشفيات، دون ان يلتفت احد اليهم. انها بالفعل صورة سوداء محزنة، الشعب وحده يشعر بها، اما الطبقة السياسية فحتى الساعة لا تزال تتبع الاسلوب التدميري اياه، وسيأتي يوم لم يعد بعيداً فينهار البلد على رؤوس الجميع ليقول العالم لهذه الطبقة السياسية:
اعطيت ملكاً لم تحسن قيادته كذا من لا يسوس الملك يخلعه.
وعندها سيبكون مثل النساء على ما اضاعوه عن جهل ومصلحة خاصة. هذه الطبقة اياها منقسمة حالياً حول الانتخابات البلدية، ومهما تذرعت الفئة التي لا تريد الانتخاب، بالحرب الدائرة في الجنوب، فان الاسباب باتت مكشوفة امام الجميع. هناك تيارات سياسية واحزاب فقدت شعبيتها وهي لا تزال تكابر، واي استفتاء شعبي، سواء كان انتخاباً بلدياً او غيره، سيكشف حقيقتها. وهذا ما لا تريده، لكي لا تخسر الاوراق التي جمعتها خلال استيلائها على الحكم ومواجهتها مع الاخرين. وهكذا يفقد البلد ورقة رابحة جديدة. فالبلديات هي اليوم على رأس الادارات الرسمية المهمة في ظل هذا الانهيار الكامل للدولة ومؤسساتها. انها الوحيدة الباقية واقفة على قدميها، وليس بفضل الدولة بل بفضل ابنائها، لانهم هم الذين يحكمونها. وبالتالي يمكن التعويل عليها للنهوض. ولكن المصالح الخاصة عند البعض اهم من البلد والشعب والبلدية.
الحل بالطبع بات معروفاً وهو بيد الشعب، رغم انهم دمروه وجردوه من كل قواه وهجروه، فلينزل الى الساحة ويخوض معركة الحق، ويخلع هذه الطبقة التي افسدت كل شيء، وبذلك يعود الامل باعادة البناء والنهوض من هذا الجحيم الذي رمونا فيه. وعندها ينكفىء، تجار السياسة ويسود العدل. وقد عرف لبنان في العقود الماضية رؤساء اوصلوه الى القمة فكان صاحب الكلمة المسموعة في الامم المتحدة وجامعة الدول العربية وكل المحافل الدولية. ولا يزال اللبنانيون يتحسرون على تلك الايام التي عبرت فهل تعود يوماً؟
«الاسبوع العربي»