افتتاحية

من اقفل مدرسة فتح سجناً

«من فتح مدرسة اقفل سجناً». شعار قديم كان معمولاً به في الزمن الجميل، يوم كان لبنان في عز مجده، دولة حرة، مستقلة، يتمتع بكلمة مسموعة في مختلف اصقاع الارض. وكان للعلم والثقافة المكانة المحترمة، فانشئت المدارس وجاءت الارساليات الاجنبية وساهمت في هذا القطاع، الذي له الدور الاول في تثقيف الشباب اللبنانيين ومساعدتهم على بناء مستقبلهم.
على مر السنين تغير لبنان، جراء تعرضه لحروب واحتلالات، فقد معها ميزاته التي اشتهر بها. فهو كان جامعة الشرق، ومستشفى الشرق ومنارة لا يغيب وهجها، واذا به ينقلب الى صورة عكسية، يفقد معها كل شيء. وكان للتربية نصيبها من هذا التدهور، حتى اصبح يصح فيها القول «من اقفل مدرسة فتح سجناً». انه الشعار المعكوس فرضته الظروف التي اصابت الانسان اللبناني في الصميم. فالمدارس والجامعات التي كان يؤمها الطلاب من مختلف الدول العربية، نظراً لمستوى التعليم العالي فيها، تحولت في هذا الزمن الرديء الى مراكز تجارية، همها الكسب المادي، على حساب مستقبل الشباب. فاذا شعرت للحظة ان ارباحها عرضة للانخفاض، تسارع الى فرض اقساط تفوق المعقول، ولا تقبلها الا بالدولار الاميركي. في حال عارض الاهل يكون التهديد بطرد ابنائهم حاضراً، دون الالتفات الى عواقب هذه التدابير القاتلة. فالمصلحة الخاصة تتقدم على ما عداها، وتصبح مصلحة الطلاب في الدرجة الثانية، هذه السياسة الخاطئة دفعت الاهالي الى سحب اولادهم من المدارس الخاصة، لانه لم يعد بمقدورهم دفع الاقساط الباهظة. ولكن الى اين سيذهب هؤلاء؟ لم يعد امامهم سوى المدارس الرسمية او الشارع، مع العلم ان التعليم الرسمي تلقى ضربة قاضية بسبب الاضرابات التي تمتد الى اسابيع واشهر احياناً، ويحاول المعلمون طمأنة الاهل بانهم سيعوضون على اولادهم، وتنقضي السنة دون ان تنجز البرامج المحددة. فانهار التعليم وفقدت الشهادة اللبنانية الرسمية قيمتها، ولم يعد ينظر اليها بعين الاحترام والرضى، وهذا ما يعاني منه الطلاب اللبنانيون الذين يغادرون الى الخارج لتحصيل علمهم.
والمدارس ليست وحدها المسؤولة عن هذا التدهور التربوي، بل ان المعلمين يلعبون دوراً لا يقل سلبية. ذلك انهم اسوة باصحاب المدارس باتوا يبغون الربح على حساب التعليم وهم جاهزون دائماً لاعلان الاضراب دون الالتفات الى مصلحة طلابهم.
اليوم هناك خلاف بين المدارس والمعلمين، ليس على تطوير البرامج ورفع مستوى التعليم، بل على الرواتب والاجور والتعويضات والمكاسب المادية. فالمدارس تكدس المال بعيداً عن الشفافية في موازناتها، والمعلمون يتنقلون من مطلب الى اخر. واما الطلاب فعليهم ان يدفعوا الثمن مادياً بزيادة الاقساط تحت التهديد كما اسلفنا، وتربوياً بضياع الايام، فلا يحصلون من البرامج المقررة سوى نسبة ضئيلة. من يحميهم؟ طبعاً لا احد. فالدولة غائبة والشعب اللبناني متروك لمصيره، ولا من يسأل. «العلم نور» كلام اصبح بعيداً عن الواقع فمن يحاسب ومن يعيد الى لبنان دوره، ونوابه يرفضون حتى انتخاب رئيس له؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق