شعار اممي بلا مضمون
يوماً بعد يوم تؤكد الاحداث سوء النظام الدولي، وتدفع الى المطالبة الملحة بضرورة تعديله، وما يجري في غزة دليل ساطع. لماذا هبت دول الغرب باسرها، وعلى رأسها الولايات المتحدة للدفاع عن اسرائيل الدولة الغاصبة، التي عرفت منذ انشائها وزرعها في هذه الارض المقدسة بعدوانها، مشجعة اياها على الاستمرار في هذا النهج. لماذا اسرائيل؟ ويأتي الجواب سريعاً لانها غير قادرة على مواجهة الدول الاسلامية والعربية التي تسعى الى الاقتصاص منها. والامم المتحدة انشئت لحماية الضعيف. انه كلام يطمئن الجميع، وخصوصاً الدول الصغيرة والمستضعفة، لو كان يطبق سواسية على الجميع. الا ان الوقائع على الارض لا توحي بذلك. لقد مرّ لبنان وعلى مدى عقود طويلة بحروب واحداث تتطلب الدعم الخارجي الذي لم يصل ولن يصل ابداً.
اين كانت تلك الدول التي تظهر هذه الغيرة على اسرائيل وشعبها يوم اعتدت على لبنان في العام 2006 في ما يسمى بحرب تموز، فاستخدمت آلتها الحربية كلها فقتلت وهدمت ودمرت، دون ان تصدر كلمة واحدة من هذه الدول، لتلجم هذا الدمار الهائل؟ واين كان مجلس الامن يومها وهو المكلف بحماية حقوق الضعفاء والمظلومين، فلم يصدر قرار يدعو لوقف اطلاق النار ولو من باب رفع العتب، الى ان تبين له ان العدو غير قادر على تحقيق مآربه، فصدر القرار 1701 الذي لم تحترمه الدولة المعتدية وهي تستمر في انتهاكه يومياً.
ثلاثة وثلاثون يوماً ونحن نتلقى اقسى الضربات واشدها جواً وبحراً وبراً وارضاً، ولم تتحرك دولة واحدة للوقوف الى جانبنا وتخفيف العبء علينا؟ اين كانت هذه الدول في تفجير المرفأ الذي ذهب ضحيته 230 قتيلاً واكثر من سبعة الاف جريح، لا يزال بعضهم يعانون حتى اليوم، كما اصيب عدد كبير بعاهات دائمة، وقد دمر نصف العاصمة وتشرد سكانها؟ وبدل ان تقف الدول التي هبت اليوم للدفاع عن اسرائيل، التي لم تسلم دولة عربية واحدة من شرورها، هذه الدول رفضت حتى اعطاء القضاء اللبناني صور الاقمار الاصطناعية عن الانفجار، وقد تردد ان موقفها هذا هو من اجل حماية اسرائيل التي كما قال كثيرون ان لها يداً في هذا التفجير. وحتى هذه الساعة ترفض هذه الدول عبر الامم المتحدة تشكيل لجنة تقصي الحقائق لكشف ملابسات هذا العمل الاجرامي، الذي وصف بانه من بين اضخم ثلاثة انفجارات غير نووية في العالم.
منذ سنوات ولبنان غارق في ازمات وصفت بانها جهنم، سياسياً واقتصادياً ومالياً ومعيشياً، هل امتدت يد واحدة من الدول لانتشاله مما هو غارق فيه؟ على العكس تماماً تخلى الجميع عنه واداروا له ظهورهم وتركوه يتخبط في مشاكل هي اكبر من قدرته. واكثر من ذلك غيبوه عن اجتماعاتهم ومؤتمراتهم، وكأنه غير موجود وهو الذي كان صوته عالياً في مختلف المحافل العربية والدولية وكان يحسب له حساب. انه من مؤسسي الامم المتحدة، وواضع شرعة حقوق الانسان، وترأس يوماً الامم المتحدة بشخص مندوبه الدكتور شارل مالك، وهو ايضاً من مؤسسي جامعة الدول العربية، وبقي منارة مشعة حتى لقب بسويسرا الشرق، وجامعته ومستشفاه، الى ان وصلت الى الحكم في غفلة من الزمن منظومة وصفها العالم كله بالفاسدة فقادته الى الانهيار التام فخسر كل امجاده وكل ما بناه الاجداد.
ان الحرب اذا دخلها اليوم، وهو على هذه الحالة من الانهيار، فلن يبقى فيه حجر على حجر، وسيحل بأبنائه ما يحل بسكان غزة اليوم، فيعرفون القتل والتشريد. فلماذا لا يقف احد الى جانبنا ويردع المعتدي الاسرائيلي عن اعتداءاته؟ والى متى سيبقى الظلم مخيماً في هذا العالم؟ اللبنانيون جميعاً مؤيدون للقضية الفلسطينية العادلة، ولطالما وقفوا على المنابر الاممية ودافعوا عنها بشراسة، وكانت اسرائيل تعمل بكال قوتها لمحاربتنا، لانها كانت تدرك اهمية وقوفنا ضد اجرامها. لقد كانت كلمة لبنان مسموعة في شتى اصقاع الارض، وكان لها وقعها وتأثيرها. الا ان المنظومة دمرت كل هذه السمعة الطيبة، واعادتنا الى الحضيض. فهل ينجو لبنان مما هو غارق فيه، ام انه كتب له الخراب والدمار؟ بالطبع ان الاعتماد لن يكون على من اوصل البلد الى هذا الجحيم لان صانع الخراب لا يمكن ان يصنع الاعمار، بل اننا بحاجة الى يد نظيفة مخلصة تقول كفى وتمسك بيدنا وتنتشلنا من اتون النار. فمتى يتحقق لنا هذا؟
اجتماعات مفتوحة لمجلس الامن ولا قرار. في الظاهر، انها الخلافات والانقسامات والمصالح تحول دون ذلك. ولكن قد تكون هذه المماطلة مقصودة، لاكمال الجريمة التي يبدو ان الغرب باسره مشارك فيها. وفي حال انزلق لبنان الى هذه الحرب الوسخة التي تقودها اسرائيل بدعم غربي، فلن يكون مصيره افضل من مصير غزة، خصوصاً وان لبنان بلا رأس والجالسون على الكراسي اليوم تخلوا عن مسؤولياتهم واصبحت الاقدار هي التي تتحكم بالبلد، كفانا الله شر العدوان.
«الاسبوع العربي»