افتتاحية

الصفقة المدمرة

منذ  ايام وقفنا شهداء زور على عمليتي صلب سيبقى التاريخ يتحدث عنهما اجيالاً طويلة. المصلوب الاول هو السيد المسيح الذي اشتراه اليهود بثلاثين من الفضة قبضها يهوذا الاسخريوطي، الذي استفاق على جريمته بعد فوات الاوان فبكى بكاء مراً وشنق نفسه. والمصلوب الثاني هو لبنان الذي يحاول الاتحاد الاوروبي شراءه بمليار يورو، سيقضي عليها الفساد سريعاً كما قضى على عشرات المليارات التي تبخرت قبلها، وحتى الساعة لا احد يجرؤ على تحديد المسؤول عنها، فهل يكون مصيرنا اذاً قبضنا المليار اشبه بمصير يهوذا عندما نستفيق على فعلتنا؟

ان السنوات الاربع التي خدرنا بها الاتحاد الاوروبي لن تلبث حتى تصبح اربعين سنة وبعدها اربعماية سنة، الى ان يزول لبنان تماماً، ويصبح اهله مشردين في شتى اصقاع الارض، وتصبح ارضهم ملكاً لغيرهم. ان الشواهد التاريخية ماثلة للعيان، فقبل ست وسبعين سنة نزح الفلسطينيون عن ارضهم على امل العودة وهم اليوم مشردون يقاتلون من اجل دولة تقام على بقعة من ارضهم الواسعة، ولكن العالم يبخل عليهم بها. حتى الدول العربية تخلت عنهم، وهي اليوم تطبّع مع المغتصب. فهل يدرك اللبنانيون اي مصير اسود ينتظرهم اذا اخطأوا الخطوات؟

الدول الاوروبية همها الاول والاخير مصالحها وسلامتها، تقاتل من اجلهما وتبذل الغالي والنفيس لابعاد خطر النزوح عنها، اما اللبنانيون فيكتفون بالتصريحات وبالدرجة الاولى المنظومة السياسية، التي لها اليد الطولى في ما وصل اليه لبنان من انهيار. فافلسته وهجرت شبابه وطاقاته العلمية والفكرية وجوعت من بقي على الارض حتى غدوا عاجزين عن المغادرة، ينتظرون حتى يشتد ساعد النازحين اكثر فيطردونهم كما فعل اليهود بالفلسطينيين.

من المسؤول؟ اللبنانيون كلهم من اكبر مسؤول الى اصغر مواطن. هل وصل الشعب اللبناني الى هذا الحد من الاستسلام؟ لقد كان ينتظر منه فور اعلان الصفقة ان يصبح كله في الشارع، حتى الذين هاجروا واداروا ظهورهم، كان يجدر بهم ان يعودوا ليدافعوا عن هذه الارض المقدسة التي اصبحت برسم الاحتلال والبيع. اما واننا نكتفي بالتصاريح الطنانة التي لا تغني ولا توصل الى اي نتيجة، تتحول الانظار الى الجيش اللبناني، وهو البعيد كل البعد عن المنظومة وفسادها فينزل الى البحر ويفتح الطريق واسعاً امام النازحين ويوصلهم الى اوروبا، اذا اقتضى الامر. هذه القارة القديمة التي لو استوعبت النازحين كلهم لما شكلوا 0،04 بالمئة من عدد سكانها، فيما هم يشكلون 40 بالمئة من سكان لبنان، ولن تمضي فترة قصيرة حتى يصبح عددهم مساوياً للبنانيين وربما اكثر. لقد اثبت الاوروبيون في هذه الصفقة ان لبنان لا يعني لهم اكثر من ورقة يلعبونها لحماية مصالحهم، حتى ولو زال بلدنا من الوجود. فلماذا لا نتمثل بهم وننزل الى الارض فوراً ودون انتظار ساعة واحدة، ونقاتل ولو باظافرنا ليسلم بلدنا. ان سوريا التي فشلت في وضع اليد على لبنان عسكرياً، ستتمكن من فرض سيطرتها عليه بالنازحين، الذين لم تتخذ تدبيراً واحداً على حدودها، يحد من هذه الموجة العارمة والتي ربما تتم وفق مخطط مدروس.

المطلوب فوراً ان يضع الشعب والجيش ايديهما معاً ويسقطان هذا المخطط الرهيب، وسيكتب التاريخ لهما صفحات مشرفة.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق