افتتاحية

قوانين بالية وعالم فاقد العدالة؟

العالم يتطور ولكن الى اين؟ فكلما حقق انجازاً لخير الانسانية، يقابله اخر يدفعه الى التخلف والهمجية. مقابل كل اختراع علمي او اكتشاف طبي يعود على البشرية بالخير العميم، هناك تطوير لآلة القتل والتدمير، التي تحول العالم الى غابة، القوي فيها يأكل الضعيف، دون اي رادع او وازع من ضمير.
يتغنون بالديمقراطية وحقوق الانسان. ويلجأون الى المؤسسات القضائية التي يفترض فيها ان تحمي المظلومين وترفع عنهم التسلط والقهر والحرمان. فاين نحن من معاني هذه الشرائع التي تحولت الى شعارات فارغة، بعدما سخروها لخدمة مصالحهم الخاصة. اننا نعيش في شريعة غاب حقيقية، سقطت فيها كل القيم وطغت الانانيات والاطماع على كل ما عداها. فكثرت الحروب وانتشر الفقر والجوع، واصبحت الحياة اصعب من ان يتحملها البشر.
تدل الصور المسربة على الدمار الذي سببته الوحشية الاسرائيلية التي تخلت عن القيم الانسانية التي لا معنى للحياة بدونها، ويصبح فاقدها اقرب الى الوحوش، وكيف يقف العالم متفرجاً على اطفال غزة يسقطون كالعصافير، دون ان تمتد يد لانتشالهم من هذا الجحيم الذي يحييون فيه. اين القوانين التي تحمي المرأة والطفل من العنف والقتل؟ اين مجلس الامن الذي انشىء لحماية الناس، فعطلوه قبل ان يبصر النور. وما يقال عن الجرائم المرتكبة في غزة ينسحب تماماً على الهمجية التي تمارسها روسيا على اوكرانيا فتقصف وتدمر وتقتل، لا لرد اساءة او لرفع ظلم، بل لاطماع توسعية ترضي الشعور بالعظمة. ان القتل المباح على ايدي الاسرائيليين في غزة والروس في اوكرانيا، ليس من قوة تردعه لان القوانين التي تحكم المجتمع الدولي، طوعها الكبار من اجل حماية مصالحهم الخاصة. فلولا الفيتو الروسي الذي استخدم مرات عدة لكان بالامكان التوصل الى وسيلة تنهي الحرب الروسية المدمرة على اوكرانيا. ولولا الفيتو الذي استخدمته روسيا ابان الحرب السورية، لما سقط هذا العدد الهائل من البشر. ولولا الفيتو الاميركي الذي منع مجلس الامن من ايقاف الهجوم على غزة، لما كنا وصلنا اليوم الى اكثر من ثلاثين الف قتيل ودمار شامل. ولما استطاع الاسرائيلي هذا العدو الذي لا يرتوي الا بسفك الدماء ان يستخدم التجويع سلاحاً ضد نساء واطفال غزة. فهل هذه هي الديمقراطية التي يرفعونها شعاراً فارغاً من اي مضمون؟ وهل هذه هي حقوق الانسان التي يزعمون الدفاع عنها، وهم ينحرونها يومياً.
ان ما يجري في العالم اليوم يقرّب الديمقراطية من الديكتاتورية، ما لم ترفع القيود التي تفرضها الدول الكبرى، فتعطل مجلس الامن الدولي الذي انشىء في الاساس للدفاع عن حقوق الدول والشعوب، فاذا به يبدأ عمله مقيداً بامتيازات فرضتها الدول الكبرى مكافأة لها على انتصارها في الحرب، فسلحت نفسها بالفيتو الذي يصون مصالحها في كل مرة تتعرض للطعن.
حتى المحكمة الجنائية وهي محكمة دولية مستقلة تعتمدها الامم المتحدة، تدخلت السياسة ربما لتمنعها من اصدار امر الى اسرائيل الغاصبة، بوقف القتال وانقاذ نساء واطفال غزة. ان ما صدر عنها يؤكد انها كانت تدرك تماماً ان هناك حرب ابادة، يجب وقفها فوراً، ومع ذلك احجمت عن اصدار هذا الامر.
باختصار اذا استمر العالم على هذا النهج الذي يعتمد المصالح الخاصة اساساً للتصرف، بعيداً عن احترام القيم الانسانية، واذا لم يبادر الى وضع قوانين عادلة تنسف المحميات والامتيازات، فان الامور ستسير من سيء الى اسوأ وتنشر الحروب، ولا يستبعد ان يظهر على الساحة حاكم مجنون يضغط على الازرار، ويطلق الاسلحة النووية من حصونها فيدمر العالم. قد يكون ذلك خيالياً، ولكن ما نراه ونشهده يجعلنا لا نستبعد هذا الاحتمال. اليس هذا ما دعا اليه يوماً وزير اسرائيلي عضو في هذه الحكومة العنصرية الحاقدة؟
لماذا لا يحول الاهتمام الى ما فيه الخير بعيداً عن الشر؟ اليس اكتشاف دواء لمرض عضال، افضل وانفع للانسان الف مرة من تطوير الآلة الحربية التي تفقد الانسان حياته؟ اليست الحضارة الحقيقية افضل للانسان تسهل له حياته وتؤمن له الاستقرار؟ فلماذا لا يتحول الاهتمام كله الى ما فيه النفع العام؟
العالم بحاجة الى تطوير عبر قوانين جديدة عادلة تلغي الامتيازات التي دمرت وخربت وحمت المجرمين، وبذلك فقط تستقيم الامور ويصبح بالامكان ردع العقوبات فلا يعود بامكان روسيا ان تعتدي على جيرانها وتحاول وضع اليد عليهم وتقتل معارضي الحاكم بامره، ولا يعود بامكان اسرائيل ذات التاريخ الاسود ان تستمر في اغتصابها لاراضي الغير والتعدي عليهم. شكلوا قوة رادعة مسلحة بقوانين عادلة ومنصفة فيستقيم كل شيء، والا نحن سائرون الى مزيد من الحروب والقتل والدمار.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق