المجلس الدستوري… وظلم ذوي القربى
المواطن اللبناني بين حربين. واحدة عسكرية واخرى ضرائبية وكلتاهما مدمرتان للمواطن فالى اين المفر؟
الحرب الاولى يشنها عدو غاصب حاقد، يتطلع الى تدمير لبنان الذي طالما شكل عقبة كبرى في تحقيق اطماعه. ولذلك يستغل الفرصة ليصب غضبه، عبر حرب ضروس يشارك فيها الطيران الحربي والمدافع الثقيلة والصواريخ الفتاكة، ويركز بصورة خاصة على تدمير الحقول والارض، وافساد التربة من خلال استعمال القنابل الفوسفورية، التي تعطل الحياة الزراعية لسنوات طويلة، وبذلك يسد سبل العيش بوجه الجنوبيين ويرغمهم على الابتعاد والانتقال الى اماكن اخرى، يمكنهم العيش فيها. وتمشياً مع هذه الخطة الجهنمية، عمد في الفترة الاخيرة الى تدمير المنازل وقصفها بغارات جوية عنيفة ومكثفة.
الحرب الثانية هي ضرائبية، لا تقل فتكاً وتدميراً لحياة المواطن اللبناني عن الاولى. وهي تعكس ظلم ذوي القربى. الحكومة، وهي نصف حكومة، لان نصفها الاخر يقاطعها، وهي حكومة تصريف اعمال، وغير حائزة على ثقة المجلس النيابي، تفننت في تدبيج موازنة للعام 2024. فجاءت اشبه بلائحة ضرائبية تضاعفت رسومها اكثر من اربعين ضعفاً بحيث يستحيل على المواطن اللبناني المعدم ان يفي بالتزاماتها. لقد نهبت امواله وجنى عمره في المصارف، ومنع القضاء من التدخل لاعادة الحق اليه، ثم كلفت بعض وزرائها في وضع هذه الموازنة، فراعوا مصالحهم دون الالتفات الى مصلحة الذين يفرض عليهم تحمل اعبائها. واتبعت ذلك بخطة محت من خلالها بشحطة قلم ودائع الناس، وهي امانة في اعناق اصحاب المصارف. القانون يفرض على من يمس بها السجن في اقل تقدير. ولما طعن مجلس الشورى بشطب الودائع. لم ترتدع، وكلفت الاشخاص ذاتهم وضع خطة اعادة هيكلة المصارف. وتردد انها تحاول مرة جديدة شطب هذه الودائع. ويبدو ان من يصر على ارتكاب الجريمة، يريد ارضاء صندوق النقد الدولي على حساب الشعب اللبناني، وكذلك ارضاء الحكومة للهروب من المحاسبة. لان الحكومات المتعاقبة ولسوء ادارتها وعدم كفاءة وزرائها، تسببت في هذه الخسارة الضخمة.
ولا تكتفي الحكومة بهذا الظلم فنشرت الموازنة الكارثة دون ان تضع آلية لتنفيذها. فلم تصدر الطوابع التي تنص عليها، فتعطلت مصالح المواطنين الذين اصبحوا عاجزين عن اتمام اصغر المعاملات، كاخراج القيد والسجل العدلي ووثيقة الزواج وشهادة الوفاة وغيرها وغيرها، وليس فقط بسبب عدم جود الطوابع، بل بالرسوم الخيالية التي يعجز 85 بالمئة من اللبنانيين على الايفاء بها.
يقول الرئيس نجيب ميقاتي انه لا يقدر ان يلبي مطالب الموظفين، لان سقف الانفاق محدد، وهو لا يستطيع تجاوزه. وماذا لو قال له المواطن انه لا يستطيع ان يلتزم برسومه الخيالية لانه لا يملك المال؟
هناك خطأ في الحساب ويقولون ان موظفي الادارة العامة يبلغ عددهم حوالي الثلاثمئة الف (موظفين وعسكريين)، وهؤلاء يتقاضون اجورهم بالعملة اللبنانية، ولذلك وقعوا في عجز ولهم حقوق لا ينكرها عليهم اي عاقل. ولكن غاب عن بال واضعي الحسابات، ان هناك اربعين بالمئة من اليد العاملة تعاني البطالة، واصحابها لا مدخول لهم لا بالليرة اللبنانية ولا بالعملة الاجنبية، فهل يتفضل دولة الرئيس ان يدلنا من اين يأتي هؤلاء بالمال ليدفعوا له كل هذه الرسوم القاتلة، التي فرضت عشوائياً وبعيداً عن اي مسؤولية.
اما النواب الكرام الذين درسوا هذه الموازنة القاتلة في اللجان النيابية، وابقوا على هذه الضرائب الفاحشة، ثم صوتوا عليها في الجمعية العامة، وبعدها وبطريقة شعبوية رخيصة جاءوا ينتقدونها. لن نعلق على ذلك بل نترك للمواطنين ان يقولوا كلمتهم بممثليهم في المجلس النيابي، املين ان يكونوا قد استيقظوا، وادركوا خطأ اختيارهم عندما وقفوا امام صندوق الاقتراع.
المهم ان الحرب العسكرية يجري العمل على انهائها وستنتهي يوماً. اما الحرب الضرائبية المستمرة، فلا امل بالخلاص منها. الا بحكومة تكون على مستوى الحدث، يتمتع وزراؤها بالكفاءة ونظافة الكف وعندها تعود الشمس لتشرق من جديد. وبانتظار هذا الحلم نتطلع الى المجلس الدستوري وامامه طعون من اربعين نائباً. فعسى ان ينصف المواطن ويضع حداً لظلم هذه الحكومة.
«الاسبوع العربي»