الاستقالة الجماعية حل… فهل من يجرؤ؟
كما كان متوقعاً، اقر المجلس النيابي موازنة العام 2024 على طريقة «صدق». على مدى ثلاثة ايام، وقف النواب يتبارون في القاء الخطب الشعبوية الطنانة الرنانة، حتى اعتقد المواطنون ان هذه الموازنة ستسقط بالضربة القاضية، ويطلب الى الحكومة استبدالها باخرى متوازنة، تؤمن مصلحة الخزينة وتراعي وضع الناس الذين دمرتهم منظومة، لم تهتم يوماً بمصلحة البلد ولا باهله، بل بمصالحها الخاصة. الا ان شيئاً من ذلك لم يحصل، والديباجة التي تبارى «ممثلو الشعب» في القائها، كانت فقط لتقديم صورة مزيفة عن عملهم، وعندما حانت ساعة الحقيقة صوتوا عكس ما قالوا.
نحن نفهم ان تلجأ الحكومة الى جيوب الناس، دون اي مسؤولية او مراعاة لوضعهم المأساوي، وهو من صنع ايديها، باعتبار انها صنيعة المنظومة اياها التي دمرت البلد. فالابواب مقفلة بوجهها، نتيجة سياسة خاطئة اعتمدت على مر السنين، فاختارت الاسهل، وضمنت الموازنة ضرائب ورسوماً يعجز عنها شعب يعيش حياة طبيعية في بلد طبيعي، فكيف بالشعب اللبناني المنهك. لقد سرقت امواله دون ان يكون له الحق في المطالبة بها. عطلوا القضاء وهربوا الاموال الى الخارج، واستراحوا على وجع الناس وفقرهم وعوزهم. الخزينة فارغة والحكومة تبحث عن تمويل، لا للانفاق على المشاريع الصناعية والزراعية والانمائية وايجاد فرص العمل، بل لتمويل الفساد المعشش في كل مكان. ونظراً لغياب الخبرة لدى الوزراء ومعظمهم ليسوا من اصحاب الاختصاص وضعوا موازنة بارقام بعيدة عن قدرة اللبنانيين على الايفاء بها، حتى شملت ضرائبهم الثوابت وجاء النواب ليصادقوا عليها، متجاهلين ناخبيهم.
اما المجلس النيابي ما هو عذره؟ لقد انتخب المواطنون نواباً ليمثلوهم في السلطة، ويدافعوا عن حقوقهم، فاذا بهم ينقلبون عليهم، ويسيرون جنباً الى جنب مع الحكومة، ويوقعون في كل مرة على ما تطلبه منهم، دون الالتفات الى الذين انتخبوهم، وهذا قد يبدو غريباً للبعض، اما الحقيقة فان المجلس النيابي هو من طينة المنظومة وفي النهاية لا يمكنه ان يخرج عن طوعها، فمصلحتها قبل اي مصلحة اخرى. ويخشى بعض النواب انهم اذا ساروا عكس هذه الارادة المتسلطة، الا يعودوا الى المجلس النيابي، واسوأ ما نراه، هو ان البلد وصل الى القعر، والكتل النيابية، موالية ومعارضة تقف تتفرج، وكأن الامر لا يعنيها. لا يسمع لها صوت، ولا تقوم باي تحرك فعال. قد يقول البعض نحن لسنا منهم، الا ان الاعمال توحي العكس. فلو كنتم حقاً بعيدين عنهم، لواجهتم بشراسة ما يرتكب بحق البلد واهله. فالسكوت لا يوصل الى نتيجة، والتصاريح التي لا تقترن بالافعال مردودة الى اصحابها، لانها بلا نتيجة، وما يحسب له حساب هو الفعل، هو الاقدام والمواجهة فالنجاح ليس سهلاً ويتطلب الكثير من الجهد والعناء.
ازاء هذا كله ما هو الحل؟
نعود كما في كل مرة الى ترداد عبارة واحدة «الحق على الشعب». يقضي سنوات اربعاً، هي فترة تغيير المجلس النيابي، يشكو ويلعن ويهدد، حتى اذا انقضت المدة وحان موعد الحساب، تتوجه اكثرية هذا الشعب الى صناديق الاقتراع، متناسية ما عانت منه على مدى السنوات، وتعيد اختيار ما يقدمه لها الزعيم. تتغير الاسماء، ولكن الطينة واحدة، القريبة من المنظومة، لذلك تبقى الامور على حالها، لا بل تنحدر الى الاسوأ. سنة ونصف مرت على الشغور الرئاسي، والمجلس النيابي مقفل والنواب الذين اختارهم الشعب ليرعوا مصالحه قانعون بهذا الواقع. فماذا فعلوا لتغييره؟ اليس الافضل ان يقدم من ليس قانعاً بهذا التعطيل استقالته، ويتخلى عن مهمة كلف بها وفشل في تحقيقها؟ انتم اليوم امام الامتحان الصعب. فاما ان تكونوا قادرين على تغيير هذا الواقع، واما ان تقدموا استقالات جماعية اذ بات التغيير واجباً وحلاً. ويبقى من يتولى تنظيم حملة ناشطة توعّي الشعب وتدله على الطريق الصحيح. فالقوة في يده، فليستعملها اذاً ويسلم البلد. فهل من هو صادق في اقواله ويقدم على الاستقالة فيكسب ثقة الناس؟ العيون شاخصة اليكم فهل تجرأون؟
«الاسبوع العربي»