من مجلس دولي الى مجلس لبناني
اكثر من ثلاثة اشهر والشعب الفلسطيني في غزة، وحتى في الضفة الغربية، يتعرض لحرب ابادة على ايدي احتلال اسرائيلي مجرم، يمارس القتل هواية، وعلى رأسه رئيس حكومة متطرفة ضاق العالم به ذرعاً، حتى شعبه بات يطالب باسقاطه ورحيله، وقد عبر عن ذلك رئيس الحكومة الاسرائيلية الاسبق ايهود اولمرت، الذي دعا نتانياهو للتنحي، لانه لم يعد اهلاً للحكم. اما هو فمتشبث بالكرسي لانه بتخليه عنها، مرشح لدخول السجن، ولذلك يلاقي وقف اطلاق النار صعوبة ورفضاً.
وما يؤلم اكثر وقوف العالم متفرجاً. فمجلس الامن الدولي، وهو المفترض فيه ان يتدخل على الفور وينهي هذه المأساة، ويوقف شلال الدم، يصطدم بفيتوات اميركية بلغت الخمسة الى ان صدر قرار لم يجرؤ واضعوه على ذكر وقف اطلاق النار. فاصبح بلا مضمون. فالاعضاء المفترض فيهم وقف هذه الحرب البشعة، تلهوا من يوم الى يوم باستبدال كلمة من هنا، واخرى من هناك في قرارات لو لم تصطدم بالفيتو لكان من شأنها ان تسكت اصوات المدافع، وتوقف الغارات الجوية التي تزرع الموت والدمار في الاماكن الاهلة بالسكان في قطاع غزة، ولكن يبدو ان اصحاب الحل والربط لم يعودوا مؤهلين لحمل هذه المسؤولية الكبرى، وهذا يجعلنا نتحسر على ايام زمان، يوم كان يحكم العالم رجال يتمعتون بالارادة والعزم المحكوم بالعدل والانصاف. لقد اصبحنا اليوم بحاجة الى رجال ذوي خبرة وكفاءة، قادرين على وضع حد للتسلط والعدوان، من اي جهة اتي. فلو كان مجلس الامن على قدر المسؤولية، ولو الغيت الامتيازات التي منحتها الدول الكبرى لنفسها ببدعة «الفيتو» اللعين، لتحقق الامن والاستقرار لكل شعوب العالم، ولما كان باستطاعة حاكم مثل نتانياهو ان يقف عائقاً بوجه السلام، ويشن حرب ابادة على شعب هدرت حقوقه، ويرفض كل الحلول المطروحة، ويصطاد الناس كالعصافير، نتيجة حقد لا يردعه رادع. ولما كان شخص مثل حاكم روسيا فلاديمير بوتين، عينه على الدول المجاورة، محاولاً ضمها لكي يبني امبراطورية ترضي اطماعه ولو على جثث الابرياء.
هذه الصورة البشعة عن النظام العالمي والمتحكمين فيه، تنطبق تماماً على الحكم في لبنان. ففي غفلة من الزمن تسلطت مجموعة من الناس على مراكز الحكم، فطغت وتجبرت ونشرت الفساد في مختلف دوائر الدولة، فافلست الخزينة، وافقرت الشعب والقت به في المجهول. وقد تجذرت في الحكم حتى اصبح من الصعب اقتلاعها. فخالفت الدستور وتلاعبت بالقوانين وطوعتها وفقاً لمصالحها الخاصة. قبل ايام عقد مجلس النواب المتقاعس عن القيام بواجبه، منذ انتخابه قبل اكثر من سنة ونصف السنة، جلسة وصفت بانها مثالية، لاقت الترحيب، رغم انها ليست دستورية، باعتبار ان المجلس النيابي هو حالياً هيئة انتخابية، ولا يحق له التشريع قبل انتخاب رئيس للجمهورية. ورغم ذلك هلل لها الجميع، لان التفاهم الذي تم بين النواب اثمر قراراً بالتمديد لقائد الجيش والقادة الامنيين الاخرين، وانقذ لبنان من شغور كان من الممكن ان يقوده الى الفوضى. فلماذا لا تنسحب هذه الجلسة على اخرى مماثلة، يتم فيها انتخاب رئيس للجمهورية، يضع اللبنة الاولى في اعادة بناء المؤسسات؟ تقاعس زعماء العالم، فوقعت الحروب وهي مرشحة للتفاعل اكثر. وتقاعس المجلس النيابي اللبناني فدفع لبنان ثمن الشغور القاتل. واذا كان من الصعب حمل الدول الكبرى على التنازل عن مكتسباتها، اليس اسهل على وسطاء الخير ومحبي السلام، اقناع ابناء البلد الواحد وحملهم على الاتفاق والتعاون من اجل خير هذا البلد؟ ان المطلوب اليوم ان يبادر رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو المعروف بقدرته على اجتراح الحلول للقضايا الصعبة، ويؤمن الظروف الملائمة والوفاق لها، ويدعو الى جلسة مفتوحة تنتهي بانتخاب رئيس. فهل يفعل؟
«الاسبوع العربي»