افتتاحية

التفلت الضريبي… الى اين؟

التفلت الضريبي تجاوز كل الاصول وفاق باشواط التفلت السياسي والامني والاقتصادي، دون ان يكون هناك رادع. فالمحاسبة غائبة، والحكومة، وهي نصف حكومة وناقصة الصلاحيات، لانها غير حائزة على ثقة مجلس النواب، فضلاً عن انها حكومة تصريف اعمال، هذه الحكومة تمثل المنظومة التي اشتهرت بفسادها الذي افلس الدولة وافقر الشعب وجوعه. نظرت الى الخزينة فرأتها وقد فرغت من اخر ليرة، لا بسبب الانفاق على المشاريع الاصلاحية والانتاجية وتطوير البنى التحتية، بل لانها نهبت وانفقت اموالها على صفقات مشبوهة عادت على البلاد بالضرر القاتل. وعلى اصحاب المصالح الخاصة بالمنفعة.
نحن لسنا خبراء قانون، وما نعرفه ان فرض اعباء مالية على المواطنين يتطلب موافقة المجلس النيابي. ولكن في الاونة الاخيرة بتنا نرى كل وزير، يفرض ضرائب على هواه بلغت عشرات الملايين دون حسيب او رقيب حتى وصل الامر بهذه الحكومة الى ان تفرض ضرائب على الموتى. لقد ابت ان تترك المواطن الذي كفر بها وبسياستها البعيدة عن اي مسؤولية، وودع هذه الدنيا ورحل، فنصبت له الحواجز على باب المقبرة لتجبي منه الضرائب. وهذه الاموال كلها التي اصبحت بالاف المليارات تجبيها الحكومة، لا لتنفقها على المشاريع الاصلاحية، بل على شرب القهوة وراء المكاتب وتمويل الصفقات المغلفة بالفساد في غياب تام للمراقبة والمحاسبة. فاين المجلس النيابي؟ هل هو موافق على سيل الضرائب التي تفرض عشوائياً على المواطن، حتى كادت تخنقه؟ ولا عجب في هذا الغياب، فالمجلس منذ انتخابه متقاعس عن القيام بواجباته. فهو لا ينتخب رئيساً للبلاد، رغم مرور ثلاثة عشر شهراً على الشغور الرئاسي، ولا يشرّع لانه هيئة انتخابية، ولا يراقب ولا يحاسب، الكلام عن الفساد تجاوز الحدود ووصل الى الخارج، وشهدت عليه المنظمات الدولية، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما. ولكن المنظومة تدير الاذن الصماء. فهي لا تسمع ولا ترى. هل رأينا فاسداً واحداً يدخل السجن، لنعلن تأييدنا لهذه الحكومة ولضرائبها؟ بالطبع لا، لان المحاسبة اذا طاولت شخصاً، فانها ستفتح الباب لتطاول مرتكبين يفوق عددهم قدرة السجون على الاستيعاب. ولذلك لن تكون هناك لا محاسبة ولا ملاحقة فليطمئن الفاسدون. هل مثل حاكم مصرف لبنان السابق، الذي ادانه القضاء في عدد من الدول الاوروبية، امام القضاء اللبناني، ام انهم اوجدوا له الوسيلة لتعطيل التحقيق؟ هل مثل المتهمون في قضية تفجير المرفأ امام المحقق العدلي، ام انهم طوقوا التحقيق وكفوا يده ومنعوه من المحاسبة؟ ان القضاء اللبناني وفيه عدد كبير من انزه القضاة كبلوا يديه باصفاد واغلال سياسية تفوق قدرته على التخلص منها، فداسوا على القوانين واساءوا الى سمعة القضاة.
اللجان النيابية انتهت من مناقشة موازنة 2023 وهي خالية من اي اصلاحات او انجازات واصبحت لزوم ما لا يلزم، بعدما شارفت السنة على النهاية. الا ان الهدف منها تثبيت سلة الضرائب التي تتضمنها، وهي تفوق بكثير قدرة المواطن على تحملها. والثانية هي موازنة 2024 وقد سميت موازنة الضرائب بناء على ما تسرب منها، حتى انها طاولت كما ذكرنا الموتى. هاتان الموازنتان سترفعان الى المجلس النيابي لاقرارهما. ولكن وبما ان المجلس متنازل عن مهماته، فسيقر كل الضرائب المفروضة فيهما عشوائياً دون ان يكون هناك محاسب واحد يقف بوجه هذا الطغيان ويقول كفى.
في بلدان العالم تفرض ضرائب على المواطنين، ولكن بالمقابل هناك الكثير تقدمه الحكومات لتساعدهم على تحمل اعباء الحياة. ولكن في لبنان دلونا على بادرة واحدة مهما صغر حجمها قدمتها الحكومة لمواطنيها. فهي مثلاً تقبض الملايين عن الكهرباء، وتدفع بهم الى المولد، ليغطي حاجتهم الى التيار الكهربائي، وتمد يدها الى الجيوب المهترئة وتفرغها، وتحول الناس الى الصهاريج للحصول على قطرة ماء، عجزت عن تأمينها لهم، مع ان لبنان هو بلد الينابيع. تجمع مئات الاف المليارات والطرقات بلا صيانة لم تعد صالحة للسير عليها. اللبناني بلا دواء والدخول الى المستشفيات اصبح حكراً على الميسورين. وكذلك هي الحال في القطاع التربوي المعطل رسمياً والذي يساهم ارتفاع الاقساط الجنوني في المدارس الخاصة بضرب رسالة لبنان التي اشتهر بها على مر السنين، وهي تساهم في نشر الامية بعيداً عن الرسالة الدينية والاخلاقية.
ان الاسترسال في نشر الصورة السوداء التي تسببت بها المنظومة يحتاج الى مجلدات فنكتفي بهذا القدر. لعل المسؤولين اذا كانوا يقرأون يتنبهون الى ما تجنيه ايديهم، ولكنهم ابعد الناس عن الاستماع الى صوت الحق.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق