الشغور القاتل والمصالح الرخيصة
الاحداث الكبيرة التي تشكل تهديداً اكيداً للسلام العالمي، من الحرب غير المبررة التي تشنها روسيا على اوكرانيا، لا لسبب سوى المطامع بتوسيع نفوذ شخص واحد لا رادع له، الى حرب العدو الاسرائيلي المتفلتة من اي ضوابط على غزة والتوتر المتصاعد على لبنان وبقية الجبهات الاخرى، التي تشهد عنفاً تصاعدياً – هذه الاحداث تؤكد بما لا يقبل الشك، فشل الحكومات والمنظمات الدولية الكبرى، المعنية مباشرة بامن العالم، وفي طليعتها مجلس الامن الدولي المكبل اليدين بفعل نظام «الفيتو»، الذي يحوّل هذا المجلس الى سلطة ترعى مصالح الدول الكبرى دون غيرها من الدول. ولذلك فشل في وقف الحرب على اوكرانيا وها هو يقف عاجزاً امام حرب غزة رغم ان عدد الضحايا حتى اليوم بلغ اكثر من احد عشر الفاً، فضلاً عن عشرات الوف الجرحى، ونصف هذه الاعداد الصادمة هي من النساء والاطفال. كل ذلك والعالم يتفرج. حقاً انه واقع لا يصدق.
كذلك هي حال الجامعة العربية ومنظمة الدول الاسلامية اللتين تملكان من القوة البشرية والاقتصادية ما يخولهما فرض الحلول المناسبة للمشاكل والحروب المتنقلة، وسببها دائماً واحد وهو العدو الاسرائيلي، الذي يتسلح بالتأييد الدولي الاعمى، ويوزع جرائمه على الدول العربية كلها.
وعلى الصعيد المحلي فقد فشلت الحكومات المتعاقبة، والتي لم تخرج يوماً من تحت عباءة منظومة فاسدة، دمرت كل امكانيات البلد حتى اوصلته الى الانهيار الكامل. لقد فشلت في تطبيق القرارات الدولية وخصوصاً القرار 1701، عبر ارغام اسرائيل بما تملك من دعم دولي كان قائماً قبل هذا الانهيار، ولو فعلت يومها لوفرت على لبنان ما نعاني منه اليوم وما يترتب عليه من خسائر بشرية ومادية تزيده تدهوراً، حتى اصبح يصنف بين الدول الفاشلة. من عهد الى عهد تدخله هذه المنظومة في فراغ قاتل، وتفشل في انتخاب رئيس للجمهورية، وقد اصبح الشغور يمتد الى سنوات، وها هو الشغور الحالي يدخل عامه الثاني دون ان يرف للمعنيين جفن. ما هي الفائدة من وجود مجلس نيابي يتخلى عن مهماته الاساسية، ويرفض انتخاب رئيس للبلاد يعيد الحياة الى المؤسسات المشلولة المتوقفة عن العمل، وكأن هناك ارادة خفية لتدمير كل شيء في هذه الدولة؟
والشغور لا يقتصر على رئاسة الجمهورية وحدها، بل يتمدد الى مراكز اخرى هي على جانب كبير من الاهمية، ومع ذلك لم تحرك المنظومة ساكناً، وشغلت المناصب التي طاولها الشغور بما يسمح به القانون، مع العلم ان الامور لا تستقيم الا بتعيين اشخاص اصيلين لا بالانابة. وقد وصلنا اليوم الى المركز الاهم على الاطلاق، الذي لا يمكن الترقيع فيه، والحكومة ومعها المجلس النيابي المشلول يتخبطان دون الاهتداء الى حل، لمواجهة الشغور الذي اصبح على بعد اسابيع قليلة في قيادة الجيش، هذه المؤسسة هي الوحيدة التي لا تزال واقفة، رغم ما تواجهها من صعوبات مادية واستشفائية ولوجستية وغيرها، دون ان نعدد النقص على جميع الاصعدة بفعل السياسات الخاطئة التي اتبعت على مر السنين، وحرمت الجيش من الكثير من الحقوق، ولولا حكمة وقدرة ونظافة كف القائد الحالي العماد جوزف عون، الذي يتعرض اليوم لابشع الحملات السياسية من اجل مصالح خاصة لا تمت الى المصلحة الوطنية بشيء، لكانت هذه المؤسسة لحقت ببقية مؤسسات الدولة وتعطلت وعمت الفوضى؟ وهنا لا بد من السؤال هل ان حقوق الطائفة التي يتذرعون بها زوراً تتأمن بضرب اعلى المراكز فيها خدمة لمصالح خاصة رخيصة؟ ان استغباء الناس لم يعد يمر، والمطلوب اليوم استنفار كل القوى المؤثرة والفاعلة لمنع هذا الشغور القاتل. لقد طرح العديد من الافكار والحلول واستعان المعنيون بكبار الحقوقيين ومع ذلك لا يزالون يتخبطون دون ان يهتدوا الى قرار. المطلوب اليوم قبل الغد المسارعة الى التمديد للعماد جوزف عون، ريثما يستفيق النواب ويمارسون واجباتهم بانتخاب رئيس للجمهورية المعني الاول باختيار قائد الجيش، والسرعة في هذا المجال ضرورية جداً قبل ان تعم الفوضى ويسقط الهيكل على رؤوس الجميع.
«الاسبوع العربي»