افتتاحية

المنظومة تخطىء والمواطن يدفع

هل كتب على اللبناني ان يدفع دائماً ثمن الفساد السياسي والاخطاء القاتلة التي ترتكب يومياً بحق الوطن والمواطن؟ وهل كتب عليه ان يبقى اسير طبقة سياسية حكمها عشوائي وتحكمها ظالم، في ظل غياب الخطط المدروسة المبنية على العلم والقانون؟ هذه السياسات اللامسؤولة دمرت كل القطاعات في البلد، فبتنا نواجه في كل يوم اضرابات متلاحقة، لا تؤثر على المنظومة السياسية بشيء لانها بعيدة عن الناس وعن الواقع بل ان المواطن هو الذي يدفع الثمن.
الاضرابات شاملة وهي تتنقل من قطاع الى اخر، والدولة غائبة لا خطط مدروسة لمعالجة هذا الواقع الاليم، ولذلك فهي تلجأ في كل مرة الى الحل الاسهل، الى جيوب المواطنين المثقوبة. فهي بعد ان افرغت الخزينة بصفقاتها وسياساتها الخاطئة، لم يعد امامها باب سوى الشعب المستضعف، فهي تسطو على جيوبه وقد افرغتها هي ايضاً، دون ان تأخذ بعين الاعتبار الضربة القاضية التي وجهتها اليه بالتضامن والتكافل مع المصارف التي وضعت جنى عمر الناس تحت تصرفها ومدتها بالمال لتمويل الفساد وبالمقابل عطلت المنظومة القوانين حتى تحمي شريكتها. فالامانة مقدسة ومن يفرط بها يعاقب بالسجن. الا في لبنان، ودائع الناس هي جنى عمرهم وثقوا بالمصارف واودعوها اياها على امل ان يسترجعوها ساعة يشاءون، وعندما يحتاجون اليها. الا ان هذه المصارف لم تكن على قدر الثقة، ففرطت بالامانات دون استئذان اصحابها طمعاً في ربح سريع. وعند الحساب، وقفت الدولة الى جانب شريكتها وحمتها من القانون، ومنعت ملاحقتها قضائياً، لان المحاكمة اذا كانت عادلة ستطاول المنظومة ومموليها معاً، ولان القانون مطواع في لبنان، ويمكن تطويعه وفق مصلحة القوي على حساب الضعيف نجت من المحاسبة. وحدهم المواطنون الذين يحملون جنسية ثانية لجأ بعضهم الى القضاء في الدول التي يحملون جنسيتها واستطاعوا استرجاع ودائعهم.
المجلس النيابي مثلاً وبعد غياب ثلاث سنوات رفض خلالها طرح موضوع الكابتيال كونترول على بساط البحث، وكان من شأنه يومها ان يحمي الودائع ويمنع تهريب الاموال، منع اقراره افساحاً في المجال امام المنظومة لتدبر امرها، وهذا ما فعلته. واليوم ولكي يغطي على فشله في انتخاب رئيس للجمهورية، بدأ يتلهى بالكابتيال كونترول ووضعه على الطاولة وسار به ببطء السلحفاة. اثنتا عشرة جلسة للجان النيابية ولا تزال المناقشات في البداية، فهل يقر في القرن الحادي والعشرين؟ المضحك المبكي، ما قاله نائب رئيس المجلس الياس بوصعب الذي اعتبر ان اللجان حققت «انجازاً» بتعديل المادة السادسة، بحيث اصبح بامكان المواطن بعد اقرار القانون، سحب 800 دولار شهرياً او ما يقرب منها من ماله الذي يحق له سحبه ساعة يشاء. فتصوروا كم هو عظيم هذا «الانجاز». تضرب الادارات الرسمية فتعطى من جيوب المواطنين، يعتكف القضاة فتتعطل شؤون المواطنين ومصالحهم، ويلحق الظلم بكثيرين من جراء هذا التوقف عن العمل وبعد اكثر من خمسة اشهر، يعطى جزء من المطالب، ومرة جديدة جيوب المواطنين، هي الممول وهكذا تتم تسوية جميع الاضرابات بحلول ترقيعية في ظل غياب الخطط المدروسة.
اخر ما سجل ان معلمي المدارس الخاصة يهددون بالاضراب وبتعطيل السنة الدراسية، مع العلم ان ادارات هذه المدارس كانت قد فرضت على الاهالي في بداية السنة، دفع الاف الدولارات «الفريش»، تحت شعار «دعم المدارس» واختيارياً. ولما ابدى الاهالي اعتراضهم هددوهم بطرد اولادهم، دون الاخذ في الاعتبار الوضع الاقتصادي المتردي للعائلات، ودون اي التفات الى القيم الدينية والتربوية والانسانية. وهكذا يكون الاهالي قد دفعوا من مالهم، واولادهم في حال الاضراب، يدفعون من مستقبلهم. فاين انفقت الدولارات «الفريش».
هذه نماذج عن الدولة الفاشلة، التي عجرت عن حماية مواطنيها، فجاءت عبر المنظومة الفاسدة تحملهم ثمن اخطائها وسياساتها المدمرة، حتى اصبح لبنان يصنف عالمياً بين الاعلى نسبة في التضخم والغلاء، مما يصعب الحياة على المواطنين. فالدولة كلما احتاجت الى المال لاسكات المعترضين والمطالبين بحقوقهم تعمد الى طبع المزيد من الكتلة النقدية حتى خسرت الليرة اكثر من 95 بالمئة من قيمتها والحبل على الجرار. فهنيئاً للبنانيين بهذه المنظومة.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق