افتتاحية

وعود تتبخر وانهيار يتصاعد

مرة جديدة يثبت نواب الامة ان الوعود التي يطلقونها ابان حملاتهم الانتخابية هي كلام في الهواء ينتهي مفعوله عند اقفال صناديق الاقتراع، فينسون الشعب الذي انتخبهم ويديرون ظهورهم له، ويلتحقون بالمنظومة المتحكمة التي يرون ان مصلحتهم معها، ينفذون تعليماتها ولو على حساب الوطن. هذا الكلام ليس من باب التجني على احد، بل يعكس الواقع الذي اوصل البلد الى الخراب، دون اي وازع من ضمير. انتظروا التغيير من خلال العملية الانتخابية فسقط الشعب وفازت المنظومة.
الفراغ القاتل يخيم على البلاد في وقت هي بحاجة الى عمل دؤوب يستمر ليلاً ونهاراً، لتنهض من هذه الهوة السحيقة التي رمتها فيها المنظومة اياها سبب الانهيار والدمار. فاين المجلس النيابي من كل هذا؟ لماذا يتقاعس نواب الامة عن القيام بواجباتهم المحددة في الدستور، والتي انتخبهم المواطنون من اجل القيام بها على اكمل وجه حفاظاً على حقوقهم؟ لماذا لا يقدمون على انتخاب رئيس للجمهورية؟ فالدولة بلا رئيس هي كالجسم بلا رأس، فهل هذا ما تقتضيه المصلحة الوطنية؟
المواطنون، وهم اشبه بالغريق، يتعلقون بحبال الهواء علها تنتشلهم من واقعهم الكارثي. ولذلك بنوا الامال العريضة على الانتخابات لعلها تحمل لهم التغيير. وكان لهم ما ارادوا ولو بنسبة ضئيلة، الا ان كل الامال تبخرت وهم يرون هذا التقاعس يشل عمل المجلس النيابي. حتى النواب الذين يسمون انفسهم تغييريين، فشلوا في توحيد موقفهم وكان ذلك طعنة للمعارضة التي تسعى الى ايصال رئيس سيادي يستعيد البلاد من الطريق الوعرة التي سارت عليها طوال العهد الماضي، ويعيد اليها كرامتها وسيادتها وموقفها الحر. ولم يعد مستغرباً اذا التحق التغييريون بالمنظومة. فيوجهون اكبر طعنة لثورة 17 تشرين.
هذه السياسة الفاشلة طبعت المجالس النيابية طوال العقود الماضية وحتى يومنا هذا فلم نسمع يوماً ان النواب حاسبوا حكومة او وزيراً، وهو من ضمن مهماتهم الاساسية، ومعلوم ان غياب المحاسبة، يفتح الباب واسعاً امام الفساد، وهذا ما وصلنا اليه اليوم، حتى اصبحنا موضع تندر في العالم اجمع، والغريب في الامر ان انتقادات المجتمع الدولي للطبقة السياسية الحاكمة والمتحكمة والمتهمة بالفساد، لا تلقى اي ردة فعل ولا تبالي المنظومة بكل ما يقال، وكأن الامر لا يعنيها. ولذلك فان الامل بالنهوض غير واقعي. فمن خرب الوطن واوصله الى هذا الحد من الانحلال والفشل، لا يمكن ان ينهض به، فالايادي التي تخرب لا يمكن ان تبني، وهذا ما ادركه الشباب اللبناني الواعي، فغادر البلد بعدما يئس من قدرته على الاصلاح، ان الطبقة المتحكمة متجذرة وقوية وتحتاج الى وسائل فوق الاعتيادية لكف يدها وغسل فسادها.
نحن اليوم في اسوأ مرحلة يمكن ان يصل اليها بلد، والمسؤولية الكبرى تقع على المجلس النيابي، فان اراد ان يزيل الصورة السوداء عنه، عليه ان يبادر فوراً ودون اي تأخير الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وليس اي رئيس، بل يجب ان يكون وطنياً بكل ما للكلمة من معنى، سيادياً، جامعاً، اولويته المصلحة الوطنية، يفتح الملفات كلها، لاعادة تكوين البلد على اسس سليمة تشبهاً بالدول الحضارية الديمقراطية، وان تعاونه في ذلك حكومة بعيدة عن المحاصصة والاستزلام، والا يكون لوزرائها اي ارتباط بالاحزاب وبالطبقة السياسية. كما يطلب من المجلس النيابي، ان يكف عن مراعاة مصلحة السياسيين، فيعمد فوراً بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، الى اقرار القوانين الاصلاحية لتوقيع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، بداية الطريق للنهوض من الواقع القاتل.
وفي ما عدا ذلك عبثاً يتعب البناؤون.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق