أبرز الأخبار

إخفاقات في «جنيف – 2» ومسارات سرية في «بيرن»، وعودة إيرانية من الشباك

«الإحتفالية في مونترو، والمفاوضات في بيرن». بهذه العبارة لخص أحد المتابعين لمجريات العملية السياسية الخاصة بالملف السوري، والتي إنطلقت في مدينة مونترو القريبة من جنيف السويسرية، والتي ما زالت التقارير تتحدث عن صعوبتها، وعن قدر من التشاؤم بإمكانية التوصل الى حلول تلامس مطالب الطرفين، او تلتقي عند حلول وسطية.

العبارة التي تم تسريبها، والتي تأكدت صدقيتها، تشير الى وجود مسار غير معلن للمفاوضات في مدينة بيرن القريبة، ولكن بتشكيلة مختلفة عن تلك التي شغلت العالم لفترة تزيد عن السنة، والتي أثارت خلافات عميقة حول الأطراف المشاركة فيها، وإنتهت بإستبعاد ايران من الدعوات، والتراجع عن الدعوة التي وجهت إليها. وهي الخطوة التي سمحت بإنعقاد «جنيف –  2» ودفعت بالمعارضة السورية الى المشاركة.
العامل الجديد في ملف «بيرن» هو مشاركة ايران في المفاوضات الجارية هناك بصورة غير معلنة، والتي تم الكشف عنها من قبل متابعين سرّبوا المعلومة الى الصحافة، وهي الخطوة التي قيل في وصفها ان  «ايران خرجت من الباب لكنها عادت من الشباك» الى المفاوضات. وبحسب معلومات مؤكدة يشارك في مسار بيرن التفاوضي وفدان من النظام والمعارضة، اضافةً الى ممثلين عن كل من روسيا والولايات المتحدة وايران.
مسار بيرن، أثار العديد من التساؤلات، والتحليلات، والتي خلصت في معظمها الى ان شدة التركيز على «جنيف – 2» ، وضعت الوفدين المفاوضين في حالة من التوتر الذي لا يستطيعان معه مجرد الحديث بحرية، خصوصاً ان كل وفد ينتظر أي موقف يمكن ان يستغل ضد الآخر ويعمل على تسريبه، وذلك رغم تأكيدات الإبراهيمي بضرورة التزام الصمت وعدم تسريب اي شيء مما يطرح في أروقة المؤتمر.
وبحسب تحليلات رافقت هذا التطور، تم التوافق على فتح ذلك المسار لكي يكون بمثابة المطبخ الرئيس للعملية التفاوضية. والذي يؤمل بأن يسفر عن نتائج من شأنها التخفيف من حدة الأزمة، ومن ثم البناء على ما تم التوافق حوله للوصول الى حل يقترب من الحل اليمني الذي بلغت خواتيمه مرحلة أعطت المفاوضين دفعاً بإمكانية طي الملف بكل تعقيداته.
وبحسب تسريبات من بعض الأطراف المتابعة، هناك قناعة لدى راعيي اللقاء بأن تعقيدات الملف اليمني يمكن ان تكون أكثر وأعمق من تعقيدات الملف السوري. ورغم ذلك تم التوصل الى حل لها. وهي القناعة التي تم الترويج لها بين طرفي الصراع السوري. والمعارضة من جهتها تنفي وجود وفد لها في بيرن، وتؤكد انها تفهم المسألة من زاوية مختلفة تتمثل بأن المفاوضات الروسية – الأميركية بخصوص الملف السوري متواصلة، لكنها لا ترى منطقاً في عودة ايران الى التفاوض. وفي الوقت نفسه لا تملك إمكانية منع أية أطراف بالحديث «غير الرسمي» في تفاصيل الموضوع السوري. وترى في الوقت نفسه انها غير ملزمة بقبول أية توافقات او تفاهمات تصدر عن أي مسار آخر، وتخلص الى انها ليست جزءاً من ذلك المسار.
في الوقت نفسه تتمسك الوفود المشاركة في حوار مونترو بالمباحثات، وتقدم نفسها على اساس انها صاحبة صلاحيات كاملة في البحث بكل التفاصيل، والتوصل الى حلول، لكنها تختلف في ما بينها على كل التفاصيل المعروضة، وخصوصاً التفاصيل المتعلقة بموضوع انتقال السلطة. وتفاصيل المرحلة الإنتقالية.

تطورات الأزمة
وأكثر من ذلك، هناك من يدقق في تفاصيل المشهد وصولاً الى ان التوافقات التي تم الإعلان عنها ولم تدخل حيز التنفيذ، بما في ذلك الملف الإنساني. وبحسب تصريحات لوفد المعارضة، لم تجد الإتفاقات الإنسانية الخاصة بمدينة حمص طريقها الى التنفيذ. ولم يتم فتح بوابات المساعدات الإنسانية حتى اللحظة، الأمر الذي يدفع بالمعارضة الى محاولة القفز فوق العامل الإنساني وصولاً الى المرحلة الإنتقالية التي تراها الأساس في كل العملية.
مسار بيرن التفاوضي، لم يتسرب منه الكثير، فبإستثناء التحليلات التي تحدثت عن رغبة الولايات المتحدة في تسجيل موقف عند الإيرانيين، وجرهم الى ما هو أبعد من اتفاق على إنهاء المأساة السورية، تمت دعوة ايران للمشاركة في ذلك المسار الذي يراه البعض غير رسمي، ويراه البعض الآخر أكثر فاعلية من مسار مونترو بإعتبارهما الروافد لمؤتمر «جنيف – 2». ويبدو ان واشنطن أرادت ايضاً إرضاء روسيا من خلال موافقتها على إشراك طهران، وصولاً الى تناغم من نوع خاص في إطار أمور ألمحت إليها ورقة تقدم بها وفد النظام السوري وأشارت الى الحرص على «وحدة الأراضي السورية»، وهي الإشارة التي عززت التفكير بملف تقسيم سوريا بإعتبار ان تلك الخطوة يمكن ان تكون مطروحة في أذهان بعض الدول، لكنها مرفوضة من قبل النظام.
لكن، ومهما يكن الأمر، يتوقف المحللون عند مجريات العملية التفاوضية في مونترو. فبدون سابق انذار، بدأ المتفاوضون هناك بالترويج لحالة يسمونها تفاؤلاً، ويصنفها المدققون في تفاصيل المشهد بأنها «تفاؤل وهمي». وفي منتصف الطريق يؤكد المبعوث الأممي والعربي لسوريا الأخضر الإبراهيمي عكس ذلك، ويعيد التأكيد بأنه «لم يكن يتوقع حدوث معجزة»، الا انه لم يفقد الأمل بحدوث إنفراج في جدار الأزمة المستفحلة، والتي أضفت جواً من التشاؤم في أجواء الملف السوري الذي يؤكد متابعوه انه دخل مرحلة التناقض، وان اطراف التفاوض لم يفلحوا حتى اللحظة في اختراق حاجز «العداء» الذي فرضته تطورات الأزمة على مدى الأعوام الثلاثة الفائتة، وشلال الدم الذي ما زال يتدفق بغزارة.
حالة التناقض تلك تأخذ أشكالاً عدة، أبسطها إستمرار القصف ببراميل البارود على العديد من المواقع في محيط حلب، وإستمرار المواجهات في أكثر من مكان. وبالتالي إستمرار الحديث عن تفاوض، وعن سلام منتظر، في الوقت الذي يستمر الحصار والقتل والقصف في العديد من المناطق.
ففي مونترو، تتواصل المفاوضات الشاقة، ولكن دون نتائج تذكر، والسبب في ذلك التباين في المواقف التفاوضية، وتعمد الإبتعاد عن محور القضية، وسط اتهامات متبادلة بسوء النوايا وبمحاولة إضاعة الوقت وتوجيه الأنظار نحو ملفات أقل أهمية.

إستمرار المفاوضات
ويبدو ان تلك الحالة المستعصية دفعت بإدارة المفاوضات الى التفكير بأسلوب مختلف لتقريب وجهات النظر. وبالتالي فقد طلبت من كل وفد تقديم ورقة عمل تتضمن مطالبه. ومن ثم قيام الإبراهيمي نفسه بإعداد ورقة عمل تركز على القضايا الواردة في المذكرتين. وللوهلة الأولى بدت العملية وكأنها «حرب مذكرات»، فبينما إبتعد وفد النظام عن موضوع المرحلة الإنتقالية، بشكل كامل، ركزت المعارضة على هذه المرحلة.
فقد تقدم رئيس الوفد الحكومي المفاوض السفير بشار الجعفري بورقة تتضمن خمس نقاط، بينها، احترام سيادة سوريا، وعدم جواز التنازل عن أي جزء منها، والعمل على إستعادة أراضيها المغتصبة كافة، ورفض أي شكل من أشكال التدخل والإملاء الخارجي، وأن يقرر السوريون بأنفسهم مستقبل بلادهم، وتضمنت الورقة ايضاً رفض الإرهاب، ووقف التحريض الإعلامي.
وأمام هذه المذكرة، أكد الناطق بإسم الإئتلاف الوطني السوري المعارض لؤي صافي، أن المفاوضات مع وفد النظام ما زالت مستمرة من دون حدوث أي تقدم، وإتهم وفد النظام بالتهرب من إطار التفاوض المتمثل في محددات بيان «جنيف – 1»، وتقديمه اقتراحات تهدف إلى إبعاد المفاوضات عن مسارها وهدفها اللذين يرتكزان على تشكيل هيئة حكم انتقالية. وأوضحت عضو الوفد المعارض ريما فليحان، أن وفد النظام جاء فقط لتكريس وجود الأسد ومناقشة مواضيع ليست لها علاقة فعلياً بالسبب المباشر لعقد هذا المؤتمر.
من جهته، قدم وفد المعارضة ورقة مكتوبة للمبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبرهيمي ضمنها بعض المطالب الإنسانية الملحة وأبرزها اطلاق سراح نحو خمسة آلاف معتقل بينهم نساء و أطفال و إدخال نحو 300 طن من المواد الطبية و الغذائية خلال 48 ساعة المقبلة بعد توقف إطلاق النار. وطالبت الورقة بفك الحصار عن حمص المفروض عليها منذ تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2012. كما تضمنت الورقة تأكيداً على الإلتزام بمقررات جنيف واحد، والإستعجال في تحديد ملامح ومتطلبات المرحلة الإنتقالية.
من جهته، بدأ الإبراهيمي إعداد ورقة عمل من خلال جمع النقاط الممكن التفاهم عليها، ومنها القضايا المتعلقة بفتح الممرات الآمنة وتبادل الأسرى وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، على أن تؤجَّل القضايا الجدليَّة كنقل الصلاحيات من الرئيس السوري بشار الأسد الى هيئة إنتقاليّة إلى مرحلة لاحقة، علماً بأن طرفي النزاع «أبديا مرونةً» وانتهت المشاورات بين الإبراهيمي والوفدين السوريين إلى إعتماد قاعتين منفصلتين للتفاوض. واجبر ذلك الإبراهيمي على القيام بجولات مكوكية بين القاعتين لنقل المعلومات والردود والمقترحات والإعتراضات بين الفريقين، ذلك ان بقاء الوفدين في قاعة واحدة قد لا تُحمد عواقبه بحكم المشادات التي يمكن ان تقع بينهما.
وتشير آخر المعلومات المتسربة من اروقة المؤتمر  الى ان المفاوضات توقفت عند بعض النقاط، حيث طالب وفد النظام بأن يتم التركيز على مسألتي وقف العنف ومكافحة الإرهاب، بإعتبار ان «جنيف – 1» بدأ بهاتين النقطتين. وبحسب تصريحات لرئيس الوفد فإنه يوافق على مقررات جنيف واحد، ويتمسك بتطبيقات ذلك القرار بالترتيب الذي اعتمدته، والذي يبدأ بهاتين النقطتين.
وفي الوقت الذي يرى وفد المعارضة ان الإعلان عن موافقة النظام على «جنيف – 1» يعتبر تقدماً مهماً، فإنه لا يمانع في مناقشة وقف العنف. ويرى ان القضية مرتبطة بالنظام، لكنه اكد على انه مخول بمناقشة كل التفاصيل واتخاذ القرار المناسب، وذلك رداً على فرضيات النظام بأن المعارضة لا تملك تفويضاً من كل الفصائل بذلك.
وبين هذين التصورين تسربت معلومات عن ان المباحثات دخلت بعض المجالات التفصيلية المتعلقة بالهيئة الإنتقالية، ومنها آليات تطبيق تلك المرحلة وعدد اعضاء الهيئة وحجمها وصلاحياتها.
لكن المتابعين يتوقعون ان تأتي المفاجأة من بيرن، وخلال وقت قريب، الا ان التوقعات قد لا تصب في خانة الحل النهائي. ذلك ان التحليلات تشير الى ان الملف لم ينضج بعد، وبالتالي فإن أي حل منتظر قد تستمر تطبيقاته سنوات عدة، ما يعني ان الأزمة طويلة.

احمد الحسبان
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق